جفرا نيوز -
جفرا نيوز- بقلم: د. جواد العناني
قرأت العام الماضي، عام الشجون والشك، عدداً من الكتب التي وضعها بعض كبار السياسيين في بلدنا الأغر. وقلبت الفكر فيما ورد فيها بدءاً من كتاب دولة الدكتور فايز الطراونة بعنوان » في خدمة العهدين»، وكتاب عن الراحل الأمير زيد بن شاكر بعنوان «زيد بن شاكر: من السلاح إلى الانفتاح» بإشراف من أرملته السيدة نوزت الساطي، وكتاب دولة الأستاذ مضر بدران بعنوان «القرار»، وكتاب عن العسكري الراحل المشير فتحي أبو طالب كما سجلها د. طلال الشرفات، ومقالين بقلم الباشا موسى العدوان، وكتاب معالي عدنان أبو عودة عن مذكراته، وكتاب دولة الدكتور عبدالرؤوف الروابدة بعنوان «هكذا أُفكر»، وقبل ذلك قرأت كتاب مذكرات دولة الدكتور عبدالسلام المجالي «من الخيمة... إلى سدة الحكم» بقلم المرحوم «توفيق أبو بكر»، وكتاب معالي د.بسام الساكت عن حياته في السلط وعن ذكرياته في العمل العام.
ولقد قرأت أيضاً كتاب «مذكراتي» بقلم جلالة الملك الراحل المؤسس عبدالله بن الحسين، ومذكرات الراحل جلالة الملك طلال بن عبدالله، وقرأت أيضاً كتاب الراحل جلالة الملك الحسين بن طلال «مهنتي كملك»، وكتاب المقابلات الصحفية بعنوان «Uneasy Lies the Head»، أو «لا يعرف الرأس الراحة»، كما يحلو لي أن أترجم عنوان ذلك الكتاب وكذلك اطلعت على كتاب الملكة نور الحسين بعنوان «Leap of Faith» «قفزة نحو الإيمان: مذكرات عن حياة غير متوقعة». وكتاب المؤرخ الاسرائيلي البريطاني آفي شليم بعنوان «The Lion of Jordan» أو أسد الأردن إشارة إلى الملك الحسين.
وكذلك قرأت لعددٍ من المؤرخين الأردنيين مثل الراحل سليمان الموسى و الراحل عبدالكريم الغرابية والراحل محمود العابدي الذي تخصص بالكتابة عن الآثار الأردنية وكل من الدكتور عدنان البخيت والدكتور علي محافظة وغيرهما، وكلها عمّقت فهمي لتاريخ الأردن.
وبالطبع قرأت معظم ما كتب عن تاريخ بلاد الشام، ومذكرات «جون جلوب» أو «كلوب باشا»، ومذكرات لورانس العرب بعنوان «أعمدة الحكمة السبعة» وسيرة حياة «جيرترود بيل» وبعضاً من رسائلها. وقرأت مقالات كتبت عن السير بيرسي كوكس، راسم الحدود في منطقتنا، وقرأت أيضاً كتباً كثيرة عن النفط، وإسرائيل. هذا عدا عن عشرات رسائل الدكتوراه والماجستير التي كُتبت عن جوانب مختلفة عن الأردن، ومشاركاتي بعشرات إن لم تكن مئات الندوات وحفلات الإشهار لكتب جديدة، وكذلك الإشراف على دراسات، أو المشاركة فيها، عن الأردن.
وقد كتبت عن بلدي آلاف المقالات خلال الأربعة وخمسين عاماً الماضية بدءاً من تحريري لصحيفة الحائط في الكلية العلمية الاسلامية، إلى رئاستي تحرير مجلة المنهل فيها، ثم نشري لمقالات في الصحف الأردنية والفلسطينية واللبنانية والمصرية والسعودية والقطرية والإماراتية، ومثلت الأردن في عشرات المفاوضات الاقتصادية في أوروبا وأميركا على المستويات الثنائية ومتعددة الأطراف.
كل هذه المقدمة لأقول إنني أعرف تاريخ بلدي، حيث كان والدي كاتباً وأديباً واستاذاً وإعلامياً، والأهم مؤرخاً وقد كنت على تواصل دائم مع الاعلام والثقافة في بلدي. ولهذا، ومن منطلق كل هذه الخبرات، فإنني قررت أن أرى ما هي عصارة الأفكار التي يمكن أن أشارك بها القرّاء. لن أُقدم معلومات جديدة لا يعرفها أحد هنا أو هناك. وحيث أنني متعدد الكارات، فإنني سأمزج قراءاتي وملاحظاتي وتجاربي معاً لأختزل منها ومضات من وحي المئة عام الأولى من عمر الأردن السياسي الحديث.
ولقد كنت جزءاً من تاريخ الأردن وصنع القرار فيه لمدة تقارب الثلاثين عاماً في القرن العشرين، ومطلعاً ومتابعاً أكثر مني مساهماً في العشرين سنة الأولى من القرن الحادي والعشرين. وقد كنت جزءاً من الخطط الاقتصادية، ومفاوضات أنبوب النفط من العراق إلى العقبة، وجزءاً من مفاوضات السلام، وجزءاً من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة العمل الدولية، والصناديق العربية، ومنظمة التجارة الدولية، وحكومة الولايات المتحدة، ومع الصين، وكنت مؤسساً عام 1980 في معية سمو الأمير الحسن لمنتدى الفكر العربي.
وشملت تجاربي العمل في البنك المركزي، ووزارة العمل، وإنشاء الضمان الاجتماعي وادارته ورئاسة مجلس ادارته، ووزيراً للتموين، ثم العمل، ثم الصناعة والتجارة، ووزيراً للسياحة، ووزيراً للإعلام، ووزيراً للخارجية، ووزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء ووزيراً لمدة طويلة بالوكالة في الزراعة، والتنمية الاجتماعية والمالية، وصرت رئيساً للجمعية العلمية الملكية، وأميناً عاماً للمجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا، ورئيساً للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، وعُينت أربع مرات عضواً في مجلس الأعيان حيث رأست فيه لجنتين، وكنت مقرراً للجنة المالية.
ودرّسْت أستاذاً غير متفرغ في الجامعة الأردنية، وجامعة عمان الأهلية، ومعهد الادارة العامة، ومعهد الدراسات المصرفية، وكنت عضواً لمدة ست سنوات في مجلس التعليم العالي. وعضواً لمدة سنتين في مجلس التربية والتعليم، وعضو مجلس أمناء في الجامعة الأردنية، وجامعة عمان الأهلية، وجامعة الشرق الأوسط، وجامعة العقبة للتكنولوجيا، وكلية طلال أبو غزالة الجامعية، ودرّسْت في جامعة هارفارد، وجورجيا، وغرب فرجينيا في الولايات المتحدة، وساهمت في انشاء شركة مجموعة الأردن للتكنولوجيا وفِي دراسة وإعداد الخطوات لتحويل كلية الأميرة سمية من كلية متوسطة إلى جامعية، وهو عمل أتمَّه بجداره د. هاني الملقي الذي خلفني في رئاسة الجمعية الملكية.
وقد ترأست مجالس إدارة سلطة الكهرباء الأردنية، المؤسسة الاستهلاكية المدنية، مؤسسة المدن الصناعية، مؤسسة المتقاعدين العسكريين.
وصرت رئيس مجلس ادارة شركة الدستور، وشركة مصانع الأسمنت( لافارج) وشركة مجموعة الأردن للتكنولوجيا، وغيرها الكثير. وعشت في دولة الامارات العربية المتحدة لمدة خمس سنوات ونصف أسست خلالها مؤسسة «البصيرة للدراسات » في إمارة دبي.
والشيء الذي أفخر به وأعتز أنني عملت لمدة ثلاث سنوات ونصف رئيساً للفريق الاقتصادي في ثلاث حكومات. وقدمت ثلاثة برامج تلفزيونية لاقت نجاحاً كبيراً، وألفت ثلاث مجموعات قصصية نشرت منها اثنتين، وساهمت في كتابة مسلسلات تلفزيونية وإذاعية، ونشرت ثلاثة كتب ونحو سبعين بحثاً ومنشورات علمية.
ويحق لي بعد هذا الاستعراض غير المنظم لحياتي الكشكولية أن أكتب ومضاتي من وحي المئوية الأولى. ولَم أقصد أن أتفاخر. بل على العكس، فإن ما ذكرته أعلاه قد يفتح علي نوافذ للانتقاد من كثيرين يسألونني بعد كل محاضرة أو ندوة او لقاء حتى ولو لم يكن رسمياً سؤالين: الأول «ماذا فعلت بعد كل هذا ؟»، والسؤال الثاني «ولماذا كنت تغير فكرك؟»، ولكنني أثرت المجازفة لأنني أعلم أن كثيرين من السياسيين والعاملين في القطاع العام قد أنجزوا أكثر مني بكثير، أو تنوعت خبراتهم، أو وصلوا لمراكز عليا أكثر مني.
ولكن الفرص التي أُتيحت لي للعمل مع الراحل المغفور له الملك الحسين بن طلال، والأمير الحسن بن طلال أطال الله عمره لسنوات طويلة ميزتني من حيث الحظوظ عن كثيرين، فقد عرفت هذين الرجلين معرفة رسمية ومعرفة شخصية، ورافقتهما في أسفار كثيرة وجلسنا جلسات تجاذبنا فيها أطراف الحديث في أمور شتى.
وعرفت جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين لما كان أميراً، وجمعتني به أسفار كنّا نلتقي فيها، وأحببته كثيراً لدماثته وحسن خلقه، وأسلوبه المختصر في إبراز وجهة نظره. وقد تابعت إنجازاته بدقة وتحدثت عنها عبر وسائل الاعلام مئات المرات، وتشرفت بالقيام بمهمات رسمية نيابة تجاوزت العشرين مرة أثناء عملي كنائب رئيس الوزراء في حكومة الدكتور هاني الملقي في عدد من البلدان الآسيوية والإفريقية. وتابعت كذلك آثار أفعاله لدى عدد من زعماء الدول وكبار المسؤولين الذين أُتيحت لي فرص اللقاء بهم.
في ضوء كل هذا، أُخلص إلى القول إنه يحق لي بعد هذا العمر أن أكتب. وسوف أنشر حتى نهاية هذا العام مقالاً أسبوعياً يتناول موضوعاً من الموضوعات التي يتحدث فيها الناس، وما تزال حتى الآن موضع نقاش وجدل. وآمل أن يجد فيها القارئ أفكاراً تستحق اهتمامه، ومعلومات يراها مفيدة، وزوايا جديدة للحكم على الأمور، وتفسيراً لأسباب النجاح، أو محدوديته في قضية ما من قضايا الأردن، وحتى نلتقي الأسبوع القادم في مقالٍ بعنوان «الشعب والأرض والهاشميون»، أتمنى لسيدنا الصامد المرابط دوام التوفيق، شاكراً للأخ محمد التل رئيس مجلس ادارة صحيفة $ والسيد راكان السعايدة رئيس التحرير، ولأسرة الرأي دوام التوفيق والنجاح شاكراً لهم تعاونهم.