النسخة الكاملة

هل سنبقى ندور في الحلقة المفرغة ؟

مهدي مبارك عبد الله

الخميس-2021-01-03
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - مهدي مبارك عبد الله

النوايا وحدها لا تحقق الأمنيات والمتطلبات ( عبارة تكاد تختصر حال المواطن الأردني البائس ) وهو يسمع كل يوم وعوداً وشعارات دون أن يرى مفاعيلها على الأرض لجهة تحسين واقعه المعيشي والخدمي السيئ وربما الإنساني الأكثر سوءا إذ لا برامج تنموية مدروسة وقابلة للتنفيذ تستجيب للواقع اليومي للمواطن وسط متاهة ضاعت فيها بوصلة الإصلاح المأمول بمختلف مجالاته رغم التجارب الفاشلة المتكررة

ثمة سؤال يطرح نفسه هنا هل الحكومة الحالية حقيقة تمتلك إرادة التغيير نحو تحقيق التنمية المستدامة أم سيبقى الفساد عاملاً محبطاً لكل بارقة أمل في تحقيق الآمال ولو بالتقسيط أو الترقيع حين يشعر القاطن في الأردن بشيء من القلق يتزايد مع مرور الأيام جراء صعوبة الأوضاع الداخلية وفي مقدمتها أداء الحكومة غير الواضح والتي يشعر المواطن حيالها بالخيبة وقلة الرجاء واليأس

أن حالة الإحباط التي يعاني منها المواطن الأردني نتيجة الضغط المعيشي المتزايد وانعدام القدرة على توفير متطلبات الحياة الأساسية الكريمة وهي الحالة الصادمة والصادقة التي ألغت كل إمكانية للحديث أي شيء اسمه تنمية مستدامة بعدما بات حلم المواطن البسيط المستسلم لقدره هو أن يستمر الوضع على ما هو عليه فقط رغم مرارته وألا يزداد سوءاً فعملية الفساد المستشرية طولا وعرضا تحبط كل أمل لإنقاذ الناس من هذه الحالة المأساوية التي تحاصرهم ويعيشونها بقلق وحذر

المواطن البائس في ظل تسارع المتغيرات وتقلب المعادلات وهرولة توالد الوزراء وتناسل الوزارات يريد حكومة تتعاطى بشكل عملي وصادق وأمين مع حاجاته ومتطلباته الضرورية وأمنياته العادلة والمشروعة لكن ما حصل من مشاهد حية في الأشهر القليلة الماضية يعطي انطباع بأن الحكومة الجديدة يبدو أنها تسير على خطوات الراحلة نفسها فكان طبيعياً ان نرى حالة عدم الثقة والتخبط والخوف نتيجة بعض القرارات المتدرجة الأخيرة والتي وصفت إنها بعيدة عن المرونة والمسؤولية وربما الحاجة

العودة مجددا الى تطبيق الحظر الشامل يوم الجمعة المؤذي اقتصاديا ونفسيا يدل على الارتباك في مواجهة الوباء في نظر البعض ومؤشر على تناقض الموقف الحكومي منه عدى عن تجاهل الحكومة المستمر للإضرار الاقتصادية الجسيمة التي تلحق بقطاعات واسعة وإغفالها حقيقة ان مجرد الإعلان عن الحظر يخلق حالة عامة من الازدحام والتهافت في الأسواق والنشاطات الحياتية الأخرى والتي توفر بيئة خطيرة لنشر الوباء بشكل أكبر وهو ما ينفي الفائدة المرجوة من الحظر حيث كان لابد ان يترافق الدعم المالي مع الحظر لمواجهة اثأر الجائحة في مسألة تخفيض الرواتب بالإضافة الى ضرورة مساعدة القطاعات الاقتصادية المتضررة التي تلجأ الى فصل عمالها وبما يزيد من أرقام البطالة بشكل اكبر لتستطيع الصمود الاستمرارً

وعلى الرغم من ان الخروج مما نحن فيه ليس مستحيلاً إذا ما توفرت العوامل والأدوات المناسبة وفي مقدمتها الإدارة الناجحة وإرادة التغيير بامتلاك الكفاءات النتخصصة وأصحاب الخبرات المتميزة بعيدا عن المحسوبيات والولاءات والعمل على توظيف وتوجيه الموارد واستثمارها بالشكل الأمثل ولأجل ذلك نؤكد دائما الحاجة الماسة لتطوير وتعديل القوانين وجعلها مرنة لتخدم الخطط والبرامج التنموية الواضحة ذات الجدوى الاقتصادية المضمونة

