جفرا نيوز -
بقلم هاني الدباس - لشبونة
في غير مكان في أوروبا، وتحديدًا في العاصمة البرتغالية لشبونة، لا يُمكن للزائر أن يتجاهل البساطة التي تُدير بها البلاد مرافقها السياحية، مقابل التأثير العميق الذي تتركه في نفوس السياح.
فمن ترام المدينة الأصفر القديم، إلى الأزقة الضيقة المزينة بالبلاط التقليدي "الأزوليجو”، مشهدية ساحرة تأسر القلوب..
تقدم البرتغال درسًا حيًا في كيفية استثمار الأماكن المتواضعة وتحويلها إلى تجارب لا تُنسى.
هذا النجاح لم يأتِ من فراغ، فالدولة التي كانت لفترة ليست بالبعيدة تعاني من أزمة اقتصادية خانقة، راهنت على السياحة كأحد ركائز النهوض ، فبدلًا من ضخّ ميزانيات ضخمة في إنشاء مدن ترفيهية أو منتجعات مترفة، اختارت الحفاظ على طابعها التاريخي وتقديمه بطريقة جذابة ومدروسة، بدعم من خدمات أساسية مريحة ونظيفة، ومعلومات متاحة بلغات عدة، مع التركيز على الإرث الثقافي الوطني بكل تجربة.
في جورجيا، تنتشر قرى جبلية لا تحتوي سوى على بيوت حجرية ومسارات للمشي، لكنها تستقبل آلاف السياح سنويًا بفضل التجربة القروية الأصيلة وخدمة النقل المخصصة لها.
أما في المغرب، فرغم أن بعض القرى على الأطلسي أو الشواطئ البكر لا تحظى بوسائل ترفيه متقدمة، فإن الخدمات الأساسية من طرق مُيسّرة ومعلومات سياحية كافية، تجعل من هذه المواقع وجهات رائجة عالميًا.
هنا تبرز معادلة ذهبية مفادها انه ليس من المطلوب أن تكون المواقع فاخرة، بل أن تكون مهيأة ومدروسة بما يكفي لجعل الزائر يشعر بالدفء و بالترحيب، وبالأمان، والانبهار..
وعندما نعود بأنظارنا إلى الأردن، ندرك أن البلد يحتضن عددًا مذهلًا من المواقع السياحية والأثرية مقارنة بمساحتها الجغرافية.
ففي محيط 90 ألف كم²، أكثر من 21 ألف موقع أثري، بعضها يعود إلى عصور ما قبل التاريخ.
الغريب أن عددًا محدودًا فقط من هذه المواقع هو ما يحظى بالترويج والخدمات الكافية، مثل البترا، البحر الميت، ووادي رم. أما الأغلبية فتظل مجهولة أو غير مُهيأة، رغم ما تملكه من مقومات سياحية.
في شمال الأردن ، تقع أم قيس وجرش وعجلون التي تجمع بين الطبيعة والتاريخ، لكنها لا تحظى بالدعم الكافي من حيث المرافق، والإعلانات، أو ربطها بمسارات سياحية متكاملة.
وفي الجنوب، خارج البترا، توجد قرى ومواقع مثل الطيبة، دلاغة، والبيضا التي يمكن أن تشكل محطات سياحية جذابة في حال تم تعزيز البنية التحتية البسيطة (طرق، خدمات، مرشدين محليين).
اما في الأغوار، فهناك فرصة فريدة للسياحة البيئية والعلاجية والدينية على مدار العام، لم يتم استغلالها بالشكل المطلوب، رغم أنها تقع في أكثر المناطق انخفاضًا على سطح الأرض.
الدرس الذي يمكن أن يُستقى من تجارب مثل البرتغال، وجورجيا، والمغرب، هو أن السياحة لا تحتاج إلى إعجاز، بل إلى رؤية.. تدرك أن كل بقعة تحمل قصة، وكل منطقة تمتلك قيمة، إذا ما تم تسليط الضوء عليها وتوفير الخدمات الأساسية الداعمة لها.
الأردن ، يستطيع بدوره أن يصنع من كل زاوية وجهةً، ومن كل منطقة قصةً. لكنه بحاجة إلى خريطة عمل وطنية تُنهي مرحلة الفرص الضائعة، وتبدأ عصرًا جديدًا من السياحة المتكاملة العادلة، التي تمنح كل منطقة نصيبها من الضوء.