النسخة الكاملة

حزب باتريوت وإعادة ولادة ترامب السياسية

مهدي مبارك عبد الله

الخميس-2021-02-16
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - مهدي مبارك عبد الله

رغم خروج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من البيت الابيض مهزوما مدحورا يجر وراءه ذيول الخيبة والفشل والإحباط إلا انه لا يزال يحظى بشعبية وافرة بين الجمهوريين ولديه قاعدة صلبة وواسعة من المؤيدين وهو ما ظهر جليا في زيادة عدد الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات الرئاسية لعام 2020 حيث ( جمع أصوات أكثر من 70 مليون ناخب أمريكي ) وأن بعض مؤيديه لم يشاركوا بجدية في السياسة الجمهورية قبل حملته الانتخابية عام 2016

في الواقع العملي البعض يرى ان الرئيس ترامب لا يزال بإمكانه ممارسة نفوذ سياسي كبير قد يقلب فيه المشهد الأمريكي برمته ويغير قواعد اللعبة الديمقراطية الرتيبة التي تسير على قدمين ( حزبين ) لا ثالث لهما في المنافسة الانتخابية منذ سنوات طويلة وذلك عبر سعيه الحثيث والقوي لإنشاء حزب سياسي جديد يدعم من خلاله مرشحيه السياسيين حتى لو لم يترشح هو نفسه للرئاسة الآن خاصة بعد حادثة اقتحام أنصاره لمبنى الكونغرس في 6 كانون الثاني الماضي وما تركته من اثار ونتائج سلبية

تلك الواقعة التي هزت صورة الولايات المتحدة كأكبر ديمقراطية في العالم والتي أدت إلى نشوب الخلافات والشقاق والعداوة بين ترامب والعديد من قادة حزبه الذين انتقدوا أحداث الكونجرس ووافقوا على محاكمته والمطالبة بعزله بما في ذلك زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل الذي كان مؤيداً قوياً وحليفاً له ثم انفصل عنه واتهمه باستفزاز الغوغاء ووصل به الأمر إلى درجة القول إن الهجوم كان تمرداً وحتى نائب الرئيس السابق مايك بنس الجمهوري المحافظ الذي كان ينظر إليه دائما على أنه تابع لترامب رفض دعوة الرئيس السابق لسحب شهادات الناخبين في 6 كانون الثاني وغاب عن حفل وداع ترامب لحضور تنصيب جو بايدن

الشكوك بعدم دستورية عزل رئيس سابق ومحاكمة شخص لم يعد رئيس كانت حاضرة بقوة في محاكمة ترامب إمام مجلس الشيوخ الأمريكي وبعد حكم براءته الأخير عن إحداث الشغب والتمرد أخذ جرعة ودفعة معنوية ومكانة عملية ليظل قوة سياسية هائلة تشكل قلقا وفزعاً لكلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي على حد سواء وربما يكون حزبه الجديد المنوي تشكيله عدواني النزعة وخطير الأيدلوجيا والسلوك لأعضائه وأنصاره أكثر مما هو متوقع

فقد لوحظ إثناء حشد أنصار اليمين المتطرف الدعم المطلوب لفكرة حزب باتريوت على شبكات التواصل الاجتماعي استخدامهم إشارات إلى جماعات الميليشيات والترويج لمزيج من نظريات المؤامرة وما يتبعها من فرقة وانقسام وكراهية وقد تم إحصاء أكثر من 51 مجموعة و85 صفحة على فسبوك تروج لأيقونات حزب باتريوت لعشرات الآلاف من المتابعين ومع ذلك فإن التفاصيل الخاصة بالحزب الجديد غير واضحة بعد ومن المتوقع أن يسحب معه عددًا لا بأس به من المؤيدين من أعضاء الحزب الجمهوري الذي ينتمي له الان ومن المفارقات العجيبة أن نشير هنا إلى أن جزءاً من كلمة ( باتريوت ) يدل على الشغب وهو الجانب السيكولوجي الأهم في تكوين شخصية وسلوك ترامب الفوضوي والعنيف والنزق وقليل الاحترام وعديم الإنسانية

تعددت التقارير والتوقعات الصحفية حول عدم ابتعاد ترامب كثيرا عن السياسة بعد خروجه من البيت الأبيض حيت أعلن في الأيام الأخيرة له في الحكم عن نيته طرح فكرة إطلاق حزب سياسي جديد وتسميته ( حزب باتريوت ) يعني ( الحزب القومي ) وقد شكلت بعض الأحزاب والتنظيمات بهذا الاسم في الستينات والسبعينات في المريكا وقد رشحت مؤخرا إخبار غير مؤكدة تفيد بان حزب باتريوت قدم رسمياً المستندات والوثائق إلى لجنة الانتخابات الفيدرالية وان ترامب سيترأس الحزب كما تم تسجيل لجنة العمل السياسي للحزب بشكل رسمي في ولاية جورجيا الأمريكية وطلب في دعوى له ترشيح منافسين في الانتخابات النصفية المقبلة عام 2022 للذين وقفوا ضده واعترفوا مبكرا بفوز بايدن في الانتخابات الأخيرة وقد أدرجت حملة ترامب على أنها مشارك في عمليات جمع التبرعات الخاصة بالحزب

وفي ذات السياق شكك البعض في ترخيص الحزب من قبل ترامب بشكل رسمي واعتبروا ذلك مجرد تلميحات وتهديدات بتأسيس حزب سياسي جديد موجهة إلى الجمهوريين للضغط على أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين لمنعهم من التصويت على قرار عزله وهي أشبه بمقامرة لمقايضته ورقة تأسيس الحزب الثالث بمنع التصويت على عزله بهدف تمكينه من الاستمرار في الترشح لانتخابات الرئاسة عام 2024

لم يعلق ترامب على هذه الأنباء حتى الآن رغم انه بحث إمكانية تأسيس حزب جديد مع مساعديه وأشخاص مقربين له خلال الأيام القليلة التي سبقت مغادرته البيت الأبيض وليس واضحا بعد مدى جدية ترامب في إنشاء الحزب والذي يتطلب استثمارا ضخما للوقت والموارد مع الأخذ بعين الاعتبار أن جميع المحاولات السابقة لإنشاء حزب ثالث قوي ومؤثر في امريكا قد فشلت في الحصول على الدعم الكافي للعب دور رئيسي في الانتخابات

محاولات ترامب إنشاء حزب جديد بنكهته الشعبوية المميزة ستجد بلا شك معارضة شديدة من مسؤولي الحزب الجمهوري الذين سيغضبون من استيلاء ترامب على دعم مرشحي الحزب وأضراره بمستقبله وقاعدته الشعبية والسياسية لكن إمام كل ذلك يثور التساؤل هنا ما هي التحديات التي سيشكلها على نظام الحزبين الأمريكي وجود حزب ثالث في الحقيقة التاريخية الثابتة لن يؤدي الحزب الجديد دوراً جيداً في نظام الحزبين الأمريكي فقد كان هناك العديد من الأحزاب التي جاءت وذهبت في تاريخ امريكا ولم يتمكن أي منها من تحدي نظام الحزبين الراسخ وفي هذا الصدد يذكر ان الرئيس الأمريكي السادس والعشرون ثيودور روزفلت والذي يعتبر من جيل العظماء عندما كان محبطاً من حزبه وقام يتأسس حزب ثالث لم يسعفه في الفوز بالانتخابات الرئاسية عام 1912

اليوم الواقع طبعا مختلف كليا حيث تحتاج حملات الانتخابات الرئاسية الى مبالغ ضخمة ودعم منظم وواسع النطاق ولهذا لن يكون أي مرشح لحزب ثالث سواء كان مستقل أو مؤسس حديثاً منافساً قويا لأي مرشح ديمقراطي أو جمهوري في المستقبل ولهذا السبب قام ترامب بحملته الانتخابية كمرشح رئاسي ( جمهوري في المقام الأول ) في عام 2016

العقبات والاستحقاقات المصيرية التي يواجهها ترامب عديدة جدية وكبيرة وخطيرة خاصة داخل حزبه الذي يجد فيه مصدر إزعاج دائم فبعد أعمال الشغب في مبنى الكابيتول الأميركي فكر الحزب الجمهوري في التخلص منه ومع ذلك يواجه الحزب الجمهوري مخاطر سياسية هائلة إذا استمر قادته في احتضان ترامب وعلامته السياسية الفريدة التي تكسر كل القواعد وتخالف جميع التقاليد التي سار عليها الرؤساء السابقين بعد خروجهم من البيت الأبيض عبر طموحه اللا محدود في مواصلة لعب دور سياسي كبير وطموح ومحافظته على نفوذ مستمر بعد مغادرته الرئاسة وهذا بعض مما قاله بهذا الشأن ( إن حركتنا التاريخية والوطنية والجميلة لجعل أميركا عظيمة مرة أخرى قد بدأت للتو في الأشهر المقبلة لدي الكثير لأشاركه معكم وأنا أتطلع إلى مواصلة رحلتنا المذهلة معا لتحقيق العظمة الأميركية لجميع أفراد شعبنا )

المشاكل والمعضلات التي تواجهه ترامب بدأت بسقوطه في الانتخابات حيث ( خسر الحصانة التي يمنحه إياها منصب الرئاسة والتي تحميه من الملفات القضائية التي تلاحقه والتي تدور حول قضايا احتيال وتزوير ضريبي وحالات إفلاس وغيرها ) ولن تنتهي بإعلان براءته من تهم التحريض على التمرد والعنف في محاكمته الثانية في مجلس الشيوخ فهنالك تهم وقضايا عديدة ماليه وأخلاقية تنتظره في طريقه الطويل سوف تعطل قدرته على الاحتمال والصمود وربما تحطم حياته الشخصية والسياسية التي يحلم بها ويخطط وينظم كل جهوده من اجل الوصول اليها رغم كل جينات عناده وعنجهيته وإصراره فقد صدق الشاعر أبو العتاهية حين قال ( ما كل ما يتمنى المرء يدركه رب امرئ حتفه فيما تمناه )
mahdimubarak@gmail.com
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير