النسخة الكاملة

طلبة الدراسات العليا ما بين مطرقة التفرقة وسندان الوباء

فداء المرايات

الخميس-2020-12-30
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - في مفارقة عجيبة طفت على سطح التأزيم ومن قلب واقع الأزمة الوبائية ، جاءت وزارة التعليم العالي بقرار فيه إجحاف واستنثاء لطلبة الدراسات العليا من حقهم في الامتحان عن بعد أسوة بزملائهم طلبة البكالوريس ، والذي يعد هذا القرار شكلا من الإقصاء لحق الرعاية والحياة والسلامة ، الواجب على الحكومة بشكل عام توفيره لمواطنيها وذلك عبر وزاراتها وكل حسب اختصاصه ، بيد أن الواقع الوبائي في الكثير من دول العالم ( كبريطانيا وغيرها ) بدؤوا بفرض الإغلاقات الكلية تزامنا مع نهاية العام ، وحفظا لسلامة مواطنيها ، وأما في بلدنا فإننا نعاني من زيادة عدد الإصابات التي مازالت تتجاوز الألفي اصابة يوميا حتى اللحظة ، مع حظر شامل في نهاية كل أسبوع في محاولات للتخفيف من تزايد الاعداد المستمر..

وعلى ديدن التخبط ، خرج هذا القرار ليربك 30 ألف طالب دراسات عليا ، حيث وجدنا الواحد منهم لا يحظى بالأهمية الصحية من منظور وزارة التعليم العالي ، الأمر الذي يفتح تساؤلا عن كيف يمكن التصريح والإقرار بهذا القرار ونحن في ظل أزمة وبائية صعبة وحالات جديدة تعد بالآلاف يوميا ؟! ، ولماذا غاب عن وعي الوزارة وإلمامها الكلي بأن هؤلاء الطلبة بعددهم الكبير سيتوجهون من كل قرية ومحافظة ومدينة نحو جامعاتهم في تحشيد واضح للجامعات الواسعة مساحة ومبان ٍ والمكتظة اعتباريا بالموظفين والأمن والدكاترة والحلقة الأضعف والأهم بالطلبة أيضا ..

كيف يمكن أن تغيب مثل هذه التحديات والمخاطر عن واقع صناعة قرار الامتحانات عن بعد لطلبة الدراسات العليا ، وما الضامن والكافل لسلامة هؤلاء الطلبة الذين سيمرون بعدة محطات ويتنقلون في عدة نقاط في طريقهم نحو جامعاتهم ناهيك عن الاحتكاك والتنقل داخل الجامعة نفسها ، فهل الوزارة تعي وتدرك صعوبة الموقف من جهة ؟ ومن جهة أخرى جدية الانتشار الوبائي بهذه الأعداد القادمة والمتجهة نحو جامعاتها ؟!

كما تتذرع وزارة التعليم العالي بأنها ستطبق البروتوكول الصحي ، فعن أي بروتوكول سيحفظ سلامة هذا العدد الكبير من الطلبة والموظفين والاساتذة الأكبر منا سنا وشأنا ؟ وقد شاهدنا الوباء يفتك بجيشنا الابيض من أطباء وممرضين تمرسوا في البروتوكولات الوقائية والتعقيمية منذ سنوات وما قبل ظهور كورونا ومع ذلك فتك بالعديد منهم رحمهم الله؟! ، فكيف تضمن الوزارة سلامة الموظفين والطلبة والتأكد من خلوهم من كورونا في كل جيئة إلى الجامعة ، وهل ستقوم بتعقيم أوراق الإجابة التي ستتنقل بين الأيادي بدءا من الموظفين لأساتذة المواد وأخيرا الطلبة في رحلتها الأولى ثم ستعود بعد تجميعها إلى مدرس المادة ، وما هي آلية تعقيم الورق في كل الأحوال ؟!

إن هذا التأزيم من قبل الوزارة فيه شيء من عدم المساواة ، فقد تم استثناء طلبة البكالوريس هذا اولا ، كما وقد اوعزت الجامعات من خلال كلياتها وأقسامها إلى الطلبة الموجودين خارج المملكة بارسال أرقامهم وضبط قوائمهم ليتم امتحانهم عن بعد ، فلماذا هذا الانقسام وغياب العدالة ومنع المساواة بين الطلبة ، إننا في الأردن ليس لدينا أنظمة تعليم جامعية متكاملة عن بعد كما في كندا والدول المتقدمة ، ليتم التبرير بتقديم الامتحان لهم عن بعد ، وما استدعى امتحانهم عن بعد هو الأزمة الوبائية وتحدياتها اي انه السبب نفسه الذي يجمعنا معهم وعليه فإنه واجب على الوزارة معاملة الطلبة بعدل ومساواة وعلى درجة واحدة من التعامل ، في أن يحصل جميع الطلبة في الشعبة الواحدة على اختلاف ظروفهم ( المصاب ، والمريض ، والمسافر ، وضعيف المناعة وغيرهم ) امتحانا موحدا عن بعد يحقق الغايتين الفضليين العدالة والسلامة في آن واحد ..

