جفرا نيوز -
جفرا نيوز - مهدي مبارك عبد الله
بداية لابد من التوضيح بان خلاف بايدن والحزب الديمقراطي مع روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين تصاعد منذ الانتخابات الرئاسية الأميركية في عام 2016عندما نشر موقع " ويكيليكس " في تشرين الأول من العام نفسه مجموعة رسائل مقرصنة من البريد الإلكتروني الخاص بالمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون هذه الرسائل المسربة وضعت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة في موقع دفاعي خصوصاً ما يتعلق بوثائق الخطابات التي ألقتها مقابل أجور مالية أمام مصارف ومؤسسات اعمال ومال بين عامي 2013 و2015 وبناء على ذلك وجه الحزب الديمقراطي اتهاماته لروسيا بالوقوف خلف عمليات القرصنة الواسعة للتأثير في مجرى الانتخابات الرئاسية دعماً لترمب
لكن جوليان أسانج مؤسس ويكيليكس نفى وقوف روسيا وراء تلك التسريبات وقال إنه ( لم يتصرف لإرضاء رغبات شخصية في التأثير في نتيجة الانتخابات ) بل لأن منظمته تدافع عن حق الجمهور في أن يكون مطلعا على الخفايا والاحداث
الان وفي لحظات دقيقة ومفصلية لا زالت فيها امريكا برئاسة بايدن وبخطى سريعة منكبة على تضميد جراحها الداخلية وستر عوار سياسات منفلتة وغوغائية وتصريحات همجية مارسها بعنجهية وغرور الرئيس السابق دونالد ترامب اضرت في عمق السياسة الخارجية الامريكية وفي صميم العلاقات مع العديد من الدول وفي تطور مثير ومستهجن شن الرئيس الأميركي جو بايدن قبل ايام قليلة هجوماً غير مباغت على نظيره الروسي فلاديمير بوتين من خلال مقابلة تلفزيونية واصفا اياه بعبارة غير دبلوماسية بالقاتل وتوعده بأنه " سيدفع الثمن " جراء تدخله في انتخابات الرئاسة الأميركية لمصلحة الرئيس السابق ترامب والتي نفتها موسكو مرارا وسط استمرار وتزايد اتهامات الديمقراطيين بمحاولة دعم ترامب للفوز بفترة ثانية
الرئيس بايدن اعتمد في اتهاماته للرئيس بوتين على تقرير سري وخاص للاستخبارات الأميركية يفيد بأنه من المحتمل أن بوتين أصدر أوامر بالتدخل في الانتخابات الأمر الذي أثار حفيظة روسيا لعدم استناد التقييم الاستخباراتي إلى حقائق أو أدلة محددة ومؤكدة في توجيه الاتهامات للرئيس الروسي مع التأكيد بان التقرير لم يكن حاسماً بل استخدم عبارة " من المحتمل " وهي ذات اللغة التي استخدمت في قضية الصحافي السعودي جمال خاشقجي مما يبعث شعوراً بتسييس التقارير الاستخباراتية الأميركية لغايات مبيته في حين برأ التقرير نفسه الصين من اتهامات التدخل فيما يتعارض ويتضارب ذلك مع تحذيرات سابقة للمركز الوطني لمكافحة التجسس الذي افاد في حينه بان ( الخصوم من الدول الأجنبية بما في ذلك روسيا والصين وإيران تسعى للتأثير في الانتخابات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة
من المعلوم جيدا ان روسيا ليست وحدها التي تدخلت وفق مزاعم بايدن في الانتخابات الامريكية الاخيرة لصالح ترامب كما زعم بل هنالك كوبا وفنزويلا وايران لكنه نسي كوريا الديمقراطية و سورية ولم يدرجهما في قائمة الاتهامات لدواعي العداء ونزعة الانتقام
