جفرا نيوز -
جفرا نيوز - كتب - ابراهيم عبدالمجيد القيسي.
لو قام أحدهم ببناء بيت سور حول منزله، فأحضر مهندسا ومعلم طوبار، وتم بناء السور، وبعد وقت جاءت البلدية وطالبت بإزالة السور أو دفع غرامة مالية لأن السور مخالف وفيه اعتداء على ارض الدولة، فهل يحق لصاحب العمارة أن يطالب المهندس ومعلم الطوبار بإعادة المال الذي تقاضياه عن بنائهم للسور او أن الغرامة تقع عليهم؟!.. لا أحد سيقر له بحق عندهما، فهما لا علاقة لهما بالبلديات ولا بالأمم المتحدة، هما قدما خدمة كاملة وسلماها لصاحبها، وانتهى دورهما معه.
وقد قيل أن (لوّ) من عمل الشيطان، أعوذ بالله من كل شيطان رجيم أو حتى غشيم، أذكر هذا سلفا، في إطار توضيح الافتراض التالي:
لو تأخر اقرار قانون الضريبة الجديد قبل كورونا، واضطرت الحكومة الى العمل بقانون الدفاع لمجابهة الجائحة،وجاء استحقاق مناقشة قانون الضريبة، فإن الدولة ستؤجل مناقشته، أو العمل به في حال اقراره الى ما بعد انتهاء الجائحة، ولتشكَّل في الرأي العام ضغط كبير على الحكومةُ لتأجيل العمل به إلى ما بعد انتهاء تداعيات الجائحة، بسبب الظروف الاقتصادية السيئة التي تواجه الناس بسبب الجائحة وغيرها..قلنا لو، في إشارة الى عمق سوء الوضع المالي لدى الناس.
بعض السياسيين لا يلتفتون الى هذا الجانب من المعيشة الصعبة التي يقاسيها الناس..
اللجنة الحكومية برئاسة وزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء، وعضوية أمين عام ديوان المحاسبة وآخرين، والتي تقوم وبشكل شهري، بمراجعة استيضاحات ديوان المحاسبة، وتقرر بشأنها قرارات، في الواقع هي وفي مخالفات ما، فعلت؛ وقررت قرارات تشبه ما فعله صاحب العمارة المذكور آنفا، حيث قررت استرداد اموال من موظفين حكوميين، قدموا وما زالوا يقدمون خدمات مختلفة لمؤسسة الاذاعة والتلفزيون، والسبب هو عدم معرفة الموظفين بأنهم كان يفترض بهم ان (يحفظوا عن ظهر قلب بلاغات وتعميمات الحكومات السابقة كلها..وأن يتوقعوا أيضا ما تجود به عبقريات بعض الموظفين) فيحضروا موافقات من أماكن عملهم، حيث يسمح لهم بموجبها الوزير المسؤول، بالعمل خارج اوقات دوامهم الرسمي في مؤسساتهم (إن بعض بل كثير من الموظفين الحكوميين، يحتاجون للعمل في ٣ وظائف، ليتمكنوا من مجاراة هذا الغلاء الفاحش، ويقوموا بالتزاماتهم العادية تجاه من يعيلون وأوضاع غير الموظفين أسوأ من أي وصف..وبلاش نتخوث على بعض)، واستنادا الى عدم معرفة الموظفين بما يسمى: بلاغ حكومي رقم ١١ لعام ٢٠١٧، وهو بلاغ سبق ان كتبت عنه في هذه الزاوية، بأنه يفتقد للرؤية السياسية، ولا يعدو عن كونه تسطير بطولات وهمية من حكومة أسبق من سابقة، حيث عممته على المؤسسات، بينما يتم تطبيقه انتقائيا وحسب ما تتطلب فنون النكاية والمناكفة والكيديات وتصفية الحسابات بين الموظفين، ولا اساس فيه لعدالة ولا هو خدمة لدولة تعاني قلة المال والسيولة وعجوزات لأعوام متتالية في موازنتها العامة، نقول ذلك لو كان ذاك البلاغ المذكور يتقصى عدالة فعلا ولا يريد من أصدره تسطير بطولات في نزاهة مزعومة.