ولا يؤخذ بالحسبان من جانب الوزارة بأن طلبة الدراسات العليا بعددهم الكبير والهائل ( 30 الف طالب بحسب تصريح ناطقها الإعلامي ) هم في الغالب من متوسطي العمر فما فوق ، الأمر الذي يؤكد وجود فئة كبيرة منهم ممن يعانون من أمراض مزمنة كالسكري والضغط والقلب أو من أمراض مناعية وأنا منهم ، وبهذا القرار فهم أصبحوا كقربان يقدم على طبق من ذهب لوباء كورونا المميت - بحسب تصريحات منظمة الصحة العالمية والجهات المعنية والمختصة - لهؤلاء الفئات .

ولو بحثنا في مبررات الوزارة لتطبيق الامتحانات داخل الحرم الجامعي لوجدناها بعيدة عن الاقناع ، ولا تعلو على حق الحفاظ على الصحة والسلامة ، فلو كان المبرر تذرعا وخوفا من الغش ، فالسلك الأكاديمي يعلم بأن طلبة الدراسات العليا هم باحثين في المواد وفي المرحلة الدراسية الخاصة بهم بأكملها ، حيث لا يوجد اجابات نموذجية تقدم في الامتحانات ، وليس الجواب بقالب جاهز ، بل هو كعصف ذهني وحصيلة معرفة متراكمة في المادة عبر نقاشاتها طيلة الفصل ، يحولها الطالب بلغته الخاصة الى أجوبة ، فلن تشاهد في أسئلة الدراسات العليا ( اختر / اذكر / عدد ) ولن تكون الاجوبة إلا مقالية ، يكتبها الطالب بحسب فهمه ومدى تركيزه مع مدرس المادة ، وكل مدرس يعرف طلبته وطريقة تفكير كل واحد منهم وأما الامتحانات بالمطلق لهذه الدرجة العلمية العليا فهي لا تحقق لهم التخرج بل في انتظارهم رسائلهم الجامعية التي تعد كالغربال أو الفلتر في تفنيد عيوب الطالب الباحث وجودة معرفته وكفاءتها ، لذلك لا يوجد ما يبرر عقد الامتحانات داخل الحرم الجامعي غير تعريض الطلبة والمجتمع لخطر الوباء والاصابة به والعدوى هذا غير صنع التفرقة وعدم المساواة بين الطلبة على معيار الدرجة ( بكالوريس ودراسات عليا ) والظروف ( داخل الاردن وخارجها) في امتحانهم ..

وعليه فإننا نحن طلبة الدراسات العليا كثفنا مساعينا في الدفاع عن حقنا ، واختزلنا مطالبنا بمطلبين حق الامتحان عن بعد هذا أولا ، والمطلب الثاني تطبيق نظام ناجح راسب اختياري ، فقد واجه الكثيرون من الطلبة في هذا الفصل العصيب العديد من المشاكل التقنية ، ناهيك عن ضغوطات دراسية نتيجة تأخير الفصل ، الذي وجب المحاضرات التعويضية ، والتي جعلت الأمر ثقيلا على الطلاب ومتواترا بشدة في تلقي المعلومات ، فمطلب ناجح راسب لم يتم تطبيقه في الفصول الماضية في كافة الجامعات ، والكثير من الطلبة لم يستخدمه ، وهو في هذه الحالة سيكون لحفظ معدل الطالب وعدم وقوعه في أزمة اسقاط المواد حفاظا على المعدل ..


وما زال الطلبة مستمرون في التأكيد على حقهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتواصل مع المحطات والاذاعات والجهات المعنية ، لإيصال مطالبهم إلى وزارة التعليم العالي ، ورؤساء الجامعات الفاعلين المهمين في التعبير عن واقع الجامعات ، وهذه المطالب المختزلة ضمن عبارات واضحة وتفسيرات حياتية لجميعهم ومصيرية لسلامة فئة كبيرة منهم كمرضى لم تتجاوز حدود المشروع وبل وأنها ما يجب لنا أن نطالب به ككائنات بشرية تنتمي لمجتمع انساني قائم يمتاز بالمدنية والتحضر وتحقيق العدالة وحماية الانسان واحترام كينونته .


فداء المرايات
كاتبة وباحثة سياسية
ناشطة في مجال حقوق الانسان
طالبة ماجستير