جفرا نيوز -
جفرا نيوز - مهدي مبارك عبد الله
بعد طول انتظار وترقب قضي الأمر الذي كنتم فيه تستفتون وانتهت الشائعات والتخمين بقبول رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس استقالة عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الدكتورة حنان عشرواي (74 عاما ) والتي قدمتها بصورة شفهية يوم 24 تشرين الثاني الماضي بعيد أيام من استئناف التنسيق الأمني مع إسرائيل ثم تبعتها باستقالة خطية في 26 من نفس الشهر مشفوعة بطلب البت فيها قبل نهاية العام الجاري مع احترامها للأنظمة والقوانين السارية ( بعدما انتقدت كل شئ عن أي أنظمة وقوانين تتحدث )
أسباب كثيرة هي التي دفعت السيدة عشراوي الى مغادرة موقعها الرسمي لم توضحها في بيان استقالتها الغامض وغير الشفاف بشكل كامل معظمها كان لدواعي سياسية لكنها ظهرت " بطابع احتجاجي " تحديدا على طريقة اتخاذ القرارات وعدم وضوح آليات عمل اللجنة التنفيذية ( يرأس الرئيس محمود عباس اللجنة التنفيذية المؤلفة من 15 عضواً وهي أعلى هيئة في منظمة التحرير الفلسطينية بعض مقاعدها شاغرة حاليا لأسباب مختلفة وهي شبه معطلة منذ سنوات )
يضاف إلى دواعي الاستقالة المتأخرة ايضا شعور السيدة عشراوي المستمر بالعزلة والتهميش والتجاهل مع قناعتها بأن دورها لم يعد فاعلا في إمكانية إحداث أي إصلاح في الشأن الوطني في ظل حالة التفرد بالقرار وعدم اتخاذ أي خطوات جدية تجاه ملف المصالحة وإجراء الانتخابات
مرات عديدة تحدثت عشراوي عن الحاجة إلى ضرورة إجراء إصلاحات في السلطة الفلسطينية وتجديد مكونات النظام السياسي الفلسطيني وتفعيل أطر منظمة التحرير وإدخال عناصر جديدة شابة ومتنوعة تمثل ( 13 مليون ) فلسطيني في الداخل والخارج في مواقع صنع القرار المتقدمة مع ضرورة تداول السلطة ديمقراطيا عن طريق الانتخابات وإعادة الاعتبار للصلاحيات والمهام واحترام تفويضات اللجنة التنفيذية التي تعاني اليوم ( حسب رائيها ) من التهميش وعدم المشاركة في صنع القرار
لقد فهم من توقيت الاستقالة إن أحد أهم أسبابها هو رفضها عودة السلطة لعلاقاتها مع الاحتلال " التنسيق الأمني وغيره " إضافة إلى اعتراضها على استمرار سيطرة التيار الأمني في السلطة على كل الملفات بما فيها المنصب التفاوضي ( رغم تعثر المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 2014 ) والذي بات شاغراً بعد وفاة صائب عريقات الذي كان يشعل منصبين هما كبير المفاوضين وأمين سر اللجنة التنفيذية والذي فتح رحيله معركة حامية لتقاسم تركته خاصة ان أمانة سر المنظمة منصب يؤهل صاحبه لأن يكون خليفة لعباس ما يعكس عدم تعيين أحد مكان عريقات حتى الآن تعقيد الأمر وضراوة الصراع الدائر حواه ويذكر ان عشراوي كانت خارج الدائرة الخاصة ببورصة الأسماء المرشحة للمنصب رغم أنها تعد من الرعيل القديم في المنظمة وشغلت مناصب غاية في الأهمية
البعض وجد في الاستقالة صفعة للقيادة الفلسطينية ودليل واضح من ( أهل الدار ) على عدم وجود مشاركة حقيقية مع مكونات الشعب الفلسطيني وهي أيضا إشارة غير مباشرة لإحراج السلطة والمنظمة من خلال إثارة الرأي العام وتنبه الإعلام إلى عمق الأزمة داخل القرار الفلسطيني وتسليط الضوء على حجم الكارثة التي أصابت المؤسسات الرسمية والحالة السياسية المتشابكة التي تزامنت معها حيث لا تجتمع اللجنة التنفيذية ولا يؤخذ بوجهة نظرها رغم اختصاصها بتنفيذ سياسات منظمة التحرير
