جفرا نيوز -
جفرا نيوز- كتب يوسف غيشان
ذات قرن، كنت شابا، مثلي مثل غيري من الكائنات الحية التي يتوجب عليها المرور بمراحل النمو جميعها بالتسلسل. ومثلي مثل غيري حلمت أن أكون شاعرا ،وشرعت في إقتراف الشعر قبل نهاية مرحلة ما يسمى بالطفولة ، وقد تطلب هذا قراءة وحفظ الكثير من الأبيات الشعرية.
تماريننا اليومية ولعبتنا ومدينة ملاهينا كانت المباريات الشعرية، سيما وإني أتحدث عن مرحلة ما قبل الكمبيوتر والإنترنت، وكان ابتكار المصباح الكهربائي ما يزال ساخنا، ولم يكن قد وصل الى كامل بيوت حارتنا بعد.
كانت المبارة تبدأ بأن يلقي أحد الأنداد بيتا شعريا وكنا في أغلب المرات نقرأ بيتا شعريا عرمريا يقول:
العرب خير أمــــــــة
من شك في قوله كفر
كنا نقرا كلمة (العرب) بضم العين وتسكين الراء، ناهيك عن تسكين آخر كلمة (قوله)في الشطر الثاني، كل ذلك لغايات إستقامة الوزن.
نرجع للمباريات الشعرية، حيث على المتسابق الثاني، أن يلقي بيتا شعريا يبدأ حيث انتهى البيت الأول، وفي هذه الحالة كان عليه أن يلقي بيتا شعريا يبدأ بحرف الراء. وتستمر المبارة سجالا الى أن يعجز أحد الفرقاء عن إلقاء بيت شعري يتناسب أوله مع آخر حرف من البيت الذي القاه المتنافس الاخر...فتنتهي المباراة.
عدا كلمة : (مكرر) أو كلمة (قيل) ، التي كانت تقال في حال قال أحد الفرقاء بيتا شعريا كان قد قيل سابقا خلال هذه المباراة بالذات. عداهما كانت كلمة (محبوك) هي أكثر الكلمات اللاشعرية التي تقال خلال المباراة ، وهي تبدو وكأنها اطلاق نار - مع سبق الإصرار والترصد- على مجمع أعصاب من يلقي البيت الشعري.
كلمة محبوك تعني أن الحرف الأول من صدر البيت الشعري هو ذات الحرف الأخير في عجز البيت الشعري وهذا عيب شعري مرفوض خلال هذا النوع من المسابقات، لكننا لا نتورع عن الوقوع فيه عن قصد أو عن غير قصد، لكننا كنا ننكشف في أكثر الأحيان، فيجبرنا المتسابق الاخر على إلقاء بيت شعري آخر، وهنا كنا نلجأ الى تأليف عدة كلمات لكأنها بيت شعري حقيقي، ولا يملك الآخر القدرة على تقطيعها عروضيا والحكم عليها.
انتهى عصر المباريات الشعرية، وألقينا سنين العمر على قارعة طريق الحياة، وما زلنا نحاول الخداع، عن قصد أو عن غير قصد، في عالم صار محبوكا من كل الاتجاهات.