الاستخبارات الامريكية وبعض وسائل الإعلام االنافذة آنذاك حذرت من الاعداء الذين يسعون الى تقويض الثقة في العملية الانتخابية ومن ثم بالديمقراطية الأميركية ككل فالصين تسعى لتشكيل البيئة السياسية بالولايات المتحدة والتأثير سلباً في الشخصيات السياسية التي ترى أنهم يعارضون مصالح بكين وتعمل على تحويل لنقد المضاد بينما تستهدف روسيا إضعاف الولايات المتحدة عبر مواصلة نشر معلومات مضللة داخل لبلاد اما إيران فهي تقوم ببث وترويج حملات تضليل على الإنترنت تهدف إلى تقسيم البلاد قبل الانتخابات وتقويض المؤسسات الديمقراطية وهو ما ادى إلى حدوث انقسام حزبي عميق ومرير داخل الديمقراطيون حيث لا زال يصر بعضهم على أن دولة معادية سعت لهزيمة مرشحهم وتثبيت رئيس غيره يمكن لموسكو التأثير أو التحكم فيه
وقد كشف تحقيق صحافي نشرته مجلة نيوزويك الأميركية منتصف تشرين الأول الماضي عن 600 مجموعة على الإنترنت على اتصال منتظم بالحزب الشيوعي الصيني وموجهة من قبله سعت للتأثير في الانتخابات الأميركية وأنه على مدار الأشهر الثلاثة السابقة للانتخابات أبلغت "غوغل" و"مايكروسوفت" عن محاولات لهجمات إلكترونية مرتبطة ببكين باستهداف أفراداً عملوا مع حملات بايدن وترامب
وعلى الرغم من تضمين التقارير الاستخبارية الامريكية معلومات واضحة حول التدخل الروسي والصيني والإيراني الا ان تهديدات واتهامات بايدن تركزت على موسكو فقط بشأن وجود تواطؤ بين ترامب وروسيا وهو ما أثبتت التحقيقات الواسعة التي أجراها المحقق الخاص روبرت مولر عدم صحته وتمت تبرئة ترامب في الكونغرس بموجبه ولم يتم عزله
في انتخابات 2020 الماضية تحدث الرئيس ترامب ونشرت تقارير صحافية بشأن تورط بايدن ونجله هانتر مع الصين وكذلك في أوكرانيا من خلال قضايا فساد مالي حيث يعتقد الديمقراطيون أن بوتين يقف وراء ترويج هذه الاتهامات ضد نجل بايدن داخل أوكرانيا والولايات المتحدة عندما كان والده نائباً للرئيس كان هانتر عضواً في مجلس إدارة شركة الغاز الأوكرانية " بوريسما " كما وجه ترامب اتهامات لبايدن بالسعي لإقالة المدعي العام الأوكراني الأعلى المكلف بالتحقيق بقضايا الفساد وذلك من اجل حماية الشركة ونجله وعلى الرغم مما أثير من تساؤلات بشأن وجود تضارب محتمل للمصالح الامريكية فتح الكونغرس بتوافق من الحزبين تحقيقاً توصل إلى أن عمل هانتر في الشركة الأوكرانية كان مثيراً للشبهات لكنه لم يكن هناك دليل على تأثر السياسة الخارجية للولايات المتحدة بعمله وقد اعترف هانتر 50 عام بأنه أظهر " قلة حكمة " في بعض تعاملاته التجارية لكنه نفى ارتكابه لأي مخالفات بالفساد او غيره
تصريحات الرئيس بايدن الصادمة اثارت ردود فعل غاضبة وسريعة من قبل روسيا التي قامت أولاً باستدعاء سفيرها في واشنطن للتشاور الطويل وتخفيض التمثيل الدبلوماسي لدى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة وقد رفض مندوبها الدائم في مجلس الأمن تمثيلها في الاجتماع الافتراضي مع الرئيس الأميركي ثم تحول بعد ذلك الأمر الى سجال كلامي عندما رد الرئيس الروسي بالقول إن " الناس يرون الآخرين عادةً كما يرون أنفسهم " وسبق ذلك تعليق النائب الأول لرئيس مجلس الاتحاد الروسي أندريه تورتشاك اعتبر فيه أن تصريحات بايدن دليل على "غلبة الجنون السياسي" في واشنطن وخرف وجنون قائدها العجوز
العديد من الخبراء والمحللين يرون ان الاتهامات الموجة ضد روسيا تشكل حالة صاخبة من الهوس المبالغ فيه على نحو غير دقيق والذي لا بد من التغلب علية خاصة بعدما وصل إلى حد اتهام كلينتون للنائبة الديمقراطية تولسي غابارد بالعمل لحساب بوتين بسبب آرائها المنتقدة للسياسة الخارجية والعسكرية للولايات المتحدة الامر الذي ساهم في خلق مناخ قاتم من الضبابية وعدم التسامح حيال روسيا وتوقع جدل كبير بشأن السياسة الامريكية المتوقعة تجاهها فضلا عن رؤية بعضهم بان اكاذيب بايدن واجهزة استخباراته هي اكاذيب شبيهة بتلك التى سوقتها امريكا وحليفتها بريطانيا من اجل غزو واحتلال العراق عام 2003
بعدما اصبح بوتين مسؤول مباشر عن كل مشكلة سياسية او اقتصادية او صحية او معيشية في أمريكا وقد اشار الكثيرون بأن المشهد في حيثياته بات يشبه بشكل مقلق مرحلة ( الحقبة المكارثية ) في عام 1950 نسبة لعضو مجلس الشيوخ الأميركي جوزيف مكارثي الذي داوم على توجيه اتهاماته لموظفي الحكومة بالميول نحو الشيوعية والتآمر على الدولة مما قاد لسجن العشرات بتهم تتعلق بالعمل لمصلحة الاتحاد السوفياتي خلال حقبة الخمسينيات وهو ما ثبت عدم صحته في ما بعد
تصريحات بايدن المتسرعة وربما المتهورة ضمن السرد المنطقي للوقائع تعتبر غير مقبولة وستزيد حتماً في تدهور العلاقات بين البلدين وتقضي على أي أمل لدى موسكو بشأن تغيير السياسة الأميركية تحت قيادة الإدارة الجديدة مما تتطلب الاعتذار العاجل لان استمرار التصعيد بهذا المستوى بين الرئيسين والبلدين يؤشر وبشكل متزايد بان ( حرب باردة ثانية ) تلوح في الأفق بسبب هذه الهستيريا في العداء وعدم السيطرة على الالفاظ والخطابات او التفكير في عواقب الاتهامات والتصريحات ودون اعتبار للقدرات العسكرية الهائلة التي تملكها روسيا في مختلف المجالات ناهيك عن ما في يد موسكو من اوراق اقليمية هامة تستطيع من خلالها الاضرار بأمريكيا وسياساته في المنطقة حيث دعت مؤخرا وفداَ من المقاومة المعادية لأمريكا لزيارتها في رسالة واضحة عن طبيعة المرحلة القادمة الني ستكون سوريا مسرحها الأساس والتي تتطلب إخراج الأمريكيين منها ومن العراق وهذا ما نشاهده في تصاعد العمليات العسكرية ضد الجيش الأميركي بشكل لافت
وفي ظل هذا التصعيد المتصاعد الوتيرة يتوقع ان يعيد الرئيس بايدن حساباته وسياساته بشكل دقيق بحيث يخفف من حدة كلامه تجاه بوتين في الأيام القادمة وربما يبعث باعتذار من خلال وزير الخارجية أنتوني بلينكن أو مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ومن الممكن ايضا أن يستغل بايدن المؤتمر الصحافي الأول له المقرر في الخامس والعشرين من الشهر الجاري ليدلي بتصريحات مغايرة وخطاب متزن من اجل تهدئة الأمور بعدما بلغ العداء الأمريكي لروسيا مستوىً لم يحدث في تاريخ العلاقات بين الدولتين بعدما وصف بايدن بوتن بأنه قاتل
ختاما نقول بواقعية وموضوعية الا يحق للأخرين كذلك وصف قادة امريكا بانهم ( قتلة الشعوب ) الا يعرف الرئيس بايدن من قتل شعب فيتنام ولاووس وافغانستان وشعوب امريكا اللاتينية والشعب الياباني بالقنابل النووية وشعب العراق وسورية والشعوب الاخرى التي رفضت الغطرسة الامريكية وسؤلنا الاخير الا يستحق لقب ” قاتل” كذلك الذي يغزوا الدول ويحتلها ويسرق ثروات شعوبها ويبتز حكوماتها من اجل الحصول على الاموال ” بالاتاوات والعربدة والتهديد ( من كان بيته من زجاج فلا يرمي الاخرين بالحجارة )
mahdmublat@gmail.com