لم تتحدث الدكتورة عشراوي عن ماهية الإصلاحات المطلوبة من وجهة نظرها ولا عن الثغرات التي تعترض عمل المنظمة كما لم تذكر لنا شيئا عن أسباب تهميش المنظمة وعدم المشاركة في صنع القرار ومن هو المسؤول الفعلي عن تعطيل عملية الانتخاب أما عن حلمها بالتغيير المنشود فبدا مجرد كلام عام وغامض أو تلميح بعيد وعارض لم يعرف أحد مراميه بشكل مباشر
اللافت في هذا الشأن أن بعض التقارير في فلسطين تحدثت أن سبب استقالة عشراوي هو طلبها شغل موقع أمين سر اللجنة التنفيذية وهو الموقع الذي كان يشغله صائب عريقات وعندما رفض أبو مازن هددت بالاستقالة ثم سربتها للإعلام الذي كشف خيوطها مبكرا فأحرج الجميع
والسؤال المطروح هل استقالة حنان عشراوي من عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ستعيد الاهتمام بالوضع المترهل للمنظمة وغيابها عن أي دور مؤثر وتدق ناقوس الخطر حول ما يجري في الحياة السياسية عامة والمؤسسات الفلسطينية خصوصا
للحقيقة ان استقالة الدكتورة حنان عشراوي كانت باهتة في تأثيرها على الرغم من أهميتها ودبلوماسيتها المدروسة ناهيك عن أنها جاءت متأخر بعد 11 عاما من عضويتها في اللجنة التنفيذية ( علما أن تلك الفترة شهدت أكثر فترات المنظمة تهميشا على كافة الأصعدة وكانت راضية ولم تعترض يوما ) وكذلك فقد عرضت استقالتها بصورة غامضة وشبه صامتة حيث لم تقل عشراوي فيها شيئا واضحا وان بيان الاستقالة اللاحق لم يذكر أسبابا معينة حيث بدى أنه ( حجب أكثر مما اظهر )
لقد كان حري بالدكتورة عشراوي أن تقوم بمراجعة نقدية مستفيضة وشاملة لمسيرتها ودورها وعملها في اللجنة التنفيذية في المنظمة وكذلك لواقع وحال المنظمة بشكل عام ثم تضع الحقائق أمام الشعب الفلسطيني بكل مسؤولية وموضوعية ومصداقية وأمانة بعيدا عن المراوحة والاستنباط لكنها للأسف آثرت غير ذلك بمجاملة الوضع القائم والمسؤولين وفي مقدمتهم الرئيس محمود عباس وعدم المصارحة بالحقائق المؤلمة وكيفية صنع القرارات وصياغة الخيارات في قيادة منظمة التحرير وهل هي تقاد من قبل شخص واحد أو مجموعة من الأشخاص وكان يجب عليها ان تكون أكثر وضوحا ومسؤولية وشفافية إزاء نفسها وشعبها وحركتها الوطنية التي تشهد انتكاسة تلو الأخرى بشكل متسارع وفي مرحلة خطيرة
وإمام كل هذا يتسائل الجميع لماذا قبلت عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير منذ عام 2009 ولماذا استمرت كل تلك الأعوام ولماذا جددت عضويتها قبل أقل من عامين 2018 ولماذا آثرت الاستكانة والضعف على المواجهة بعدما وصلت الى طريق مسدود بتوقعاتها من التغيير ولا يمكن لنا هنا إلا إن نسأل كذلك عن حقيقية نحتاجها للعدل والنزاهة ماذا فعلت الدكتورة حنان عشراوي خلال السنوات الأخيرة من اجل التغيير وهي ( تعلم منذ البدايات ورغم محاولاتها حتى اللحظة الأخيرة مسك العصا من النصف ان الأمور لا تسير باتجاه نصابها الصحيح )
ربما ينطبق هنا على الدكتورة عشراوي المثل الذي يقول ( الساكت راضي فما بالكِ بالصامت ) منذ عقود أليس ( ترك الذنوب أفضل من طلب المغفرة ) وان صحوة ضميرها متاخره وهي من شاهدت وعايشت كل أنوع الفساد السياسي في جميع مراحله وان استقالاتها الاضطرارية الان لن تلغي ما سبق عليها من مسؤولية أخلاقية وأدبية وقانونية تجاه كل ما حدث لفلسطين وشعبها من ضياع وتردي وانهزام ولا يمكن ان تنتهي الامور بمجرد( نثر كلمات استقالة خجولة ومنمقة ) على ورقة ثم رميها بوجه الرفاق ومغادرة المركب قبل ان يغرق بمن فيه
أما مسألة التذرع غير المباشر والمفترض من قبل الدكتورة عشراوي بعودة التنسيق الأمني مع الاحتلال و عدم الالتزام بقرارات المجلس المركزي بالتحلل من اتفاقيات أوسلو ما هى إلا مبررات واهية و مضللة حيث أن التنسيق الأمني مع الاحتلال الصهيوني كان موجودا قبل وأثناء وجودها فى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وكذلك فقد تم اتخاذ العديد من القرارات من قبل المجلس المركزي في زمن عضويتها في اللجنة التنفيذية وقامت بالمشاركة بتنفيذ تلك القرارات ولم تعترض عليها أو تعمل على تعطيلها ولن يشفع لها تبعات ما ترتب على فلسطين وشعبها من مصائب أوسلو الأمر الذي يضع استقالتها في محل ريبة وشكوك فيما اذا كانت من أجل القضية الفلسطينية و ثوابتها أم من اجل أمور شخصية أخرى
وإذا افترضنا أكثر( حسن النية ) بان حنان عشراوي لم تنخرط في منظومة الفساد الموجودة في السلطة رغم طول المدة التي قضتها فيها فلماذا سكوتها على المساوئ والخطايا استمر أكثر مما ينبغي ولماذا أيضا خرجت بصورة باهتة و بصوت خافت ومن الباب الخلفي الضيق وهي الأكثر علما بما يجري في السر والعلن وهل آثرت السيدة عشراوي بخصوصيتها ( كونها مسيحية ) وبما لديها من ماض نظيف أن تقفز من المركب كي لا تتحمل وزر ما يحدث على متنه وهل وراء استقالتها المستعجلة كارثه في طريقها إلى شعب فلسطين ( صفقه عفنه سيتم التوقيع عليها مثلا ) وضميرها لم يسمح لها بأن تكون على طاولة العشاء الأخير معهم
ولدت حنان خليل عشراوي عام 1946 لعائلة مسيحية وأب عمل طبيب وكان زعيم سياسي في مدينة نابلس في الضفة الغربية وهي أستاذة جامعية وأم لابنتين أنهت دراستها الجامعية في الجامعة الأميركية في بيروت قبل حصولها على الدكتوراه من أمريكا اختيرت في 1991 لتمثيل منظمة التحرير في محادثات مدريد وكانت المتحدثة باسم الوفد الفلسطيني ولفتت الأنظار في منافستها لبنيامين النتن ياهو الذي كان المتحدث باسم الوفد الإسرائيلي ثم اختيرت عضوا في وفود التفاوض الفلسطينية اللاحقة وعينت وزيرة للتعليم العالي والبحث في عام 1996 انتخبت نائبًا عن القدس المحتلة في المجلس التشريعي كعضو مستقل وهي الممثل الوحيد في التنفيذية لنصف المجتمع الفلسطيني إضافة إلى أنها تمثل أيضا الفلسطينيين المسيحيين وهم عنصر أساسي وفاعل في النضال الوطني
تعد الدكتورة حنان عشراوي من أكثر أسماء النساء المألوفة لدى معظم الأسر الفلسطينية والعربية بسبب ظهورها الدائم في وسائل الإعلام الدولية والإقليمية للدفاع عن القضية الفلسطينية نظراً للغتها الإنكليزية البليغة حيث اشتهرت بإعلانها أن الفلسطينيين يريدون إقامة دولتهم وفي العام الماضي رفضت امريكا منح عشراوي تأشيرة دخول لأراضيها بسبب مواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية ومناهضتها لصفقة القرن وقد اعتبرت الوجه الليبرالي المعتدل في منظمة التحرير المقبول في أي محادثات مع أمريكا والغرب
ختاما أليس من حق الشعب الفلسطيني محاسبة ومسائلة الدكتورة حنان عشراوي ومن ثم سؤالها عن الأسباب الحقيقية والمخفية وراء تقديم استقالتها في هذا الوقت بالذات خاصة وان الاستقالة بحد ذاتها لا تعفي أحدا من مسؤوليته طالما كان في موقع المسؤولية فكيف إذا سكت عن الواقع المأساوي والمزري القائم وساهم بقوة في جميع مراحله كل تلك الفترة الطويلة
mahdimubarak@gmail.com