جفرا نيوز -
جفرا نيوز- كتب د . يوسف أحمد العمري
ما أن باشرت اللجنة القانونية لمجلس النواب مناقشة مشروع قانون النزاهة ومكافحة الفساد المعدّل حتى تعالت أصوات ظاهرها متناثر، لكنها في حقيقتها حملة منظّمة وراءها ما وراءها لتشويه الأهداف النبيلة لهذه التعديلات التي ستسد إذا ما أُقرت المنافذ على الفاسدين وتوصد الأبواب في وجه غاسلي الأموال الحرام ، وتلاحق الذين استثمروا ثغرات بعض التشريعات للتغوّل على المال العام وإساءة استعمال السلطة واستثمار الوظيفة بأوجه يندى لها الجبين .
أصوات ركبت شعارات يراد بها الباطل فطوّعت مفردات وفذلكات تعبيرية لإثارة الرأي العام وبلبلة توجهاته واستقطاب الذوات النواب علّهم يصغون لثرثراتهم على الورق ولما يثيرونه من عواصف إلكترونية واهية يزينونها بمفردات حرية الرأي وحرية التعبير ، وكأن هيئة النزاهة ومكافحة الفساد أُنشأت لتكميم الأفواه ولجم الألسن وهي التي تعي تماماً النصوص الدستورية في هذه المسائل ، وتعلم أن هناك تشريعات تنظّم ممارسات حرية النشر والتعبير كقانون المطبوعات والنشر ، وقانون حق الحصول على المعلومة وقانون حماية أسرار ووثائق الدولة وقانون الجرائم الالكترونية.
يحار المرؤ في أمر هؤلاء الذين يعترفون بأن هذه التعديلات وضعت في عهد حكومة سابقة كان بعضهم من أركانها كما يعلم هؤلاء بأن هذه التعديلات أُحيلت إلى مجلس النواب في حينه ، إلاّ أنهم لم يدلو بدلائهم المثقوبة ولم يشمّروا عن سواعدهم ولم يفتحوا أفواههم إلاّ الآن .. ليكتشف أبسط الناس تعلّمًا وثقافة أن هذه المرحلة بالذات مرحلة مستهدفة إمّا من الباحثين عن الشهرة أو عن كرسي ومنصب أو خادمي أجندات يعلم الله وحده من كتب عناصرها ، إن مثل هذه الهجمة تعني شيئًا واحدًا وهو أن الهيئة تسير على الطريق الصحيح وتمسك زمام الأمور جيدًا وتحكم سيطرتها على بوتقة الفساد الذي طال وسيطول "على حد تعبير صحفي" ذات يوم رؤوسًا كبيرة من الفاسدين والمفسدين.
إنّ ما جرى فجأة وفي يوم واحد يعني أن هناك حملة ممنهجة ضد مشروع قانون الهيئة المعدّل ، يحاول روّاد هذه الحملة والمتضررون من أداءالهيئة استقطاب إعلاميين وصحفيين بإيهامهم بأن مصطلح اغتيال الشخصية الوارد في التعديلات والحالات التي يجرّمها تستهدفهم أنها تتعارض مع حرية الرأي والتعبير حسب مزاعمهم متجاهلين الغاية الحقيقية من التجريم الذي يستهدف نشر الأكاذيب التي يمارسها البعض إما تشويشاً أو ارتزاقًا أو ابتزازًا بقصد الحصول على منافع شخصية أو الإساءة إلى الأشخاص الطبيعين والاعتباريين .
لقد طالت كتابات البعض نصوصًا أخرى من التعديلات (كمنح الهيئة صلاحية الحجز والمنع من السفر مدة ثلاثة أيام وعلى الهيئة عرض الأمر على المدعي العام ) إن مثل هذا الأمر لا يخالف ولا يتعارض مع أحكام القانون لأن الغرض منه منع الفاسدين من تهريب أموالهم أو فرارهم خارج البلاد ، لذلك فإن سرعة اتخاذ قرار في مثل هذه الحالات أمر ضروري في ظل القدرة على السفر وسرعة حركة الأموال ، متناسين بأن هذا الإجراء تمارسه مديرية الأموال الأميرية في وزارة المالية ومؤسسات الدولة المختلفة مثل مؤسسة الإقراض الزراعي والجمارك وضريبة الدخل والمبيعات منذ سنين خلت ، أليست قضايا الفساد والحفاظ على المال العام أولى ؟ خاصة أن الأمر مؤقت وخاضع لمصادقة المدعي العام ؟ ألا تشي مثل هذه الكتابات بأنها محاولة لإفساد العلاقة بين الهيئة كضابطة عدلية وبين النيابة العامة كسلطة قضائية ؟
ولا أدري لمَ التباكي من طلب هيئة النزاهة ومكافحة الفساد منحها صلاحية الاحتفاظ بالشخص لمدة 48 ساعة واعتباره اعتداءً على سلطة القضاء وسلبًا لصلاحياته ، إنّ مثل هذا الموقف من رجالات قانون ، مستهجن وغريب لأنهم يعرفون أن الهيئة تتمتع بصفة الضابطة العدلية ولها الحق بموجب قانونها الحالي وقانون أصول المحاكمات الجزائية الاحتفاظ بالشخص لدى أحد مراكز الشرطة مدة 24 ساعة ، فكيف يستنكر البعض مثل هذا الإجراء وبزعم أنه مخالف للقانون واعتداء على سلطة القضاء .
إنّ الغاية من طلب الهيئة بأن تكون مدة التوقيف 48 ساعة بدلاً من 24 ساعة على ما هو واضح إنّما جاء لتتمكن من اتخاذ اجراءات التحري والاستدلال ومنع ذلك الشخص من إخفاء آثار جريمته ومعالمها ، وهذا أمر مشروع في مثل هذه الحالات وليس مستحدثًا ، فالضابطة العدلية في بعض الجهات تملك صلاحية الاحتفاظ بالشخص مدة أسبوع وليس 48 ساعة بصرف النظر عن كون الفعل جناية أو جنحة ، والسؤال هنا ، لماذا يجوز لتلك الجهات التوقيف ولو بجنحة بسيطة مدة أسبوع ولا يجوز ذلك للهيئة وهي ضابطة عدلية أيضًا الاحتفاظ بمن يعتدي ويسرق المال العام ومقدرات الوطن ؟ وأكثر من ذلك هل نسي هؤلاء صلاحيات الحكّام الإداريين بالتوقيف إلى مدد أمرها متروك لهم ؟
لا أُريد التزيّد في هذا الحديث وأقول أن وكلاء الدفاع عن الفاسدين كُثر ويحاولون حشد الإعلام والصحافة للتعمية على مآربهم .