النسخة الكاملة

(عمالة الأطفال) ناقوس خطر يدق.. حاجة أم استغلال ولا تشريعات حامية.. (القطامين وأبو حسان والعرموطي) يتحدثون لجفرا

الخميس-2021-01-20 01:05 pm
جفرا نيوز -

جفرا نيوز -  تقرير: موسى العجارمة

يترك سريره الدافئ في غرة كل صباح، ليذهب إلى رحلة العناء المبكرة ويرمي من يده "الصغيرة الناعمة" لعبته التي هجرها منذ أن تكبد هموم الحياة وبات غير مدرك أهمية ما يدور حوله سوى إخراج بعض النقود؛ ليقول لمرحلته الأجمل وداعاً لحين إشعار آخر.

"عمالة الأطفال في الأردن" كانت ومازالت وستبقى ناقوس خطر يقلق الأردنيين حيال هذه الآفة التي نهشت أحلام بريئة لا ذنب ولا مظلة تحميهم من مصاعب وألم الحياة وسط مساعٍ وصفها البعض غير ملبية للطموحات، لطالما هذه الفئة تعد الحلقة الأضعف في أواسط حواري وشوارع وعشوائيات يقطنها فئات مجهولة.

هل هي حاجة مادية ما استغلال للطفل؟، سؤال أمام الجهات المعنية لعرض تفاصيل هذا الملف الشائك الذي ترك الأثر السلبي في قلوب أطفال أبرياء لا ذنب لهم، ليكونوا ضحايا مجتمع بأكمله، على الرغم من أن فئتهم العمرية تعد فترة الرفاهية والتأسيس في الظروف الطبيعية والأحوال الاعتيادية

وجائحة كورونا العصيبة لم تترك هذه الفئة وزادت الحمل والأعباء عليها دون رحمة أو شفقة، وخاصة مع لجوء المدارس إلى التعليم الإلكتروني الذي أسهم بارتفاع عمالة الأطفال في الأردن.

*عمالة الأطفال في الأردن.. ظاهرة مؤلمة ومقلقة!

وزير العمل د.معن قطامين يقول إن الوزارة منذ نشأتها تتولى مسؤولية تحقيق الأهداف العامة لشؤون العمل والعمال في المملكة، ومواكبة التطورات الاجتماعية والاقتصادية، إضافة للمساهمة في رفع نسبة المشاركة الاقتصادية من خلال تهيئة القوى العاملة وتشغيلها، وتوفير الحماية الاجتماعية لها وتنظيم سوق العمل الأردني. 

*ما هو دور وزارة العمل للحد من هذه الظاهرة؟

ويضيف القطامين في حديثه  لـ"جفرا نيوز"، أن وزارة العمل تعتبر الجهة المعنية بمتابعة الإتفاقيات الدولية المتعلقة بالعمل ومتابعة تنفيذها، لافتاً إلى أن هناك عمل جاهد للقضاء التدريجي على عمل الأطفال، وخاصة أن الوزارة من الجهات الرئيسة التي تعمل حالياً على قضايا عمل الأطفال من خلال قسم (تفتيش الحد من عمل الاطفال) الذي تأسس في العام 1999 ومركز الدعم الاجتماعي التابع للصندوق الأردني الهاشمي للتنمية البشرية وتبعاً للمشروع المُمول من وزارة العمل ومذكرة التفاهم الموقعة بين الطرفين، والتي تهدف إلى سحب وإعادة تأهيل الأطفال العاملين ومساعدة أسرهم وارجاعهم إلى مقاعد الدراسة.

ويوضح أن مفتشي العمل يعتبرون الذراع التنفيذي لقسم تفتيش الحد من عمل الأطفال، وتم تسمية (17) ضابط ارتباط من مفتشي العمل لدى مديريات العمل في الميدان لمتابعة التفتيش على المؤسسات التي يتواجد فيها أطفال عاملين، مبيناً أن ضباط الارتباط يقومون بالمتابعة مع جميع مفتشي العمل في المديرية وإعداد التقارير الدورية وإرسالها إلى قسم تفتيش الحد من عمل الاطفال بصورة دورية.

وفيما يتعلق بالزيارات الميدانية التي أجرتها الوزارة، يشير القطامين في نهاية حديثه لـ"جفرا نيوز"، أنه جرى تنفيذ زيارات تفتيشية ميدانية على المؤسسات التي يتواجد فيها أطفال عاملين، واتخاذ الإجراءات القانونية المنصوص ضمن قانون العمل.

*كيف تعامل الأردن مع ملف عمالة الأطفال؟
 
وزير التنمية الاجتماعية الأسبق، د.ريم أبو حسان، تقول لـ"جفرا نيوز" إن الأردن يتعامل مع  حماية الأطفال بشكلٍ جدي، وفي مختلف نواحي الحياة وأكبر دليل أن مبدأ المصلحة الفضلى للطفل وهو  أحد أهم مبادئ إتفاقية حقوق الطفل التي  يتم  تطبيقها في الأردن  عند وضع السياسات المتعلقة بالطفل وفي مختلف الإجراءات الجزائية والشرعية والقانونية.

وتابعت: إن اتفاقية  حقوق الطفل التي وقع وصادق عليها الأردن من خلال القانون تعد جزء من المنظومة القانونيةً في الأردن، وعليه فإن قانون الأحداث الذي صدر عام ٢٠١٤ وسع من نطاق  حماية الاطفال إذ اعتبر حالات الأطفال العاملين والتسول والعابثين بالنفايات من ضمن حالات الأطفال المحتاجين للحماية والرعاية بموجب المادة ٣٣ من قانون الاحداث.

"هل نص قانون الأحداث كافٍ للحد من هذه الظاهرة؟

 تبين أن هذا  القانون لا يكفي لوحده للحد من عمالة الأطفال والتسول فكان لابد من وجود إجراءات تنفيذية تعمل بنهج شمولي بين مختلف الجهات والهيئات المسؤولة للحد من عمالة الأطفال،  وتحديث الإطار الوطني لمكافحة عمالة الاطفال عام (2018_2020) والذي تم تطويره بناءً على المعلومات والأرقام التي وفرها المسح الوطني لعمالة الأطفال الذي انجز عام 2016، مشيرة إلى أنه جرى تطوير دليل الإجراءات التطبيقية لتنفيذ الإطار بشكل محترف والذي يهدف بالاساس إلى إعادة الطفل إلى مكانه الطبيعي بين أسرته والمدرسة. 

كما توضح أبو حسان في نهاية حديثها لـ"جفرا نيوز" أن هناك ازدياد ملحوظ في عدد الأطفال المتسولين إذ بلغ عدد ما تم ضبطه في عام  2020  يعادل (2418) طفلاً متسولاً في المملكة، لافتة إلى أن هناك تطور حاصل في إجراءات التعامل مع الاطفال اذ يتم تبليغ شرطه الأحداث ومن ثم تحويل الطفل، وإذا كان محتاجاً للحماية والرعاية لوزاره التنمية مما يدلل على النهج الشمولي في الحماية بالاضافة الى توجه وزارة التنمية لفتح ( 3) مراكز لرعاية الطفل العامل لإعادة دمجهم في اسرهم ومواصلة التعليم، معتبرة أن التسول هو أحد حالات المحتاجين للحماية والرعاية من الأطفال.

*حقوق الإنسان: لا يوجد رقابة 

المفوض العام للمركز الوطني لحقوق الإنسان د.علاء العرموطي يؤكد وجود هذه الظاهرة التي تتشعب أسبابها بشكل مختلف، ومن بينها عدم التشدد بتطبيق القانون الذي لا يكافح هذه الظاهرة، ولا حتى تقديم المراقبة المطلوبة، مبدياً لومه على السياسات المعمولة خلال هذه الفترة الزمنية.  

ويشدد العرموطي أثناء حديثه لـ"جفرا نيوز"  على ضرورة وضع سياسة وموزانة للحد من هذه الظاهرة، مشيراً إلى أن كورونا أسهمت بتسرب الأطفال من المدارس في ظل إنعدام الرقابة دون التوجه لتعديل قانون العمل والأحوال الشخصية.

ويطالب بدعم الأسر العفيفة لكون بعض الأسر تشجع أطفالها على العمل من أجل الجانب المادي وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، موضحاً أن  هذه المسألة تحتاج سياسة ذات طابع استقلالي يوضع لها ميزانية مستقلة للحد من ظاهرة عمالة الأطفال بالشكل الملبي للطموحات.

*ما هو الأثر النفسي على الطفل ؟

الخبير النفسي د.حسن الصبارين يوضح لـ"جفرا نيوز" أن مرحلة الطفولة هامة للغاية وعندما يتردد إلى مسامعنا كلمة (طفل) ينتابنا شعور تقديم الرعاية والاهتمام ويتوجب توفير الحقوق اللازمة له والتي تتمثل بإشباع رغباته وتوفير المأكل والملبس والمسكن والشعور بالأمان؛ لكونه في حال انطبع بذاكرته شعور الخوف سيواجه في مكبره مشاكل واضطرابات نفسية لا تحمد عقباها.

"عمالة الأطفال" تعتبر بمثابة إبعاد الطفل عن مرحلة الطفولة التي تعد من الفترات الجميلة في حياة الفرد والتي تتطلب وجود ألعاب وغرف جميلة له، وشراء ملابس جديدة بين الحين والآخر، وتقديم العناية المناسبة له؛ لطالما ذهاب الطفل إلى العمل في مرحلة التأسيس والنمو ستغرقهم في الهموم بشكل مبكر. "بحسب وجهة نظر الصبارين". 

وفيما يتعلق بالجانب التربوي، يقول إن العمالة تتمثل بوضع طفل بمرحلة لا تتلاءم مع فئته العمرية ويترتب عليه أعباء بالغنى عنها، ويكتسب الأخلاق الخطيرة في الشارع العام الذي يضم مختلف أنواع وأصناف البشر منهم: (تجار المخدرات والمنحرفين)، لكونه من السهل اصطياده في كافة القطاعات المختلفة، وخاصة أنه لا حد يعلم مدى المستوى الثقافي والأخلاقي للأشخاص الذي يتعاملون مع الطفل.

وينوه الصبارين أنه لا ينتقد أصحاب المهن لكونهم يشكلون جزءاً هامًا في نواة المجتمع إلا أن الطفل عندما ينخرط في سوق العمل بعمر صغير لا يجد التوجيه والرعاية. 

*هل كورونا أسهمت بزيادة التسرب المدرسي وذهاب الطفل للعمل في الشارع؟

"لا خلاف على أن كورونا عكست سلباً على الوضع الاقتصادي بشكل كبير وأثرت على العديد من المنازل وأدت إلى البطالة، وخاصة أن هناك العديد من الأشخاص أعلنوا افلاسهم والبعض انخفضت قيمة رواتبهم، وهذه الجائحة ألقت بظلالها عالمياً واقتصادياً وأخلاقياً وكانت بمثابة كارثة على الجميع، مما دفع بعض البيئات بإرسال أبنائهم إلى الشوارع لإخراج قوتهم اليومي، إلا أن هذا ليس مبرر، ومن الممكن أن نحرم الطفل من بعض الأمور بسبب الظروف الاقتصادية ولكن لا بد الحفاظ عليه، وخاصة أن حل المشاكل الاقتصادية لا يقتصر بإلقاء الطفل في الشوارع ووضعه في خانة القلق والتوتر". وفق الصبارين. 

وفي ذات السياق، أشار المسح الوطني للأطفال في الأردن عام 2016 إلى أن نسبة الذكور أعلى من الاناث في ظاهرة عمالة الأطفال، لتكون النسبة العمرية من ( ١٥- ١٧ ) هي الأعلى، وجاءت المناطق الريفية  أعلى من المناطق الحضرية في هذا الخصوص، ليكون الاطفال السوريين الأعلى نسبة ( وهذا يدخل ضمن الاعباء التي يتحملها الاردن بسبب الأزمة السورية ).

ونتائج المسح الوطني أظهرت أن عدد سكان الأردن (9.53) مليون نسمة تقريباً، لتقارب نسبة الذكور (50.7%) ونسبة الإناث (49.3%)، والعينة المستهدفة في هذه الدراسة هي الاطفال في الفئة العمرية (5-17) عامًا والتي شكلت حوالي (4.03) مليون طفل من مجموع السكان (42%) .

وجاءت نسبة الذكور في الفئة العمرية ما يقارب 2.076 مليون و1.96 مليون طفلة أنثى، ليتبين أن هناك 75.982 طفلاً يعملون في أنشطة اقتصادية مختلفة أي بنسبة 1،89%.

والإطار الوطني لمكافحة عمل الأطفال 2018 يؤكد الالتزام الوطني لحماية الأطفال العاملين، لكونه يهدف بأن يصبح وثيقة وطنية مرجعية والتي تحدد وتخصص طرق التعامل مع حالات عمل الأطفال في الشوارع ، إضافة لتوضيحها المسؤوليات والأدوار لمختلف القطاعات.

وعلى صعيد متصل، أبدى التقرير السنوي لحالة حقوق الانسان في الاردن للعام 2019،  انتقاده حول غياب "حماية الاطفال من التسرب المدرسي” في الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية التي اطلقتها الحكومة في العام 2019   لافتاً إلى إن الاستراتيجية لم تتناول جزئية الاطفال المتسربين، وجهود توفير الحماية الاجتماعية لهم.

وانتقد التقرير قانون العمل اذ لم يوفر حماية للأطفال العاملين دون أجر مع آبائهم، لعدم انطباق تعريف العامل عليهم، ما يبرر وجود عمل أطفال، ويعفي آباءهم كأصحاب عمل من العقوبات الواردة في القانون ، مشدداً على استكمال الاجراءات القانونية لسن مسودة قانون حقوق الطفل، والتي ما تزال لدى اللجنة القانونية في مجلس الوزراء.

واستهجن التقرير اجراءات العمل الوطنية الموحدة للوقاية والاستجابة لحالات العنف”، ودليل "مقدمي الخدمات الصحية للتعامل مع الاعتداء الجنسي" لكون البرامج لم تشمل الاطفال المولودين خارج اطار الزواج، وكذلك الغجر، مشيرا الى ان المشرع اغفل حقوقهم في التشريعات الناظمة لحقوق الأيتام، ما يحرمهم من الدعم المالي والتأهيلي ويؤثر على حقوقهم في البقاء والنماء.