النسخة الكاملة

خدمة العلم والهوية الوطنية

الخميس-2020-09-09 12:24 pm
جفرا نيوز - جفرا نيوز - كتب - المحامي علاء مصلح الكايد
ذكر أحد الساسة المصريين أنّه ما من موحِّدٍ للشّعب كالجيش ، ففيه ينام إبن المدينة والقرية في ثكنة واحدة ، من مشرق الوطن ومغربه شماله وجنوبه ، ضمن ذكريات مشتركة من الآمال وحتى الآلام .
وهذه حقيقة رسّختها خدمة العلم في معظم الأوطان مهما إختلفت تسمية البرنامج ، لكن ؛ وحينما شرعت الحكومة بإعادة إحياء الفكرة منذ بضعة أعوام ووجهت بالكثير من الإعتراض ليكون شكلها النهائي بعيداً عن الإلزامية مفرغٌ من المعاني المتوخّاة والتي تصبّ جميعها في خانة خدمة العقيدة الوطنية وتأسيس الأجيال ، فكما برنامج " خدمة وطن " بصورته المجزوء .
وكان من تلك الإعتراضات ما أدّى لإستثناء الفتيات من البرنامج ، رغم أن رمزيّة الجنديّة وشرفها راسخان في وجدان كلّ أردنيّ وأردنيّة ، ويفتخر كلّ من تزيّن إبنهم أو بنتهم بالشعار ، كما أدّت الطبقيّة المستجدّة على المجتمع إلى إستثناء أبناء طبقة معينة من البرنامج ليقتصر على فئة صغيرة تستفيد منه بحدود المهنيّة على أساس الإختيار لا الإلزام .
وربطاً لما جرى مع ما تطرقت له الحكومة حول الهوية الوطنية وما دار حول المصطلح من سجالات ذهب بعضها لضرورة إعادة تشكيلها وحتى تعريفها منذ الأساس ورفض فريق آخر المساس بها ، علينا أن نعترف بأن الهُويّة قد إغبرَّت ملامحها وغادرها الكثير من الأدوات التي أسهمت في تشكيلها وتجميلها سابقاً ، فعوامل بنائها عديدة كان أهمّها خدمة العلم ومسيرة الفنّ الأردنيّ ووسطيّة المجتمع ، وقد تعرّض كل ذلك للتحريف والتزييف وظهرت تيارات متشدّدة حرَفَت المسار الوسطيّ - وهذا ما سعت رسالة عمّان لمعالجته - كما أطبقت قوى نخبوية قبضتها على مفاصل السُّلطة في فترة ليست بالبسيطة لتفرز طبقية لم يشهدها الوطن سابقاً إذ إنقسم المجتمع ضمنيّاً إلى فريق ماكثٍ في السلطة وكأنّها حقٌّ مُكتسب له فلا يغادرها وآخر مُسَخَّرٌ لخدمة الأوّل نتيجة تزاوج المال بالسُّلطة وإحكام القبضة على المغانم السياسية والإقتصادية ، ممّا حدا برأس الهرم لتوسيع دائرة المكارم في مختلف المجالات كوسيلةٍ مرحليّةٍ لخلق بعض التوازن الإجتماعيّ في مواجهة الإقصاء المنهجي إلى حين تفكيكه والخلاص من سيطرته وتأثيره السلبيّين .
ورواحت الهوية الوطنية مكانها لعقود من الزمان حتى غلب عليها سوء الفهم وبات البعض يعرّفها وفق منظوره كما يشاء والبعض الآخر ينكر وجودها بالكامل ، ومن أهم ما أدّى إلى ذلك رجعية المناهج المدرسية والجامعية وعدم إهتمامها بصنع جيل مثقف بشكل حقيقي ، فكم من طالب وطالبة في الدراسات العليا لا يجيدون العربية كما يجب ولا يملكون أدنى فكرة عن لغات أُخرى ، وكم منهم يخشى الوقوف على منصّة أو لم يقرأ في حياته كتاباً تثقيفيّاً من البداية إلى النهاية ؟ هذه كلها عواملٌ إعتنت بالشكل لا الموضوع ، الكمّ لا النّوع ،  فأثّرت على المنتج النهائي للهوية الوطنية التي كانت الثقافة وما يدخل في بابها من أدبٍ وفنّ ركائز أساسيّة ميّزت الأردنّ والأردنيّين عن غيرهم وحقّقت السبق في مجالات عدّة لأعوام طويلة .
إن إعادة إبراز الهوية القائمة على العقيدة الوطنية ضرورة حقيقية لا تَرَفيّةٌ ولا ترمي إلى أهداف دفاعيّة بحتة بقدر ما تصقله من شعور وطنيٍّ قائم على الإرتباط الفعلي والواقعي بالوطن ومؤسساته ، ولا أصدق من المؤسسات العسكرية والأمنيّة مصنعاً لها .
سيتعرض برنامج خدمة العلم بصورته الجديدة القديمة للتداخل والتدخّل من أطراف عدّة ستسعى لحرف بوصلته إنطلاقاً من زاوية نظر ضيّقة تماماً كما شهد الكثير من برامجنا الوطنية ، لكن الرهان على تبنّيه ليكون مشروع دولة عابر للحكومات لا مشروع حكومة ، فملكيّة النظام الأردنيّ كفيلة بزرع عقيدة وطنية واحدة يتجسّد فيها الشعور الوطنيّ ضمن التعددية السياسية والحريّات الشخصية ، وليس في قاموسنا أدلجة جيل لخدمة الحزب الواحد أو حزب الرجل الواحد كما لدى غيرنا ، فالمظلة الملكيّة صمّام أمانٍ أبويّ يقسم على الجميع ، وعقيدتنا واحدة تستوعب الجميع بصفائها ونقائها .
هي مشروع وطن لا حكومة ، يلزمها الترسيخ والإستقرار والتطوير لتحقّق رؤي قائد يراهن على ما راهن عليه سلفه ، وواجب الجميع دعمه لتعود الهوية الوطنية كما كانت ، معتدلة وسطية جميلة جامعة .
والله من وراء القصد