النسخة الكاملة

النواب.. مجلس يصنع أزماتنا ويستثمر فيها

السبت-2018-06-08 05:18 pm
جفرا نيوز - جفرا نيوز ـ ابراهيم عبدالمجيد القيسي من يمكنه نفي الحقيقة القائلة بأن ثقافة الفساد ثاوية في العقلية الجمعية للسواد الأعظم منا؟! لا أحد يستطيع القول حسما بأن الفساد مقتصر على بعضهم..لكن من يرعاه وكيف تجذر في عقليات ثم سلوك بعض منا؟ وما هو دور مجلس النواب في صناعته ورعايته وحمايته؟ وهل تكون عواقب الفساد مقتصرة في تأثيرها السلبي على فئة من أصحاب الحقوق فقط؟. الوطن كله يدفع ثمن الفساد المتجذر في النفوس وفي السلوك، وبه ومعه تضمحل الدول بعد أن تصل إلى حالة من فقدان الثقة بالعدالة والقانون، وهذا ما نلمسه حين نتحدث بصدق عن أسباب الأزمات التي تعصف بالأردن، حيث تترسخ القناعة بأن جهات مسؤولة قامت بالتخلي عن دورها المطلوب، وانشغل أفرادها بتحصيل منافع دون الالتفات بأنهم يشرعنون للخطأ ويغامرون بدولة ووطن. نتبادل بعض الصور والمواقف عن مسؤولين حول العالم، تدفعهم نزاهتهم وأمانتهم أن يستقيلوا من مناصبهم أو ينتحروا نتيجة خطأ يقع ضمن مسؤولياتهم القانونية، فتجدهم يسارعون إلى الاعتذار وتقديم الاستقالة، ويتعرض بعضهم للمحاكمة نتيجة عيب انشائي في شارع مثلا، أو انطلاق مجرد حديث غير موثق عن تعيين شخص غير كفؤ في المؤسسة التي يديرونها، ونتحرق أسى على موقف تقوم به شخصية كرئيس أو رئيسة دولة تتعامل بتواضع كبير مع الناس، أو تعيش حياتها دون استغلال الوظيفة العامة، كأن يقف رئيس دولة أو حكومة في طابور طويل مع الناس ينتظر استلام راتبه الشهري ..الخ المواقف العادية التي يمارسها الناس العاديون دون أن يستغلوا وظائفهم وامتيازاتهم السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية.. وكم من التعليقات التي نطلقها على مثل هذه المواقف نتندر فيها على أنفسنا ومسؤولينا، لا سيما أولئك الذين غادرتهم الأخلاق والأمانة والعقل. دعوني أخبركم بأن السبب الرئيسي الذي يجعل الحكومات في بلدنا تزداد ابتعادا عن الناس هو مجلس النواب، وسائر المجالس والكيانات المنتخبة او الممثلة للناس والمؤسسات، وانكفاء أدوار كثير من المؤسسات لتقدم أداء بسياق معكوس، فبدلا عن قيامها بالرقابة على مجريات الشأن العام وانتقاده وتوضيح اخفاقات من يقصر في حمل المسؤولية، تتحول إلى تلميع الأخطاء والمخطئين، وتبارك الفساد والتقصير والاهمال، بل إنها تقوم بحمايته وتمريره على هيئة أعراف وقوانين وأخلاق لا تمت  بصلة إلى العدالة والمنطق والصواب .. فماذا ننتظر من مجلس يمثل الشعب حسب الدستور ويقوم بكل ما يمكنه لحماية حكومات وتمرير قوانينها المتوحشة ولا يحفل بالناس، ويكتفي بالاعلام الرخيص الذي يزين له عمله، فيضلل الناس ويخفي روايتهم، بينما يلمع الفاسدين وأخطاءهم القاتلة. في الأزمة التي عاشتها البلاد على امتداد الأيام العشرة الماضية، ونجمت عن استقالة حكومة الدكتور هاني الملقي، كان لبعض النواب دور مؤسف فيها، وهو دور عرفناه عن مجالس النواب السابقة الكثيرة، لأن الخلل والخطأ في هذه المجالس يكون أكثر خطرا على البلاد والعباد، وهذا ما تدلل عليه المواقف والأحداث والأمثال، حيث نقول "حاميها حراميها" و "إن كان القاضي خصمك تشتكي لمين." الخ، ولمعرفة دور النواب في هذه الأزمة يجب أن نعلم بأنهم "بعضهم" قد زينوا للدكتور هاني الملقي الصورة، وقالوا له "ابشر بالفزعة" و "حول القانون علينا واترك الباقي" ..