جفرا نيوز -
جفرا نيوز- كتب محمود خطاطبة
كثرة انتشار عبارات الإشادة والتثمين لشخصية ما، وزير أو مسؤول رفيع المستوى، أو حتى موظف درجة عليا، أضحت ظاهرة تشبه العنف الجامعي، أو العنف الأسري، وصارت ممجوجة، تُثير السخرية، فحين ترى أفرادا يكيلون مديحا لهذا المتنفذ أو ذاك، ويُشيدون بهمته التي لم يحقق فيها سبقا علميا، أو يسجل اختراعا، يُفيد البلاد والعباد، والبشرية جمعاء، تتساءل أين وصلنا في هذا المساء القاتم؟.
محزن، أن يُكال المدح والإشادة لهؤلاء على نحو مجاني، فالمسؤول حين يقوم بواجب ما، يتقاضى عليه أجرا، وإذا ما قورن أجره بأجور الموظفين الباقين من طينته نفسها، سواء أكانوا يعملون في القطاع العام أو الخاص، لا بل إذا ما قورن بما يتقاضاه أمثاله في بلاد الله الأخرى، وخصوصا المتقدمة منها، فإنه يُعتبر مرتفعا جدا.
أليس من واجب المسؤول أن يطمئن على صحة مواطن، سقطت عليه قطعة حديد في مصنع، أو يُعاين وضع عائلة فقيرة جرها السيل بسبب إدارته البائسة للمرافق العامة، أثناء مُنخفض جوي؟، أليست مهمته القيام بهذه الأعمال، يطمئن ويتابع ويعمل على راحة المواطنين وخدمتهم، ويُنفذ عمله على أكمل وجه، بلا إشادات أو تثمينات أو "بهرجة” مزيفة للوعي بمهمته، أو نفاق لا ينجينا من واقعنا المأزوم؟، وإن كان من الواجب شكره، فليكن في حدود المعقول، وبلا مبالغة.
قد يرى بعضكم، بأن الإشادة والتثمين والمدح، راسخ في البشر منذ وجدوا.. صحيح، لكن ما يحرق القلب ويغص به، أن تلك الإشادات عندنا أضحت ظاهرة مبالغا فيها، تعكس صورة مهينة لكرامة الإنسان فينا، لأنها تذهب إلى أفعال واجب تنفيذها من المسؤول عنها، ولا تستحق الإشادة أو غيرها، في وقت نحن فيه بحاجة للنقد البناء والفعل الحقيقيين، والعمل بصمت ونبل.
يُشيدون ويُثمنون، لمجرد قيام أحدهم بعمل، هو من صلب مهمته وواجبه الذي يتقاضى مقابله أجرا، أحيانا لا يستحقه.
فهل أصبح "فن الإشادة والتثمين” عملا وظيفيا آخر، يُضاف لأعمالنا الباهتة أيضا، حتى صار ظاهرة موجعة؟، أم أصبح يُسيطر على نفوس أضعفها اليأس، فلم تعد تهمها كرامتها، ليصير الأمر من ضرورات الحياة، بالتقرب مدحا وتثمينا من ذلك المسؤول أو سواه، لنيل مآرب شخصية، قد تُسبب ظلما وانتهاكا لحقوق آخرين.
نسمع عن تكريم فلان، لمجرد أنه أدى عملا موكولا إليه، أو أدى أمانة، ليس له حق فيها.. مع أن الأصح، هو رد الأمانة لصاحبها، والحق لأهله.
ونسمع إشادة بوزير أو مسؤول، لأنه تفقد دائرة حكومية تتبع لوزارته أو لدائرته، المسؤول عن كل صغيرة وكبيرة فيها، ونقرأ أيضًا عن تثمين لشخصية معينة، لأنها أصدرت قرارا يُنصف موظفا مظلوما، أو هُضم حقه.. مع أن الأصل والواجب، إنصاف المظلوم، وتفقد الدوائر التي تقع ضمن مسؤولياته، والوقوف على المعيقات والتحديات التي يواجهها العاملون في دائرته، أو مؤسسته، وحلها، أو تذليلها على أقل تقدير.
إذا لماذا، يأتي من يُثمن أداء مسؤول ما ويُشيد به؟.. برأيي؛ المسؤولية مشتركة، تقع على الطرفين، الأول من يُكيل المدح والثناء لغاية في نفسه، تعود بالنفع عليه فقط.. والثاني، هو المسؤول الذي يسمح لنفسه بأن تنتشي بالمديح، ذاك لأنه قاصر عن فعل حقيقي، يعوضه بدغدغة المنافقين لإغفال نقصه، فيطرب لسماع المديح لإرضاء غروره، ظنًا أن مثل هذا المسح للجوخ، يسلط الأضواء عليه.
يبقى السؤال الذي يحتاج للإجابة، شوكة في حلوقنا: هل سيبقى المسؤول متوسلًا للشكر والإشادة وتثمين جهده؟، وهل سيبقى المواطن كريما في نفاقه، لإطلاق مثل تلك الصفات على مسؤول، لم يصبح مسؤولا كما نعلم طبعا، لأنه آينشتاين مثلا؟.