النسخة الكاملة

"ما الذي تخشاه إسرائيل في عهد جو بايدن؟"

نزار حسين راشد

الخميس-2021-01-27
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - عندما يخوض السياسيون في شأن العلاقة الأمريكية الإسرائيلية،يتحدثون عن الدعم الأمريكي السخي وغير المشروط لإسرائيل،لدرجة إطلاق اسم الولاية الامريكية الواحدة وخمسين على إسرائيل،ولا يدرون أن هناك جانباً ترويجياً دعائياً لهذه الحقيقة،تحرص السياسة الإسرائيلية على تأكيده واستمراريته،والغرض الواضح هو تيئيس العرب من إمكانية بسط يد الود لأمريكا أو مد حبال العلاقات معها،وكأن أمريكا نذرت نفسها فقط لدعم إسرائيل،وأن أبوابها مغلقة في وجه العرب دون أمل في العبور.

وهذا هو الإنطباع الذي ظل مهيمناً على الفكر السياسي العربي،وكانت النتيجة هي التسليم به كأمر واقع غير قابل للتغيير ولا التحدي من خلال توظيف أدوات السياسة نفسها،الأمر الذي كرّس هذه المجانية التي احتفت بها إسرائيل أشدّ الإحتفاء.

وفي السياق نفسه ومن جانب آخر يضخم السياسيون العرب من دور ما يسمى اللوبي الصهيوني وما يسمونه الإيباك لدرجة تترك الإنطباع بأنه يضع خطوط السياسة الأمريكية ويرسم ملامحها،وبالتالي فهو أمر مسلم به ومن العبث تحديه أو محاولة الوقوف في وجهه،وبالتالي فمعركتنا خاسرة منذ البداية فلماذا نتعب نفسنا في خوضها.

والحقيقة الصارخة التي يتجاهلها هؤلاء والتي هي من بديهيات السياسة،أنه لا مُسلّمات في السياسة،وإنما هي عملية إعادة حسابات وتغيير للمعادلات مستمر لا يتوقف.

ولكن العقلية العربية تميل إلى الثوابت والمسلمات،وتهرب من المتغيرات والمتحولات،وهكذا خسرنا اللعبة يا سادة.

وربما هذا بالضبط ما دفع دونالد ترمب إلى التبجح والتهديد والابتزاز،وبالفعل نجحت خطته فأخذ المليارات بلا مقابل،وزرع الخلافات بمجرد كذبة أطلقها في جلسة أن قطر تدعم الإرهاب فردّد من وراءه الببغاوات،وكلنا رأينا كيف تصدت لخطته الخبيثة تركيا وإيران وشدّت على يد قطر فثبتت ونجت،وأفشلت ترمب وحلفاءه ومن تولاه،بشيء من الوعي والتضامن والجهد.

والسؤال الذي يتصدر المشهد الآن ما الذي تغير في عهد بايدن،وهل هناك أي إعادة توجيه لدفة السياسة الأمريكية،وهل هناك ما تخشاه إسرائيل من توجهات الرئيس الجديد؟

تنبه مراقبو المشهد إلى أن بايدن صعّد عدداً من الشخصيات العربية أو المسلمة إلى مواقع حساسة في إدارته،وفي الوقت نفسه حشا ثنايا إدارته بعدد من الشخصيات اليهودية،فلماذا إذن لا تطمئن إسرائيل وتمد رجليها في ظل وجود اليهود الأمريكيين في مستويات السياسة ومواقعها العالية؟

وهنا الإشكال الذي أود جلاءه.

إسرائيل صبت جهودها  منذ نشأتها وعلى امتداد عمرها،على تذييل اليهود الأمريكيين لها،ومعاملتهم كأنهم مواطونون إسرائيليون مقيمون على الأرض الامريكية،وأن ولاءهم أولاً لإسرائيل وثانياً لأمريكا.

هذه المعادلة التي رسختها إسرائيل تم نقضها أول مرة في عهد جون كينيدي،وربما كان ذلك أحد دوافع اغتياله الغامض، والآن وبكل وضوح يعاد نقضها في عهد بايدن!

ولكن كيف وفي ظل تعيين كل هذا العدد من اليهود في ثنايا إدارته؟

والإجابة أن بايدن بفكره السياسي الواضح التوجه يركز على مفهوم المواطنة الامريكية والولاء لأمريكا ولذا فقد عين بالتوازي مسلمين وعرب وأفارقة أمريكيين فهو يريد أن يرسخ هذا المفهوم من خلال هذه الفسيفساء وبهدف واضح هو سحب البساط من تحت العنصرية الأمريكية التي بثها ترمب والتي من وجهة نظر بايدن تهدد الوجود الامريكي ذاته،ولذا سارع إلى بناء حائط الصد في وجهها منذ البداية.

وهذا بالذات ما تخشاه إسرائيل: أن يحوّل اليهود الأمريكيون ولاءهم إلى أمريكي محض ويتحولوا إلى مجرد مواطنين أمريكيين على قدم المساواة مع العرب والمسلمين والأمريكيين الأفارقة،وبالتالي تفقد القدرة على توظيفهم كأداة ضغط او مشاغبة لتسيير دفة السياسة الامريكية باتجاه مصلحتها الخاصة،وتضطر إلى أن تاتي البيوت من أبوابها وتطرق باب الرئيس ومؤسساته لتأمين مكاسبها فاقدة بذلك مزية الطريق المختصر أو الشورت كت الذي استمتعت بثماره طويلاً!

ولذا فربما لن ينقض بايدن قرارت سابقة ولن يسحب الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل ولن يسحب سفارته ويعيدها إلى تل أبيب ولكنه بالتاكيد سيعيد توجيه دفة السياسة الامريكية بمجملها.

وهذا يشكل خطراً أكبر على إسرائيل من نقض قرارات،من السهل أن لا تلتزم بها دون أن تخشى العقاب،فهذه لعبة تتقنها تماماً ومارستها طويلاً،من رفض وإفشال لكل القرارات الدولية والنجاة بالغنيمة.

ولكن ما تخشاه إسرائيل هو سياسات المدى الطويل التي ربما تسحب من تحت كفها عكازة اتكأت عليها طويلا وقد تهوي إذا سحبت من تحتها.

نزار حسين راشد