تطالب الحكومة مجموعة غير قليلة (عشرات) من الموظفين المثقلين بأعباء الدنيا والغارقين بالالتزامات، بأن يعيدوا اموالا استحقوها على برامج او اعمال مهنية أخرى قدموها للمؤسسة منذ سنوات، (يعني مثل الذين قاموا ببناء سور وتقاضوا عليه أجرا)، وجريمتهم هي أنهم لم يكونوا يعلموا بضرورة احضارهم لموافقة من عملهم الرئيسي (يعني ما كانوا ليعرفوا أن السور مخالف وهو ليس عملهم أساسا)، بينما الذي يجب ان يتم سؤاله هي المؤسسة نفسها، فهي المطلوب منها التأكيد على أي شخص يقدم لها خدمة بموجب عقد او غيره، ان يحضر موافقة من عمله ان كان يعمل عملا آخر، وليس مطالبة الموظف بالمال الذي أخذه بعد أن قدم الخدمة فعلا، بينما قامت مؤسسة الاذاعة والتلفزيون بتعيين موظفي حكومة جدد وشراء خدماتهم كمقدمي برامج وغيرها !.
والغريب بالموضوع أن هذه المطالبات والقرارات تأتي في مثل هذه الظروف السيئة، وذلك إن كانت مطالبات او قرارات محقة وعادلة، لكنها باختصار بطولات وهمية زائفة، حاول تسطيرها مسؤولين ضعفاء في حكومات سابقة، وتطبقها بعض الجهات بأسلوب انتقائي ينم عن تمييز بين الموظفين الحكوميين، فهناك أكثر من نصف موظفي مؤسسة الاذاعة والتلفزيون، ممن يملكون خبرات فنية ومهنية، يعملون في مؤسسات حكومية أخرى..وهؤلاء مثلت لم يرد ذكرهم ولا سؤالهم عن موافقات، يعني ما بتعرف شو تفكير أشاوس الرقابة والإستيضاحات وما هو تبريرهم لهذه الانتقائية!!.
المسألة الثانية تتعلق بإنهاء هذه المخالفة وتجاوزها، وقد قال أمين عام ديوان المحاسبة لي شخصيا، بأن تصويب هذه المخالفة للبلاغ الحكومي المذكور، يتم فور حصول الموظف على الموافقة من الوزير او من ينوب عنه.
ومن زاوية (حادّة) أخرى، جدير بالقول أن تشريعا يقرّه الشعب من خلال مجلس نواب وفي بلد حكمه ملكي نيابي وراثي، أهم من بلاغ او تعميم يصدره سياسي مأزوم ويتلقفه موظفون مرضى بالحقد والضغينة، لهذا أنوّه أن بحوزتي رأيا صادرا عن ديوان الرأي والتشريع، يقول بأن البلاغ المذكور لا يصادر صلاحيات الوزير، المذكورة في المادة ٦٩ من قانون الخدمة المدنية، والتي تعطي الوزير الحق بمنح الموظف موافقة للعمل خارج أوقات الدوام الرسمي، وقد جاء هذا الرأي من الديوان، بناء على استشارة من إحدى الوزارات للسماح لموظفها بالعمل خارج اوقات الدوام الرسمي.
اللجنة الحكومية المعنية بهذا القرار والتي يرأسها اليوم أستاذ دكتور في القانون، يجب ان تنظر لهذا الموضوع من أكثر من زواية، لعل أهمها هو ما تعلق بظروف وحياة الناس، فلا أحد من كل موظفي الدولة، يمكنه ان يدفع مبالغ للخزينة تقدر بآلاف الدنانير، بعد ان قدم المطلوب منه لتلك المؤسسة، وأن تتوخى المساواة والعدالة بين الموظفين، ولا تكون انتقائية وتختبىء خلف الآلية العجيبة التي يتبعها ديوان المحاسبة في تقديم الاستيضاحات، فموضوع كعمل الموظف الحكومي بعقد شراء خدمات مع مؤسسة حكومية أخرى، لا يجوز لديوان المحاسبة السؤال عنه وعن التعميمات الحكومية، بينما هناك تشريعات تسمح بهذا العمل، فالتجاوز عن هذه التشريعات هي جريمة بحق القانون تقترفها بعض المؤسسات الحكومية على مرأى ومسمع ومعرفة ديوان المحاسبة وغيره.
هناك اعداد كبيرة من موظفي الدولة يقدمون خدمات في مجالاتهم لمؤسسات حكومية أخرى، ولو كانت الدولة تملك ان تحضر بدلا عنهم خبراء عالميين لفعلت، وهذا بالطبع سيشجع كل الكفاءات المهمة في المؤسسات الرسمية لترك المؤسسات، والعودة إليها كخبراء برواتب فلكية، ناهيكم عن العبث، وعن التنفيعات والفساد، الذي لن يحتار طلابها في أن يثبتوا أن شخصا أميا أو لا يحمل ثانوية عامة، هو خبيييير كبييير في مجالات كثيرة، لا سيما في الاعلام فهو أصبح مرتعا لهم، والدولة والوطن يدفعان الثمن يوميا.
لا تنزلقوا إلى هذا الدرك الأسفل من فهم وتطبيق القانون والتجني على مواطنين (فاقعين خلقة).