جفرا نيوز -
جفرا نيوز - كتب حسين الرواشدة
ثمة فرق كبير بين الدعوة الى «اقامة» موازين العدالة، لكي تشمل الجميع، ويشعر بها القوي والضعيف، وبين استغفال الناس – باسم العدل والانصاف – وثمة فرق اكبر بين من يصرخ بالصوت العالي: «يحيا العدل» حين «تستقيم» الأحكام على قاعدة الامانة والصدق والمسؤولية وبين من يصرخ: «يحيا العدل» وفي داخله صوت آخر يصرخ «يحيا الفساد»، هذا الأخير للأسف هو ما نسمعه اليوم في اكثر من مكان، وعلى اكثر من لسان.
عنوان «العدل» الذي تكرر مضمونه في القرآن الكريم اكثر من ألف مرة، لا يعني فقط المساواة والمماثلة، ولا الاحتياط والامانة عند الحكم في المنازعات، وانما ايضاً الاستقامة والاحسان والفضل، وهذه – الاخيرة – قيمة عزيزة تجعلنا اكثر فهماً وانفتاحاً على ذاتنا وعلى الآخرين، واكثر ايماناً «بالعدل» كقيمة انسانية وكونية لا يمكن لحياتنا ان تستقيم من دونها.
لا شك بأننا – جميعاً – نكره الفاسدين، ونكره الظالمين، لكن هذه الكراهية مهما كانت مبرراتها، ومهما اتسعت حدودها، لا يجوز ان تحول بيننا وبين «العدل»، «ولا يجرمنكم شنآن قوم على ان لا تعدلوا..»، ولا يجوز ان تدفعنا الى «الانتقام» والشماتة، ولا الى التسرع في اصدار الاحكام واستسهال اطلاق الأوصاف والتهم.
مما يقتضيه «العدل» ايضاً الا نتطوع في الدفاع عن «الفاسدين» فحق الدفاع له أهله من ذوي «القسط»، والا نقف مع «الظلم» او نتبنى أصحابه، فأسوأ ما يمكن ان يفعله احدنا هو «التدليس» على الناس لإيهامهم بأن «الفاسد» مظلوم، او بأن «صوته» المبحوح، وتهديداته «العنترية» يمكن ان تغطي على «الحقيقة» او ان «تقلب» موازين العدالة، او ان تقنع المستمعين بأن «الفساد» مجرد زوبعة في فنجان.
في بلادنا، وفي غيرها ايضاً، ثمة «متطوعون» للدفاع عن «المفسدين» وثمة شبكات فاعلة مهمتها خلط الاوراق، وتعويم القضايا ومحاولة تضليل الرأي العام، وهي كلها نتاج «لمؤسسة» الفساد: هذه التي اتسعت وتجذرت واستقطبت «مريدين» لها، يدافعون عن مصالحهم، ويحاربون أي «صوت» يدعو الى اقامة «العدل» او القصاص او حتى المساءلة، بذريعة الخوف من اغتيال الشخصية، او هدم المنجزات فيما الحقيقة ان دافعهم الوحيد هو «الخوف» على مصالحهم ومصالحهم فقط.
اذا كان هؤلاء يريدون ان يدافعوا عن «العدالة» فأين هم من «قضايا» اخرى لا يملك اصحابها «المال» والنفوذ للدفاع عن انفسهم، وأين هم من «اصوات» مخنوقة لا تجد من يسمعها ولا من يتطوع لانصافها، مع انها قد تكون مظلومة حقاً.. ولا تتغنى «بانشودة» الظلم فقط.
رجاءً، اسمحوا «للعدالة» ان تأخذ مجراها، واتركوا لأهل «القسط» ان يقولوا كلمتهم، ولا تدعوا «فرصة» لخبراء «التدليس» كي يمارسوا مهمة «الغواية» والبكاء على الضحايا «الفاسدين»، او «النكاية» بمن يدعون لمحاسبتهم، فانتصارنا في جولة «الاصلاح» عنوانه الأهم هو «العدل» هذا الذي سيسمح لنا ان نتنفس هواء نظيفاً لا يكدره علينا أحد.