جفرا نيوز – موسى العجارمة
بين الهدب والدمعة يرون قصصهم الحزينة وسط زوايا مظلمة تناكف الواقع وتنثر الأحلام والطموحات، لتشع خيوط الظلام، وتشكل نسيجاً من السراب، يحمل بجعبته الكثير من الأسئلة والاستفسارات، هل هم ضحايا أخطاء أم رهائن لتجار البشر؟ ، من المستفيد وهل هناك حسيب أو رقيب؟، حالة من الألم قبضت على أرواح بريئة لا قوة ولا حيلة لها سوى سرير الشفاء الذي وقف لهم بالمرصاد، جعل حكاياتهم قضية رأي عام يرددها المواطن أيام ويبقون في أسرها مدى الحياة.
أخطاء إجرامية كان ضحاياه أناس لا ذنب لهم، سكنوا تحت التراب، وسلكوا طريق ذوي الإعاقة؛ إثر ممارسات خاطئة ارتكبوها أشخاص لا يستحقون رتبة الجيش الأبيض، وقعوا في دائرة الظلام وذهبوا إلى المستشفيات لتلقي العلاج، إلا أنهم خرجوا جثث هامدة، وأصحاب إعاقة دون سبب.
ملف الخطأ الطبي في الأردن إلى أين وصل، وماذا عن التشريعات والأحكام الجزائية لمحاسبة الفعالين؟، وهل هذا خطأ أم خطيئة، أسئلة كثيرة وضعت أمام الجهات المعنية للتجاوب والتعاطي مع هذه القضية التي تعد كابوس حقيقي لكافة المرضى.
*الخطأ الطبي في الأردن
وزير الصحة الأسبق د.غازي الزبن يفسر أن هناك فروقات عديدة تتكون من ثلاثة أقسام حول هذا الموضوع، وهي: (الخطأ الطبي والمضاعفة والخطيئة الطبية)، كاشفاً أن المضاعفة تحدث مع أي طبيب في العالم يعمل وفق البروتوكول المتعارف عليه، من خلال تعرض المريض لالتهاب أو نزيف بالجرح بعد إجراء العملية الجراحية له، وبهذه الحالة لا يتعرض الطبيب للمساءلة القانونية، وخاصة أن المضاعفة لا تتسبب بالموت ، مذكراً أن الطبيب يبدل عناية ولكن لا يحقق غاية.
وفيما يتعلق بالخطأ الطبي، يجيب الزبن أثناء حديثه لـ"جفرا نيوز"، أن هذا الاحتمال يحدث عندما يقوم طبيب على سبيل المثال بإجراء عملية شفط دهون لمريض ما ويستنزف أكثر من كمية الدهون اللازمة، ويتعرض هنا المريض للخطر، على الرغم من أن الطبيب الذي أجرى العملية مصرح له للقيام بهذه المهمة إلا أن الخطأ وقع دون انتباه.
أما بالنسبة للخطيئة الطبية، يفيد بأن هذا المصطلح يحدث عندما يقدم طبيب على عملية جراحية غير مختص بها وليس مصرح له ولا يمتلك رخصة مهنة بذلك، "بحسب الزبن".
*الأخطاء التي تترتب على الجهات المعنية
"في إحدى الفترات كان هناك العديد من الأطباء يتحايلون على النقابة دون وجه حق، ويدعون أنهم قد خضعوا للتدريب وعلى إثر ذلك يحصلون على الإذن، وهذا مناقض للقانون؛ لطالما الجهة الوحيدة التي تمنح أحقية ممارسة المهنة تتمثل بوزارة الصحة وليس النقابة، إضافة لمديرية تراخيص المهن التي تمنح الإذن وفق شهادة الاختصاص التي صادق عليها مجلس الطب الأردني الذي يعتمد نموذج التخصصات والحالات التي يجب أن يعمل عليها الطبيب المختص". وفق ما قاله الزبن.
ويضيف أن هذه العملية متكاملة تبدأ بمجلس الطب الأردني ومن ثم نقابة الأطباء التي تنسب بالطبيب ووزارة الصحة كجهة شرعية بعملية منح شهادة ممارسة المهنة، مشيراً في الوقت ذاته أن وزارة الصحة ونقابة الأطباء لا علاقة لهما بمعايير ممارسة المهنة، إنما المجلس الطبي هو من يحدد المعايير، والقانون لا يقرأ على حده بل هناك قانون للنقابة والصحة العامة وللمجلس الطبي.