والحديث بالطبع عن مشروع قانون ضريبة الدخل الذي أثار حفيظة الناس فخرجوا مطالبين بإلغائه، وقوانين أخرى يرفضها الناس ولن يتركوها إلا أن يتم الغاؤها او تعديلها على أقل تقدير، كقانون الجرائم الالكترونية الذي يصادر حقوقهم بالتعبير ويطارهم، وتعديلات قانون الخدمة المدنية الذي يشرعن لجرائم الاعتداء على أمن الموظفين الوظيفي وحقهم في الحياة كسائر البشر، ويقدم أكثر وأوسع من سلطة للمسؤولين الفاسدين كي يتخلصوا من الموظفين الذين لا يعجبونهم. فمثل هذا القانون يقدم المزيد من السلطة للمسؤول الفاسد، حيث لا مسؤول في مؤسساتنا يحظى باحترام ومحبة أكثر من 5% من موظفيه، وليس الأمر متعلقا بالنزعة الموروثة لدى الناس ضد السلطة، بل إن أغلب المسؤولين يكتفون بأقذر موظفيهم وأفسدهم ويمنحونهم مسؤوليات للتحكم في سائر موظفي المؤسسة، ولا بد سنتحدث قريبا عما يشبه فترة ذهبية للبلطجة والتنفيع التي ازدهرت في كثير من الوزارات، وأصبحت شؤونها تدار بناء على هذه البلطجة والتنفيع والابتعاد عن العدالة والالتزام بتوجيهات وطلبات النواب من الوزراء. لا أطالب بحل مجلس النواب فهذا مطلب يعد ترفا في مثل هذه الظروف، حيث لا وقت أمامنا لتعطيل الحياة السياسية وإخلاء مقعد الشعب للحكومة، وليس منطقيا ان نتحدث عن الرقية وطرق علاج السحر، وأن نبحث عن عصا سيدنا موسى عليه السلام لتلقف كل ما تأفك الشعوذة السياسية على مسامع ومرأى الشعب والملك، أو أن نصبح لنجد المجلس قد تحول إلى جنود من ملائكة، نزيهين وجبارين ومتفانين لخدمة الوطن والقيام بدور رقابي صارم على اعمال السلطة التنفيذية، أو سن قوانين سماوية عادلة، لا نطالب الآن الا بأن يتنبه الناس إلى الحكومة القادمة، خطابها وبرنامجها وتشكيلتها، فلا وقت نشتريه او يتاجرون فيه، لأن الوطن على المحك كما لم يكن يوما، حيث نضب مخزون "الكذب" والشعوذة والمناورة والبيع والشراء.. لا كلام "يمشي عليه الترين" الآن سوى التغيير والنزاهة والعدالة..وفي أي موقف بهلواني واحد من الحكومة القادمة او النواب سنجد أنفسنا في مهب الريح العشوائية المجنونة الحاقدة.. ولن نستبق الأحداث تحليلا واستنتاجا حول شكل الحكومة وفرص نجاحها، فالصورة أعقد مما تبدو عليه، والظروف أكثر حرجا مما يعتقد المتشائمون، نحن على مشارف الحلقة الأخيرة من مسلسل الفساد، وهذا ما أتفاءل به واتمناه، لكنها قد تكون – لا قدر الله – حلقة أولى على طريق التلاشي والضياع وفقدان الاستقرار والأمن، فليتوقف صنع وانتاج الأزمات فلم يبق في الخيمة شيء سوى أعمدتها، حماها الله ورعاها وحفظها من كل سوء أو "سوس".. ibqaisi@gmail.com  
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير