النسخة الكاملة

الرؤية الملكية لعمل الوزير الناجح

مهدي مبارك عبد الله

الخميس-2021-01-27
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - مهدي مبارك عبد الله

خلال ترؤسه جانبا من جلسة مجلس الوزراء يوم الاثنين الماضي 25 /1 / 2021 وكعادته وحرصه الدؤوب في متابعة كافة شؤون الوطن والمواطنين وفي سياق حديثه وجه جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين مؤسسات الدولة إلى ضرورة التنسيق والتعاون بشكل وثيق خصوصا بين الحكومة ومجلس الأمة حيث قال جلالته ( إن نجاح أي وزير ووزارة هو التواصل مع الناس والتواجد في الميدان )

وقد سبق لسيد البلاد وفي أكثر من مناسبة مطالبته للوزراء بان ( يترجلوا للميدان بين الناس ) ضمن الزيارات واللقاءات والمتابعات الميدانية كجزء من العملية الريادية التي يجب على كل وزرائنا ان يقوموا بها بكل أمانة ومسؤولية لتعزيز مفهوم التشاركية والاستماع إلى المشاكل المستعصية والاطلاع على القضايا الملحة وتذليل العقبات التي يعاني منها المواطنين ومحاولة تغيير الواقع للأفضل حسب الإمكانيات المتاحة

بكل صراحة وصدق ما يريده جلالة الملك من وزراؤه الاشتباك المباشر والايجابي مع المواطنين وتلمس قضاياها ومطالبهم واحتياجاتهم والتي تحتاج إلى متابعه حثيثه ومثابرة ميدانية للتوصل الى قرارات مناسبة تسهم في سبل الارتقاء بها ومعالجتها

لا شك أن الوزير هو رأس الهرم في وزارته ويقاس نجاح الوزارة بحسب ما وصلت إليه من إسهامات في خدمة الوطن والمواطن والوزارة مثل الإمارة إن كان الوزير أهلا لها ( قدرة وجدارة وكفاية ) أعين عليها وإن كان غير ذلك وكل إليها ولن يبقى له منها إلا اسمها بعدما فقد رسمها

كما ان الوزارة أمانة ثقيلة لها أبعادها والوزير الناجح يجب أن يتصف بصفات الرجل الصالح من حيث الإخلاص والنزاهة والأمانة وان تكون مصلحة الوطن والمواطن من
أولويات اهتماماته وهو الذي يتفقد حاجات المواطنين ويسعى جاهداً إلى تحقيقها بلا
تسويف أو تعطيل أو تأخير ضمن خطط متكاملة لها أهداف واضحة

كثر الحديث حول مطلبية ووجوب التواصل الشعبي والزيارات الميدانية التي يجب ان يقوم بها الوزراء حسب اختصاصهم من أجل المتابعة والإشراف والتوجيه وعدم الرضي عن الوزير القابع في مكتبه والغارق في أوراقه والذي يدير وزاراته بالهاتف او من خلال مدير مكتبه او سكرتيرته وعبر التقارير والمشروحات وفي المقابل عندما يخرج بعض الوزراء الى الميدان ويديرون وقتهم بشكل جيد بعيدا عن رفاهية المكاتب وسياسة الأبواب المغلقة يواجهون بالنقد وسوء الفهم والاتهام بالبحث عن الشهرة والأضواء والسؤال لماذا الكثيرون ينظرون للأضواء على أنها تهمة فإذا كان الوزير ناجحاً ومتواصلا وميدانيا فهو يستحق الأضواء والإشادة والتقدير والتكريم

إن انشغال الوزير أو ما يسمى ( وزير المظهر ) بالأعمال المكتبية وعدم توفر الوقت لديه للقيام بالزيارات الميدانية بحجة انها مسؤولية الوكلاء والمديرين هو تبرير غير منطقي بل يعني وجود خلل لابد من إصلاحه وأحد الحلول هو عملية التفويض ورغم بعض ايجابياته من حيث سرعة اتخاذ القرارات وتنمية الثقة بالآخرين وزيادة عنصر الانتماء والعمل بروح الفريق إلا انه ليس بديلا عن الزيارات الميدانية والقدرة على مواجهة لازمات على ارض الواقع ودون وسيط وتأكيد جدية العمل والانجاز فالمبدأ الإداري يقول ( يمكنك تفويض الصلاحيات ولكن لا يمكن تفويض المسؤولية )

الوزير النشيط والميداني يكون دائما بعيدا عن التعامل مع الروتين القاتل والبيروقراطية والتصلب والجمود الوظيفي وتراه في حراك ميداني ولقاءات مستمرة مع المجتمع المحلي للاستماع للتظلمات واتخاذ القرارات والاطلاع على الواقع والمشاكل لتطوير منهجية العمل والانجاز وتفعيل لغة الحوار وإتباع سياسة الباب المفتوح ومتابعة أدق التفاصيل في مكان الحدث وليس عبر التقارير المكتبية لإيمانه بأهمية التواصل وقناعته بالعمل الميداني الذي يعتبر الأقرب إلى نبض الشارع لا يتكبر في منصبه ولا يخجل ان يقول للناس بعيداً عن التصنع والمظاهر وبثقة عالية ( ارجوا ان اسمع ما هي مطالبكم ليتم تحقيق الممكن منها ) وهو الذي يستحق البقاء ومن سواه عليه أن يرحل ويغادر لكونه لم يعد قادرا على العطاء أو السير في اتجاه التطوير والتغيير لصالح مجتمعه وتحقيق المصلحة العام فالوزارات ليست منتجعات سياحية للراحة والاستجمام

ومن المعلوم اداريا وتنظيميا ان التواصل الدائم للوزير الميداني مع المواطنين يعنى استكشاف الحال مبكرا وبما يسهم في تكوين الصورة المتكاملة للبدء بمعالجة مواطن الخلل من جهة والعمل على تعزيز المكتسبات من جهة أخرى وهو يشكل جزء مهم من الرؤية الجديدة لمفاهيم الحوكمة الرشيدة والناجعة التي يدعوا إليها جلالة الملك في مجال التسيير الأمثل لإعمال الشأن العام

فلا فائدة من عشرين شهادة دكتوراه لوزير لا يحمل رؤية سياسية واضحة ولا يطبق إستراتيجية عمل صادقة تخدم الشعب وتلبي احتياجاته فالعبرة في تسيير أي قطاع وزاري في عصرنا الراهن ليست بالشهادة العلمية أو بالخبرة الطويلة وإنما العبرة الحقيقية في توفر الوزير على جملة من الخصائص العلمية والاجتماعية والتنموية والخدمية بالمفهوم الدقيق للقيادة تلك هي بعض مواصفات الوزير في دول المؤسسات التي مازلنا ننشدها بحرقة في فضائنا المحلي رغم مرور سنوات طويلة على استرجاع سيادتنا الوطنية

الوزير الذي يريده ويرشده جلالة الملك في حديثه السامي هو من لا يمثل وزارته في ( برستيج لقب المعالي ) فقط من خلف مكتبه بكل فوقية وضوابط وقيود وانغلاق بل من يثبت ان مبدأ عمله صحيح وليس مجرد حبر على ورق وبأنه وزير ميدان وتواصل بجدارة بما يحمله من صدق في العمل والتعامل والتعاون مع ملفات وزارته وتنفيذ وعوده وهو الوزير الذي يقرأ توجيها جلالة الملك ونظرته ويطبق خطابه وتوجيهاته بحرفية ويعمل لمصلحة المواطن والمواطن ويرتفع بخدماته ويرتقي بمعاملته في الوقت الذي يغرق فيه العديد من الوزراء في البهرجة والتهويل والتصريحات والأرقام غير الواقعية

باعتقادي الشخصي أن الوزير الناجح هو من يمتلك القرار والثقة ولا يتردد في التصرف تجاه خدمة وطنه وقيادته وشعبه بكل نزاهة وشفافية ولباقة وذوق رفيع بعيدا عن عوامل الفشل التي قد تأتي بفعل سوء القرار والخدمات التي تقدمها وزارته للمجتمع بشكل معاكس للواقع فقوة الوزارة دائما ما تستمد من قوة وزيرها مع حب وإتقان العمل والإخلاص والتفاني فيه وكل تلك العوامل من الأولويات بجانب وضع الخطط المدروسة والمتأنية لازدهار الوطن إضافة إلى استشارة من حوله من الخبراء والمختصين ومن يفهم عمله جيدا والتمسك كذلك بالموظف الكفء ورفع الروح المعنوية والحوافز لطواقم العمل والإدارات

فليس بعد عمل الميدان بصمة او حديث فالإصلاح والعمل الحقيقي هو الذي يستند للواقع ولا يعتمد على التقارير الصادرة والواردة فحسب فالزيارات الميدانية هي توثيق لعلاقة الوزير مع مرؤوسيه ومد جسور من التواصل بشكل حقيقي مع الناس وهذا ما يريده جلالة الملك بكل وضوح ومصداقية وأمانة خاصة وأن الأردنيين يمكنهم تعزيز الأمل بشخصيات ميدانية وزارية لا تقف عند حدود المظاهر وهنالك نماذج وطنية عديدة محل فخر واعتزاز ولهم ذكرى طيبة ومواقف نبيلة لا تنسى والعكس صحيح

وللأسف الشديد لازال الكثير من الوزراء والرؤساء والمسئولين في العديد من الوزارات والمؤسسات العامه يشهرون سيوفهم من أغمادها اذا ما تعرضت مسلكيات عملهم وإداراتهم إلى أي نقد موضوعي وبناء يهدف الى الارتقاء بالعمل والخدمات العامة فأي نقد مجرد من اي هوى أصبح يرى فيه المسؤول استعداء وجراءة على شخصه وإدارته وكأن المصلحة العامة أوجدتها سلطة الدولة والمجتمع لكي تكون ملكا لفرد أو جماعة تربطها وشائج القربى والنسب او المصالح النفعية المشتركة دون باقي أبناء الوطن

حتى ان بعض الوزراء يرون أنه ليس من حق احد بمن فيهم النواب أن يعرف ما يدور في محيط وزاراتهم سواء كان سلبا أم إيجابا والبعض الأخر يعمد الى استخدام سلطته ونفوذه ومركزه وعلاقاته الشخصية في تشويه ومحاصرة أي شخص يتجرأ على قول الحقيقة وكثير منهم يلجأ إلى اساليب التكتم والسرية والتعليمات القصرية والقيصرية والعمل في العتمة معتقدين بان ذلك سوف يطيل عمر بقائهم فوق كراسيهم

إننا كمواطنين نرى أن الوزير الأحق بالتقدير والاحترام هو الذي يساعد الناس ويقف معهم ويتحسس احتياجاتهم ويصغي الى مطالبهم وفي المقابل إننا لا نثق ولا نحترم أولئك الذين يصدعون رؤوسنا صباح مساء بسياسة الباب المفتوح وتجد على أبوابهم حرسا شديد وعوائق متعددة تمنع الوصول إليهم وتصلبك ساعات حتى يتكرموا بإدخالك الى صولجانهم ثم تجد قلوبهم غلف ضيقة ويتأففون من الناس على اوجاعهم

الوزراء الأذكياء المخلصين يفتحون آذانهم وقلوبهم لكل كلمة نقد وكل همسة حرص لتصحح المسار وتقيم الأداء أما التقليل والتهوين من شأن الرأي الأخر فأن ذلك يشكل خطر على الوزير نفسه أولا ولا يعطي الفرصة لتدارك الأخطاء والإصلاح ويزبد من الشطط والتخبط والضياع

المرحلة القادمة قاسية وعسيرة لا تحتاج الى وزراء ممن يرحلون المشاكل ويخدرون الناس بالوعود والبيانات وهم لا يملكون القدرة على المواجهة وليس لديهم حلول ويتعللون بالأسباب الواهية في كل كبيرة وصغيرة

ختاما كل الشكر والثناء والتقدير للوزير الوطني المخلص والمبدع والمنجز لوطنه على تواضعه وتواصله مع الميدان في وقت كان ولا زال هناك الكثير من الوزراء الذين تسلمو حقائب وزارية كانوا يديرون أعمالهم من المركز دون الخروج الى أي زيارات ميدانية أو تواصل مباشر مع المواطنين لقد مارسوا إعمالهم من بروج مشيدة وقلاع محصنة وسيارات فارهة ومكاتب وثيرة وهواتف حديثة وتقارير مفبركة وغير دقيقة
mahdimubarak@gmail.com



.










.