ويشدد الزبن على ضرورة محاسبة كل شخص يقدم على الخطأ؛ لطالما نحن في دولة قانون ويجب أن يسرى على الجميع، وخاصة أن الخداع والتظليل بات متواجداً عبر السوشال ميديا من خلال أطباء أصحاب خبرة حديثه ينشرون إعلان لعمليات تجميل ومعظمها خاضعة لتقنيات معالجة عبر برامج الفوتشوب، مؤكداً أن الدعاية الطبية من مسؤولية النقابة ومن المفترض أن يكون لديها إجراءات صارمة أكثر، معولاً على وعي المواطن عندما يقوم بإجراء أي عملية جراحية عند أي طبيب ما يتحرى بالدقة والاستعلام عبر المصادر المختلفة لتجنب الوقوع بالضرر.
*مواطن خسر بصره بعد تعرضه لخطأ طبي في أحد المستشفيات ؟
رئيس الجمعية الأردنية للحماية من الأخطاء الطبية م.مصطفى المناصرة، خسر بصره قبل 10 سنوات بعد تعرضه لخطأ طبي في أحد المستشفيات، يروي قصته لـ"جفرا نيوز" والألم والحزن يعبر عن حاله، قائلاً: أجريت عملية جراحية في أحد المستشفيات بعد إصابتي بمرض الساد، وكان هناك طبيباً من الخارج أجرى لي هذه العملية، ليتبين بعدها بأنه لا يملك إذن رسمي من وزارة الصحة على حد قوله.
ويتابع بحديثه: بعد الانتهاء من العملية، خسرت بصري بالكامل في عيني اليمين وأصبح معدل بصري في عيني الشمال بمعدل 3% قمتُ بعدها برفع دعوى قضائية على الطبيب، ومررت بمعاناة كبيرة لا توصف.
*بعد مرور 10 سنوات هل تحسن بصرك؟
"منذ 10 سنوات إلى الآن لم يتحسن بصري، وذهبت إلى مستشفيات عديدة في مختلف البلدان كمحاولة لاستعادة بصري إلا أن النتائج واحدة، فاعتصمت في الشوارع ومررت بأوضاع عصيبة وكان بيني وبين الجنون درجة واحدة".
*جمعية الأخطاء الطبية :
يوضح المناصرة أن الهدف من هذه الجمعية للدفاع عن المظلومين وخاصة أنه قد تعرض لهذا الألم الكبير قبل سنوات، مبدي امتعاضه من المرضى الذي يقعون تحت مصيدة الخطأ الطبي ولا يلجؤون للقضاء، وخاصة أن هناك حالات كان يرثى لها.
*شاب أجرى عملية زائدة دودية توفي بعد معاناة لمدة ستة أشهر
ومن خلال الحالات التي أطلع عليها المناصر عبر جمعيته، يقول إن هناك شاباً يبلغ من العمر 17 عامًا أجرى عملية زائدة وبقى يعاني لمدة ستة أشهر وتوفي على الفور بسبب الخطأ الطبي، معبراً عن استيائه الكبير حيال ما يحدث، وخاصة أن هناك أطباء يجرون عمليات جراحية في عياداتهم وليس في مستشفيات من أجل كسب المال، بعكس أطباء رفعوا سمعة الأردن بالخارج والداخل.
*وفاة شاب من الزرقاء أجرى له عملية تقويم فك
كما يروي أن هناك طبيب أسنان في عمان أجرى عملية تقويم فك لشاب في عيادته، على الرغم من أن هذه العملية يتوجب إجراءها في المستشفيات بحسب الأعراف الطبية، مضيفاً أن الشاب توفي أثناء مغادرته من العيادة متأثراً بنزيف حاد.
*ما هو موقف نقابة الأطباء حيال هذا الملف؟
وفي المقابل يؤكد نائب نقيب الأطباء محمد رسول الطراونة لـ"جفرا نيوز"، عدم قبول الخطأ في أي ممارسة طبية، إلا أنه يجب التمييز بين الخطأ والمضاعفة الطبية، كاشفاً أن قانون المسؤولية الطبية عرف المقصود بالخطأ الطبي بشكل مفصل، إلا أن هناك أمور يجب أخذ الحيطة والحذر منها لتجنب الوقوع بالخطأ الطبي.
وحول العوامل التي تعرض الطبيب للخطأ، يوضح الطراونة أن عدم ممارسة الطبيب الاختصاص المصرح له وإجراء العمليات الجراحية التي تتطلب مستشفيات وليس عيادات تعرض الطبيب للخطأ، بعكس المضاعفات الطبية التي تحدث بصرف النظر عن من يقوم بهذا الإجراء؛ لكونه يحدث في كافة دول العالم دون استثناء.
