جفرا نيوز -
جفرا نيوز - مهدي مبارك عبد الله
لم تترك شيئا فوق الأرض ولا تحت الثرى ولا في الجو وما دونه إلا آذته واضرته فالوطن احتلته و استعمرته والهواء لوثته والدواء منعته والعلاج قيدته والشجر قطعته والبنيان هدمته والتواصل بين الناس حجرته والطفل يتمته والكهل روعته والمرأة رملتها والشاب اعتقلته وفي الزنازين وخلف القضبان رمته والطير لنوايا الشر سخرته والحيوانات الأليفة قتلتها وما بقي منها أقامت له سجنا وحبسته تلك هي دولة الإرهاب والاغتصاب والعدوان والظلم وسفك الدماء إسرائيل الزائلة مهما طال الزمن واستشرت المؤامرات وكثر العملاء والأقزام والبيادق والمرتزقة
في حالة نادرة لم تحدث على مستوى دول العالم المتقدمة أو حتى المتخلفة انشأ جيش الاحتلال الإسرائيلي قبل عدة سنوات سجون من نوع خاص قرب قرية " الجفتلك " بالأغوار الشمالية ليس لوضع الخارجين عن القانون أو المقاومين الفلسطينيين بداخلها بل لسجن " الحيوانات " فقط في هذا السجن الغريب من نوعه وقد رصد فيه ذات حين ما يقارب الـ70 نوعاً من الماشية والدواب التي تعود ملكيتها للفلسطينيين
يلاحق جنود الاحتلال الدواب ( الأبقار والماعز والأغنام والحمير ) التي تعود ملكيتها لمواطنين فلسطينيين في مناطق الضفة والأغوار ويلقون القبض عليها ويضعونها داخل هذا السجن والأغرب من هذا وذاك أنهم يوجهون للحيوانات الأسيرة تهماً أبرزها الاقتراب من معسكرات الاحتلال أو الرعي في المناطق العسكرية المنوعة ( وهم يعلمون ان الحمير لا تعي قوانين الحمير أمثالهم )
يوجد داخل هذا السجن الكبير غرف متنوعة وبتصميم مختلف حسب تصنيف الحيوانات وهي مزودة بأبواب حديدية ضخمة ويقوم بحراسته سجانون إسرائيليون وفيه العشرات من " الأبقار والماعز والحمير وحتى الكلاب الضالة كان لها نصيب في الاعتقال والأًسر " ويقفل عليهم السجن جيداً ولا يسمح لأصحابها بأخذها إلا بشروط أو يتم عرضها بالمزاد للبيع
العديد من المزارعين الفلسطينيين من سكان قرية "الجفتلك" بالأغوار الشمالية تحتجز قوات الاحتلال عدداً ليس قليل من ماشيتهم داخل السجن المخصص للدواب حيث تقوم قوات الاحتلال باقتحام المزارع واقتياد عدداً من الأبقار والماعز وغيرها بهدف قهر وإذلال المواطن الفلسطيني البسيط الذي يعتمد في عمله و رزقه وقوت يومه وحياته على هذه الحيوانات
وعند مراجعة المزارعين لقوات الاحتلال وإدارة السجن للتفاهم معهم من اجل تخليص ماشيتهم من الأسر فأنهم يرفضون بشدة ويصروا على أن يدفع المزارع الواحد آلاف الشواقل (العملة الإسرائيلية ) مقابل الإفراج عنها ( تختلف الغرامات بين الأبقار والماعز والحمير ) وإذا ما تردد أو تأخر في المطالبة بها يتم بيعها في المزاد بعد توجيه تهمة الرعي في مناطق تصنف عسكرية للدواب المحتجزة
الأبقار والماعز وغيرها من الحيوانات هي كل رأس مال المزارعين الفلسطينيين محدودي الدخل بل الفقراء من أبناء فلسطين حيث يعتمدون عليها بشكل كبير ودائم وان احتجازها من قبل قوات الاحتلال يسبب ضرر كبيرا لهم ويعطل عمل مزارعهم التي يعتاشون منها وعائلاتهم الصغيرة وان ما يقوم به الاحتلال مخالف للقوانين ويعد اعتداء واضح وسافر على الفلسطينيين وحقوقهم وأراضيهم ومواشيهم
ممارسات وخطوات الاحتلال القمعية ضد سكان قرية " الجفتلك " لم تتوقف عند مزارع واحد أو اثنين بل طالت كذلك العديد من رعاة الأغنام وقد اعتقلت من بعضهم "حماره" الوحيد واقتادته إلى السجن المخصص للحيوانات بتهمة ان الحمار كان يتجول قريباً من منطقة عسكرية مغلقة ( الحمير المسكينة والبريئة من كل ما ينسب لها بكل تأكيد كانت تبحث عن الطعام والأعشاب ) ولا تعلم أنها تتجه نحو الممنوع لكن الاحتلال بعهره فجوره يقوم باحتجازها ظلما وعدوان ويطلب من اصحابها دفع غرامة مالية قدرها 1000 شيقل عن كل حمار مقابل الإفراج عنه وهذا مبلغ كبير جدا وأغلى من ثمن الحمار أصلاً