إضافة إلى تعزيز سيادة القانون باعتماد المساءلة والمحاسبة من أجل محاربة الفساد وأعوانه لأنه لازال الآفة التي تنخر جسد المؤسسات العامة وتضعف وتستنزف الموارد الوطنية وأنه مع غياب أي عامل مما سبق لن نصل إلى نتيجة ناجحة او حتى مرضية وقد تكون الإرادة السياسية للتغيير متوفرة لكن الإدارة العامة المسؤولة غائبة ( لا بل مغيبة عمدا ) خاصة فيما يتعلق بتوظيف واستثمار الخبرات والكفاءات ومحاربة الفاسدين والانتهازيين الذين يميلون مع الطرف الأقوى لتحقيق مصالحهم الضيقة والبعض يخلص الى ان كل ما يحكى عن إرادة التغيير هو مجرد كلام بلا قرارات منتجة

لا احد ينكر بأن هناك وعياً شعبياً ونيابياً ورسمياً لحجم الفساد وإدراك كامل لخطورته لكن في المقابل تبدو أن آليات المعالجة وخطوات محاسبة المتورطين فيه بطيئة وتسير كالسلحفاة نظراً لعوامل عدة يصعب حصرها في ثنايا هذا المقال

الكثير من الدول في العالم استطاعت كسر الحلقة المفرغة وبدأت انطلاقات جديدة وذلك بتغيير طاقم الإدارة وتغيير نهج العمل لإحداث الإصلاح الحقيقي بطريقة توافقية وسليمة هادئة ومتدرجة بحيث تكون جميع الأطراف شريكة في إحداث النقلة النوعية المطلوبة نحو مرحلة جديدة تتسم فعلاً بإرساء سلطة الشعب الحقيقية ومصدريته الشرعية من دون أي فوضى او إخلال بالسلم الأهلي والمحافظة على مؤسسات الدولة وحمايتها

كل الأطراف في المعادلة الوطنية مجمعة على وصف المرحلة السابقة بالضعف والفساد والعقم وهي أيضا متفقة على ضرورة الإصلاح والتغيير وان لا تبقى الإدارات والوزارات والمؤسسات نفسها تدار من قبل الأشخاص أنفسهم الذين كانوا يمثلون سدنة المرحلة السابقة التي أدت إلى تعمق الفساد وتجذره وانتشاره والتي طالت أهم المؤسسات وأخطرها وأعظمها شأناً والذين أوصلوا البلاد والعباد إلى حالة متدهورة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والعلمي وبددوا مقدرات الدولة وباعوا أصولها ولم ينعكس ذلك على الشعب الأردني إلاّ فقر وجوع وخسران وخيبة وهنالك إحساس متوقد بالخوف من المصير الأسوأ في الحاضر والمستقبل

الكثيرون غارقون في الشك المطلق والتشاؤم المريب بأن مجلس النواب بهذه الهيئة والطريقة والسلوكيات غير المسؤولة التي ظهر بعضها خلال تشكيل لجانه لن يكون قادراً على القيام بمهامه الدستورية ولم ولن يكون قادرا أيضا على حمل رسالة الإصلاح والتأسيس التشريعي للمرحلة المقبلة بكل ظروفها وتحدياتها مما يحتم علينا التفكير العملي والجاد بان نضع خططنا العالية المهنية لمواصلة وتحقيق الهدف وإلا سوف نبقى ندور في ذات المكان ثم نعود إلى المربع الأول ( كأنك يا ابو زيد ما غزيت )

ومن المهم جيدا ان نصل الى قناعة بأنه لن يتحقق الإصلاح عن طريق تدوير النخب السياسية نفسها ( مسؤولين وقيادات ) التي أحكمت قبضتها على مقادير البلاد والعباد من خلال المؤسسات ذاتها وبالمنهجية نفسها فهذا لن يشكل إلاّ مزيداً من ضياع الوقت والجهد والإمكانات وسيكون مدعاة لإحداث الترهل والارتباك الذي سوف يزيد من الاحتقان ويرفع من مخزون الغضب لدى المواطنين وقد يولد الانفجار على حين غرة مع كثرة التجمعات الناقمة والمحتجة على الواقع والتي تدل على تصاعد الأزمات في البلاد وقد تعني عدة من الأمور الخطيرة التي تتطلب حلولا جذرية وسريعة وفي المهم منها ألان التوقف عن سياسة الضغط في سد العجز من جيوب المواطنين في زمن الكورونا وزيادة التركيز على القطاع الصحي بان تعلن الحكومة حالة طوارئ صحية شاملة

الشعب الأردني يدرك كثرة تغلغل الفساد في الأجهزة الحكومية المختلفة ويخشى من ضعف أداء المجلس النيابي الجديد في الدفاع عن حقوقه ومكتسباته أمام الحكومة نظرا لعدم الخبرة والتخصص لدى العديد من إعضائه والظروف المثيرة التي جاء فيها فضلا عن الشعور المتزايد لدى معظم الناس بوجود خلل في إدارة البلاد نتيجة عدم وجود آلية واضحة وبرامج ورؤية موحدة للتصدي للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية من بطالة ومديونية وتضخم وفساد وشللية وغيرها خاصة وان معظم المعالجات لا زالت في الإطراف للمتهمين ويبقى سؤال مهم لا بد من طرحه على المستوى الشعبي والسياسي من المسؤول مسؤولية تامة وكاملة عن التدهور والفساد في أركان الدولة ومن هم الفاسدون والمفسدون ومن هم الرعاة والحامون ومن هم المستثمرون فيه والمستفيدون من بقاءه واستمراره

والأهم من ذلك هو كيفية العلاج ومتى ستبدأ عمليات البتر المؤلمة وكيف سيكون التحرك بالنظر الى وجود تجارب سابقة قليلة ناجحة تمكنت من إنجاز أشياء كان يرها البعض صعبة المنال بعدما حددت أهدافها بشكل دقيق وبفترة زمنية قصيرة المدى ولو اتفق على رؤية واضحة لأتت ثمارها أكثر ولكن كأنه كتب علينا في كل مرحلة ان نعيد العمل والبناء من الأساسات وألا نكمل البناء لبنة فوق الأخرى

من المعروف إداريا وعمليا انه عندما تصبح الأهداف عامة وشاملة وطويلة المدى عندها يفتر الحماس وتتشتت الجهود وهذا ما حصل معنا في الفترة الأخيرة فضلا عن ان ( سيكولوجية الجماهير في الأردن لا تملك النفس الطويل لتحقيق الأهداف الطويلة المدى وهي تريد أن تحدد هدفا محددا وقصير المدى يتم تحقيقه في فترة زمنية قصيرة ثم تقطف ثماره طازجة ويانعة

واليوم وبسبب ما يدور حولنا من أحداث سياسية وأمنية واقتصادية ما أحوجنا أن نستعيد تجربة بعض من فترات الماضي الأقل سوداوية ونعيد حساباتنا بأننا أبناء وطن واحد وهبه الله لنا جميعا لنحقق فيه الوحدة الوطنية بالتعايش في إطار القانون والعدالة التي ننشدها وان نتضامن جميعا ضد من يريدون العبث بأمننا ومقدراتنا وان نستعد لأسوأ الظروف وليكون شعارنا الوطن فوق الجميع

بالمختصر على حكومتنا الحالية برئيسها وطاقمها ومستشاريها أن تعلموا إن التغيير المستمر هو الشيء الوحيد الثابت في الحياة وعليهم أن يعوا ذلك عندما تضعوا البرامج والخطط التنموية وكذلك إثناء تعاملهم مع المواطن وحاجاته ومتطلباته فبقاء الحال من المحال بهذا الشقاء والبؤس ولا شك ان الخطوة الأولى هي بالتفتيش المستمر والدائم عن الكفاءات المختصة والاستثمار فيها وتقديمها وإعطائها الحرية في العمل وإشراك المواطن أيضاً في اتخاذ القرار

ورغم كل الملاحظات والانتقادات كل ما هو مطلوب إعلاء شأن الإرادة الوطنية القوية مع الإحساس بالمسؤولية وتفعيل دور ومكانة الإدارة الناجحة التي توجه بوصلة التنمية المستدامة بالاتجاه الصحيح وفق الإمكانيات المتاحة من خلال وضع خطة طموحة ومدروسة لمعالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية من خلال إستراتيجية وطنية بالاعتماد على الذات نتجاوز من خلالها كل المعوقات والمطبات التي عطلت المسيرة في السنوات الماضية

وختاما فان أصدق المقال ما نطق به لسان الحال لواقع وطني مؤلم لا زال يترك في القلب غصة فهل من مستمع وهل من مجيب ؟
mahdimubarak@gmail.com