أيها الرؤساء...ألا تثيركم سيرة وصفي !!؟
الأربعاء-2017-11-28 11:08 pm

جفرا نيوز -
جفرا نيوز-عمر محارمة
الموقع الذي خلفه وصفي التل بعد استشهاده لم يكن مجرد مقعد "شاغر" لرئاسة الوزراء، فالموقع هذا شغله من بعده عشرات الرؤساء دون أن يتمكن أياً منهم من بلوغ الدرجات الأولى للسلم الذي صعد منه وصفي إلى قلوب الأردنيين و وجدانهم.
وصفي لم يكن مجرد رئيس حكومة قاد الدولة في ظروف صعبة نحو بر الأمان، بل كان قائدا قدم مشروعاً ملتصقاً بالهم الوطني والقومي وسعى لبناء دولة نموذجية في الاستقامة و النزاهة وسيادة القانون و العدالة و المساواة.
وصفي لازال خالداً لأنه أنحاز في كل شيء للوطن والمواطن، و أقنع الناس بالممارسة لا بالكلام بتقبل الصعوبات و بقبول تبعات مواجهتها ونتائج حلولها.
في زمن وصفي عاشت الدولة صعوبات واضطرت لاتخاذ إجراءات كانت قاسية على الناس، لكنهم دعموها وتقبلوها لأنهم شاهدوا الرئيس يتأثر بها قبلهم، ولأنهم عرفوا أنه نظيف اليد و الذمة لا يمد يده في جيوبهم ليضع في جيوب زمرة من الفاسدين المتنفذين.
لم يحب الناس وصفي لأنه بليغا في الخطابة أو مفوهاً فذاً، بل لأنهم عرفوا الصدق فيما يقول و العزم فيما يعلن و النية الخالصة فيما يخطط و المصلحة العليا فيما يسعى إليه.
أحبوه لأنه رفض السماح بترخيص المدارس الخاصة حفاظا على التعليم العام، ورفض تنظيم الأراضي الزراعية حتى لا يرهن قوت البلد برضى أو غضب الآخرين، أحب الناس وصفي لأنه عند ساعة الوغى حمل بندقيته إلى جانب جنوده ولم يرسل عائلته إلى مدن أمريكا وأوروبا خوفا عليهم.
أحب الناس وصفي لأن عشيرته وذويه لم يُمنحوا الإعفاءات والاستثناءات ولم ينل أياً منهم وظيفة غير تلك التي استحقها كغيره من المواطنين، ولأنه لم يكن يقرب أحدا أو يصادقه إلا إن توسم فيه الغيرة والوطنية وليس لأنه يقاسمهم العطاءات والشركات.
أحب الناس وصفي لأنه واجه الجميع بالصدق و الإخلاص لا بالأعطيات و المنح، ولأنه قبل بتطبيق القانون على نفسه قبل غيره، ولأنه ما كان يصمت بحضرة الملك في لحظة يتوجب عليه فيها أن يقول ما يتوجب قوله.
أحب الناس وصفي لأن بندقيته عرفت عدو البلد و الأمة فما توجهت إلا إليه، أو لتصويب خلل في وجهة بعض البنادق الأخرى، ولأنه عاش ومات وهو مؤمناً أن فلسطين كل فلسطين عربية وأن لا شيء يعيدها إلا بما أخذت فيه.
وصفي و حب وصفي ليس مرتبطا كما يتوهم البعض بظرف سياسي و أمني معين وإن كانت قيادته للبلد في ذلك الظرف مبعث اعتزاز وإعجاب، بل لأنه كان مشروعا وطنيا متكاملاً.
لكل ذلك وغيره الكثير لازال وصفي التل بعد الأعوام الأربعين والسته التي مضت على استشهاده حاضرا في وجدان الأردن والأردنيين ولازالت الأماني بأن يتكرر تلف من عايشوا زمانه أو من شدهم لحبه سيرته النظيفة.
أحب الناس وصفي لأنه منذ غادر وهم يمنون النفس أن تثير سيرته غيرة الرؤساء وحفيظتهم لعلهم يستلهمون روح الشهيد ومشروعه ويسعون لتكرار تجربته.