*يقال إن النقابة تقف دائماً بجانب الطبيب في كافة الأحوال والمشاكل، ما صحة ذلك ؟
"هذا الكلام عارٍ على الصحة وبعيد عن الدقة، لطالما النقابة محكومة بقانون "نقابة الأطباء" والمسؤولية الطبية، وتتوخى لجان النقابة الدقة عندما يطلب منها التحقيق بموضوع ما، وتقوم بتشكيل لجان طبية مختصة، وأحياناً نضطر لتشكيل أكثر من لجنة فنية لدراسة الموضوع، إضافة لاختيار الأطباء المختصين الذي يملكون خبرة كبيرة في مجال الاختصاص، ويتم مراعاة ذلك في تشكيل اللجان الفنية ليتم اختيار أشخاص مشهود لهم بالحياد والنزاهة ووخبرتهم تمتد لأكثر من 10 سنوات.
*هل المضاعفات الطبية باتت شماعة للخروج من هذا المأزق؟!
يتفق الطراونة مع الزبن في هذا الخصوص، ويؤكد أن مصطلح المضاعفة الطبية ليس من نبع نقابة بل مسمى علمي على مستوى عالمي، مشيراً إلى أن النقابة ليس لها أي دور بهذا المسمى المحدد وفق أسس علمية واضحة.
* خبير قانوني في جرائم الأخطاء الطبية: الأحكام الجزائية في هذا السياق شحيحة
المحامي أنس جوهر المختص بقضايا الأخطاء الطبية يعرف بأن مفهوم هذه القضايا متعارف عليه في القضايا الناشئة حول خطأ أو تقصير مقدم الخدمة الطبية في علاج المرضى، إلا أن هذه القضايا تندرج قانونياً في حالة الملاحقة الجزائية حسب نتيجة الفعل، أو قضايا تسبب بالوفاة نتيجة الإهمال وقلة الإحتراز أو التسبب بالإيذاء نتيجة الإهمال أو قلة الإحتراز أو مخالفة قانون المسؤولية الطبية والصحية في الحالات المنصوص عليها في هذا القانون أو مخالفة قانون الصحه العامة .
وبحال كانت هذه القضايا مقتصرة فقط بالمطالبة بالتعويض، يقول جوهر في حديثه لـ"جفرا نيوز"، إن هذه القضايا في حال كانت مقتصرة بالمطالبة تندرج تحت قضايا التعويض عن الضرر المادي والمعنوي، مبيناً أن القضاء الأردني غنياً بالأحكام التي يحكم بها للمتضرر بالتعويض المادي والمعنوي في حال ارتكاب الطبيب ومقدم الخدمة اية خطأ أو تقصير في علاج مرضاه، مشيراً في الوقت ذاته أن الاحكام الجزائية المعمول بها حالياً شحيحة .
"اثبت واقع الحال أن تركيز الجهود على معاقبة الشخص المعالج يبعث بنفوس العاملين في القطاع الطبي الخوف والرهبة من الأخطاء والعقاب، مما يؤدي إلى إخفاء الأخطاء وعدم الاعتراف بها، بدلاً من محاولة معالجتها ودراسة أسباب حدوثها، وهذا يسهم باستمرارية الأخطاء وتفاقمها مع الأيام، مما يخسر المجتمع فرصة الاستفادة من أخطاءه، فأي خطأ طبي هو في معظم الأحيان يكمن بعملية التنظيم المتبع في المستشفى ليس في الشخص المعالج، والخطأ الطبي ليس مسؤولية فرد على حده بل مسؤولية مشتركة بالكامل". وفق جوهر.
*الدعاوى القضائية على الأطباء
ويبين أنه من خلال رفع الدعاوى القضائية على الأطباء والمستشفيات، أتضح أن هناك علاقة عكسية بين احتمالية رفع دعوى ضد الطبيب ومدى توطيد نوعية العلاقة الإنسانية بين الطبيب والمريض، مضيفاً أن أهم عامل في تحديد احتمالية رفع الدعوى يتمثل بكيفية رد فعل وتصرف الطبيب المعالج للمريض بعد حدوث الإصابة والخطأ الطبي مباشرة.
ويتابع: إن ردة الفعل الأولية والتلقائية من المستشفى والطبيب المعالج تؤدي في أغلب الأحيان بالمريض لرفع دعوى قضائية، لأن بعض المرضى بحاجة لدعم مادي لتأمين مستقبلهم مما يضطرون للجوء لقضايا المطالبة بالتعويض لجبر الضرر، وكوسيلة لمجازاة مرتكب الخطأ الطبي وفق أحكام القانون وذلك لتحقيق الردع العام والخاص، من أجل إعادة فتح باب الحوار ودراسة سبب الخطأ، أو تفسير وفهم ما حدث بكل صدق وأمانة والحصول على اعتذار الطبيب والمستشفى عما حدث والرغبة الصادقة من المستشفى والطبيب في تصحيح سبب حدوث الخطأ وأخذ خطوات إيجابية في هذا الطريق لمنع حدوث خطأ مشابه.
*جوهر: قانون المسؤولية الطبيب يحتاج لإعادة دراسة
قانون المسؤولية الطبية والصحية يحتاج لإعادة دراسة، لكونه يحتوي على عدد من النقاط التي تشكل عائق أمام القضاء والخصوم والجسم الطبي ككل، مطالباً بإعادة دراسة قانون المسؤولية الطبية والصحية.
وعلى صعيد متصل، يقول المحامي عابد العفيشات إن المشرّع الأردني لم یضع قواعد خاصة تحكم الخطأ الطبي، إنما وضع قواعد عامة للمسؤولیة تحكم الفعل الضار والضرر والعلاقة السببیة، لينتهي المطاف بعدم وجود قواعد محددة تحكم مسؤولیة الطبیب المدنیة، بالإشارة إلى أن مهنة الطب إنسانیة وأخلاقیة وعلمیة یحتم على مَن یمارسها أن یحترم الشخصیة الإنسانیة في جمیع الظروف والأحوال وأن یكون قدوة حسنة في سلوكه ومعاملته ومحافظاً على أرواح الناس باذلاً جهده في خدمتهم.
بما يتعلق بدور المشرع الأردني بالتعاطي مع مثل هذه القضايا، يشير العفيشات أثناء حديثه لـ"جفرا نيوز"، إلى عدم وجود موقف واضح للمشرع الأردني حيال ذلك، لكونه لا یوجد في النصوص القانونیة المختلفة ما یدل بشكل صریح أو ضمني على أن المشرع الأردني قد أقر مبدأ المساءلة الطبیة بموجب قانون خاص، وأن قانون المساءلة الطبیة رغم إعداد مسودته إلا أنه لم یرِ النور حتى هذه اللحظة.
*تكمن المشكلة بعدم وجود تنظيم قانوني خاص
ويضيف أن المشكلة تكمن في عدم وجود تنظیم قانوني خاص یعالج تلك الأخطاء التي تصیب الآخرين جراء ممارسة الطبیب لعمله الطبي، مما يجب على المشرع الأردني الإسراع في سن مشروع قانون المساءلة الطبیة، لیكرس هذا المشروع مفهوم الخطأ الطبي، وإن یحدد المصطلحات التي تحدد الخطأ الطبي.
ويشدد العفيشات على ضرورة تشكيل لجنة طبیة مختصة یكون أعضاؤها من الأطباء الجراحین لمراقبة العملیات الجراحیة المختلفة، وتحدید أخطاء الأطباء، والأخذ برأیها في حال طلب القاضي عند قیام الدعوى من قبل المریض، من أجل اختصار الوقت الذي قد یستغرقه القاضي في تشكیل لجنة طبیة أو عند الاستئناس بالخبرة برأي طبي بشأن قضیة ما.
يذكر أن وزير الصحة د. نذير عبيدات قرر في وقت سابق إعادة تشكيل اللجنة الفنية العليا للنظر في القضايا المتعلقة بالأخطاء الطبية، وذلك استنادا لأحكام قانون المسؤولية الطبية والصحية رقم 25 لسنة 2018، والتي يتم إعادة تشكيلها كل عامين.
وبين عبيدات ، أن قانون المسؤولية الطبية سيسهم في دفع المهن الصحية قدما الى الأمام وإحداث نقلات نوعية في مستوى الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين وفي دعم السياحة العلاجية لا سيما للمرضى من الدول العربية والاجنبية القادمين للعلاج، داعياً أعضاء اللجنة إلى تحري الدقة في تناول القضايا المتعلقة بالأخطاء الطبية المنظورة امام اللجنة الطبية العليا لما تساهمه في تحقيق العدالة والشفافية وتعكس مصلحة المواطنين والكوادر الطبية على حد سواء.