مما يضطره العديد منهم إلى ترك حماره الذي يعتمد عليه بشكل كبير في المواصلات وجلب الأغراض الهامة لأسرته وقريته أسيراً داخل السجن الإسرائيلي ليقوم الاحتلال ببيعها في مزاد علني وقد تكرر ذلك في عدة حوادث غريبة لم تحدث على مستوى دول العالم
من المعروف جيدا انه ومنذ سنوات تتعمد قوات الاحتلال في منطقة الأغوار والقرى المحيطة بها كافة سياسة تضييق الخناق على سكانها الفلسطينيين وتقوم بملاحقة المزارعين ورعاة الأغنام بشكل يومي وتفرض عليهم غرامات مالية هائلة وتحتجز عدداً كبيراً من معداتهم الزراعية والدواب الخاصة بهم في بيئة تعد المواشي والدواب فيها عصب الحياة للمواطنين من سكان الأغوار الشمالية لا سيما أنها تستخدم للتغلب على التضاريس الوعرة في ظل غياب البنى التحتية المساندة إضافة إلى أن الأغوار تحوي مخزون الماشية الرئيسي في الضفة الغربية وكل ذلك يمارس بشكل ممنهج ضمن مفهوم الحرب الصهيونية وتنفيذ المخططات العنصرية لتهجير كل من هو فلسطيني في الأغوار والقرى المحيطة بها حيث ترتفع اعتداءات قوات الاحتلال على الفلسطينيين في تلك القرى يوماً بعد يوم والوضع بات خطيراً للغاية
وضمن هذه السياسة القذرة جاء إنشاء سجن للدواب التي يعتمد عليها المزارعون وربطها بكل خطوات التضييق عليهم وحملات التجريف لبيوتهم وأراضيهم الزراعية وقتل ماشيتهم بصورة متعمدة على الطرقات وضرب الثروة الزراعية والحيوانية بالإضافة إلى حرمان مئات المزارعين من تفقد أراضيهم ومنعهم من قطف النباتات الموسمية والأكلات الطبيعية وقص الحطب الذي يستعمل في التدفئة لموسم الشتاء
يسكن في الأغوار، نحو 10 آلاف فلسطيني منهم 5 آلاف بالأغوار الشمالية في بيوت من الصفيح والخيام حيث تمنعهم إسرائيل من بناء المنازل ويعتمدون في حياتهم على تربية المواشي والزراعة ولا تخفي إسرائيل نظرتها إلى هذه المنطقة كمحمية أمنية واقتصادية وعسكرية وتردد أنها تريد أن تحتفظ بالوجود الأمني فيها ضمن أي حل مع الفلسطينيين لكن الفلسطينيين يقولون إنهم لن يبنوا دولتهم من دون الأغوار
تعيش الأغوار الشمالية واقع مرير بين مطرقة الاحتلال وسندان عصابات المستوطنين خاصة بعد تنفيذ سياسة تعطيش الأغوار التي تعتبر جريمة ضد الإنسانية حيث ان معدل استهلاك المستوطن القاطن في الأغوار الشمالية من المياه يبلغ 8 أضعاف ما يستهلكه الفلسطيني نظرا لسيطرة المستوطنون القاطنون في المنطقة على مصادر المياه والذين يضعون اليد أيضا على أبار الجمع التي تجمع فيها المياه عند نزول الأمطار شتاء لانتشارهم في جبال الأغوار الشمالية حيث يوجد نحو ( 260 بئر جمع متناثرة على سفوح الجبال ) والتي يستخدمها المستوطنين في الغالب لسقي دوابهم في أشهر الصيف الملتهب ومنذ سنوات بدأ المستوطنون بالتواجد مع مواشيهم ودوابهم في المنطقة والتي صارت تنافس دواب الفلسطينيين بالمرعى والمشرب وهو ما يقود سكانها للتفكير بالرحيل عنها بحثا عن الطعام والشراب لمواشيهم في مكان اخر
وفي مقابل سجون البشر والحيوانات واحتجاز جثث الشهداء وكل سياسات التضييق والتنكيل والاضطهاد سوف يبقى الفلسطينيون يتصدون ويواجهون بصمود منقطع النظير كل محاولات العدو الصهيوني لترحيلهم من قراهم وبيوتهم وسيبقون شوكة في حلق الاحتلال الإسرائيلي الغاصب لأرضهم وحقوقهم
وفلسطين ارض الحشد والرباط ورغم كل ما واجهته وتواجهه من مخططات وسياسات لتصفية قضيتها وإجهاض لطموحات شعبها ما زالت حاضرة في ضمير كل شرفاء الأمة وأحرار العالم بل وحاضرة في جدول أعمال كل اجتماع أو محفل أو لقاء ينعقد على المستوى العالمي
رحم الله شاعر المقاومة توفيق زياد الذي قال ذات يوم ( لا تقولوا لي انتصرنا إن هذا النصر شر من هزيمة نحن لا ننظر للسطحِ ولكنا نرى عمق الجريمة )
والعار والدناءة للجبناء الخونة الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم فاللهم شتت شملهم وفرق جمعهم وأرنا فيهم يوما كأيام عاد وثمود إنهم لن ولم يعجزوك أبدا إنك على كل شيء قدير
mahdimubarak@gmail.com