النسخة الكاملة

العزام يكتب: معايير تعيين مديري مكاتب الوزراء

الأربعاء-2025-08-13 11:16 am
جفرا نيوز -
 د. عبدالله حسين العزام  
 
- ضرورة أن تتولى الحكومة مسؤولية مراجعة معايير التعيين للإدارات العليا، وتعيين الكوادر الداخلية بدل الاعتماد على آخرين أو ممن خرجوا من الخدمة العامة على التقاعد أو غير ذلك بعقود سنوية.

- التحذير من تجاوزات بعض مديري مكاتب الوزراء، الذين يمسك بعضهم بسلطة غير رسمية تستند إلى بروقراطية غير منضبطة، خصوصاً من بقي في المنصب لنصف عقد أو عقد كامل أو أكثر.

- الدعوة إلى رئيس الوزراء، د. جعفر حسان الأفخم، لاتخاذ إجراءات صارمة لمراجعة عقود هؤلاء الأشخاص وضمان الالتزام برؤية جلالة الملك المعظم في ترسيخ النزاهة والكفاءة.

تمثل وظيفة مدير مكتب الوزير منصباً غير مراقب قانونياً منفرداً بمنزلة إدارية مهمة لكنه خالٍ من المعايير الواضحة أو حدود زمنية محددة لتولي المنصب، هذا الواقع في وزارات الدولة يستدعي من اللجنة الحكومية المعنية بتحديث القطاع العام، والجهات ذات العلاقة سواء أكانت قانونية أو رقابية، أن تعيد النظر بشكل عاجل في تشكيل ووصف الوظيفة، من خلال وضع معايير محددة لتحصين هذه الوظيفة ضمن إطار الكفاءة والمؤسسية، فبعض هؤلاء المديرين، استطاعوا أن يظلم الوزير نفسه بطرق شتى وبأساليب خبيثة، وأن يعيق وصول المتظلمين إلى حقوقهم، أو يستخدم نفوذ الوزير للتوظيف أو التكليف في الأوساط المقربة منه، خاصة مع طول مدة البقاء في المنصب، عبر منافذ تسيير أعمال ، مدير بالوكالة، فلان أو علان بالإضافة إلى وظيفته الأصلية، وبشكل يعيق ويشوه البنية المؤسسية، وفق خطط الحفاظ على المصالح والامتيازات والبقاء وإبعاد المنافسين المتواجدين ضمن الكادر الوظيفي، علاوة على الحصول على الامتيازات المالية من هنا وهناك من خلال اللجان الإدارية أو الفنية أو الإعلامية، أو لجان المتابعة وغيرها من المسميات!

ومن المظاهر التي تستوقف المراقب أو المراجع أو الضيف في بعض مكاتب بعض الوزراء، أن بعض مديري المكاتب يربطون تسهيل أو تعطيل المعاملات أو فتح الأبواب أو إغلاقها بمجرّد مناداتهم بلقب "البيك"؛ وهو لقب موروث من البيئة العسكرية، يُمنح عادة لمن يحمل رتبة نقيب فما فوق في الأردن، ومن المعروف أن الرتب العسكرية تصدر بقرار وإرادة ملكية سامية، ونحن، كأردنيين، نعتز بكل الرتب العسكرية على مستوى الأفراد والضباط في كافة مؤسسات الدولة الأمنية والتي جاءت بكدٍ وتعبٍ وإخلاص في خدمة الوطن تحت راية جلالة القائد الأعلى، ونراها شارة شرف لا تُستعار ولا تُستغل في بيئة مدنية لتحقيق مكاسب شخصية أو فرض نفوذ خارج الصلاحيات، سيما وأن إقحام هذه الألقاب في مؤسسات الدولة المدنية دون مسوّغ رسمي يُعد إخلالًا بالقيم المؤسسية ويشوّه قدسية المنظومة العسكرية عند استعارتها ممن ليس لهم الحق في ذلك، والتي نعتبرها رمزاً للشرف والتضحية والفداء الوطني ونكنّ لها جميعًا كل الاحترام والعرفان على جهودهم الوطنية المبذولة ليلاً نهاراً.

كما يجب أن تنتهي سياسة الاستعانة بالأشخاص من خارج الكادر الوظيفي المعين من قبل هيئة الخدمة والإدارة العامة، أو الخارجين من الخدمة المدنية سابقاً ويتقاضون رواتب تقاعدية على عقود سنوية بمبالغ طائلة، والقصد هنا المناصب العليا دون ما سواها سيما وأن الإبقاء على المناصب رهناً لعقود مؤقتة وبمبالغ طائلة لا يكفل استدامة الأداء أو النزاهة المؤسسية، بل يؤدي إلى "لجنة ظل" غير شفافة ولا محاسبة، وعلى الحكومة، وربما بدءًا من هيئة الخدمة والإدارة العامة، أن تعمل على اعتماد أسلوب التعيين التدرجي من داخل الوزارة المعنية أو عبر خطوات تقييمية واضحة للمتقدمين من داخلها على إعلان رسمي لتلك الوظيفة، بما يضمن الكفاءة ويحفز الاستمرارية.

ومما يلفت الانتباه أن بعض مديري المكاتب انحرفوا من إطار الدعم الإداري إلى ممارسة سلطة فعلية تفوق مهامهم، مستغلين صورة رمزية للنفوذ، ووفق غطاء لا علاقة له بصلاحياتهم الحقيقية، تلك تجاوزات جسيمة تحوم حولها شبهات توظيف وساطة غير مشروعة أو محسوبيات متكررة، خاصة وأن بعضهم ربما في موقعه منذ نصف عقد  من الزمن أو عقد كامل أو أكثر من الزمن.

الأمر الذي يتطلب وضع آليات مراقبة واضحة من قبل الجهات ذات العلاقة في الدولة، تفصل صلاحيات مدير المكتب، وتمنح المواطن أو الموظف الحق باللجوء إلى الوزير مباشرة دون وسيط غير معروف أو مثير للجدل والتساؤلات؟!.

الحالة الراهنة تستدعي من دولة رئيس الوزراء، د. جعفر حسان الأفخم، في ظل تصريحاته بأن وقتنا جميعاً ليس ملكاً لنا، بل هو حق للأردن والأردنيين أن يوجه:

1. تعميم اعتماد سياسة الباب المفتوح أمام الأردنيين عند مراجعتهم وزارات الدولة والدوائر التابعة لها وضرورة الارتقاء في التعامل الذكي وباحترام مع متلقي الخدمات، علاوة أن يوجه نحو مراجعة عقود مديري المكاتب، وأن يضع حداً للتمديد الآلي أو المخالف للأطر القانونية.

2. أن يفتح تحقيقًا إدارياً عند وجود شبهات تجاوز السلطات، ويحول المخالفين إلى القضاء أو الأجهزة المختصة إذا لزم الأمر.

3. إعادة النظر في آلية التعيين بحيث تُستند إلى الكفاءة والموارد الداخلية، امتثالًا لرؤية جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم — حفظه الله ورعاه — التي تضَع النزاهة والكفاءة فوق أي اعتبار سياسي أو شخصي.

اخيرا، إن إعادة النظر في معايير التعيين، والاعتماد على الكوادر الداخلية المؤهلة، وإنهاء النفوذ غير الرسمي لمديري المكاتب المتجذرين، يمثل خطوة جوهرية لتحديث القطاع العام، وتعزيز الترشيد الإداري، وحماية البنية المؤسسية وبما يتماشى مع توجهات جلالة الملك الإصلاحية والتحديثية.

ووفق دراسات OECD (2011): في معظم دول العالم، يخضع مدراء مكاتب الوزراء ومستشاروه لقواعد الخدمة المدنية العامة (حوالي 78٪)، ما يضبط التوظيف والأجور والإقالة بشكل مؤسسي، إلا أن نسبة صغيرة فقط (17٪) لديها قوانين خاصة لمناصب مثل "مستشار الوزير”، كما في كوريا، أستراليا، اليابان، والنرويج، وغالباً ما يتم تحديد مدة عمل المستشارين أو مدراء مكاتب الوزراء طبقًا لوظيفة الوزير نفسه، أو تنتهي بانتهائها، كما تضمّ الشفرة الحكومية البريطانية (Ministerial Code) على سبيل المثال مجموعة مبادئ تُعرف بـ مبادئ نولان السبعة:النزاهة، الكفاءة، التعددية، الشفافية، المساءلة، القيادة بالأمثلة..

ختاماً إن تسليط الضوء على هذا الواقع يأتي امتثالًا للرؤى الملكية السامية في تحديث الدولة وتعزيز مناعتها المؤسسية، وترسيخ قيم النزاهة والكفاءة، وحماية المكتسبات الوطنية من أي ممارسات تُضعف ثقة المواطن بمؤسساته.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير