جفرا نيوز -
حسين الرواشدة
منذ أن صدر قرار حظر «جماعة الإخوان المنحلة»، قبل أكثر من ثلاثة أشهر، توارت قيادات الجماعة عن الأنظار، اقتصر حضورهم بالفضاء العام على مناسبات العزاء والأعراس فقط، لم يكلف أحد نفسه بمخاطبة أعضاء الجماعة المنحلة، تركوهم حائرين وهربوا إلى الصمت، السؤال : أي قيادات هذه التي تهرب من مصارحة من أقسم لها بالولاء والطاعة، وتتخلى عن القيام بمسؤولياتها الأدبية تجاههم؟ والأهم : كيف نفهم هذا الكمون والصمت، وماذا يخفي وراءه؟
ما حدث على امتداد الفترة الماضية، يعكس كيف تفكر الجماعة المنحلة في مرحلة ما بعد قرار الحظر، خذ، مثلاً، أعضاؤها واصلوا الاستنفار على وسائل التواصل الاجتماعي لممارسة النضال ضد الأردن تحت ذريعة دعم المقاومة، خذ، أيضاً، ملف الممتلكات التي تم تسجيلها بأسماء شخصيات داخل التنظيم كشف المستور المالي والأخلاقي؛ واقعة واحدة تكفي لفهم هذا المستور، قطعة أرض مسجلة (كأمانة) باسم اثنين من كبار القيادات، أحدهما اعترف أنها سجلت باسمه والثاني أنكر، القضاء، بالطبع، سيحسم القضية، وربما نشهد في هذا الملف، تحديداً، الكثير من القصص والمفاجآت.
في الخارج، وليس بعيداً عن الداخل الأردني، تحركت ماكينة التنظيم العالمي ضد الأردن، حملة الانتقام أخذت اتجاهات متعددة، أبرزها التشكيك بالمواقف الأردنية، واختلاق الروايات الكاذبة حول دور الأردن السياسي والإنساني تجاه غزة، الهدف الأساسي تحميل الأردن، لا إسرائيل، مسؤولية ما يحدث لأهلنا في غزة من قتل وتجويع، من يتابع المنصات الإعلامية الممولة من قبل هذا التنظيم وآخرين يدرك ذلك، ومن يرصد تصريحات ومظاهرات فرع الإخوان في تل أبيب، مثلاً، يستطيع أن يفهم الهدف والرسالة، والفاعل المتخفي أيضاً.
وراء صمت قيادات الجماعة المحظورة، كما يبدو، خطة لإعادة تشكيل البيت الداخلي من جديد، مع مواصلة الانتشار والعمل السري بقوة الدفع الذاتي، ثم نقل إدارة الهجوم والانقضاض المباشر إلى فروع التنظيم في الخارج، الدولة -في تقديري-ترصد ما يجري وتتعامل معه، أمنياً وسياسياً، بهدوء، ربما كانت تنتظر موقفاً عقلانياً أكثر من الجماعة المنحلة، بياناً -على سبيل المثال - من القيادات التي خرجت، سابقاً، للشارع، تصرخ في آلاف المظاهرات، يخاطبون فيه الأعضاء: يجب ان نلتزم بقرار الدولة، ولن نمارس أي نشاط يضر بالمصالح الوطنية، او نبرر لمن يفعل بالنيابة عنا او باسمنا ذلك، لكن هذا لم يحدث، وربما لن يحدث أبداً.
أخطأت الجماعة المنحلة حين استخدمت الحرب على غزة لتمرير أجندات غامضة ضد الدولة الأردنية، أخطأت قياداتها، أيضاً، حين لاذت إلى الصمت وخذلت أعضاءها، ولم تصارحهم بما حصل، ومن يتحمل مسؤوليته، ولم تعتذر لهم عن فشلها الذي انتهى إلى هذه النتيجة، أخطأت، ثالثاً، ولا تزال، حين حركت أدواتها وفروعها في الخارج للتحريض ضد الأردن، وحين صمتت على افتراءاتهم وبررتها بأي وسيلة، وهي تخطئ أكثر حين تصرّ على الاستمرار بمكاسرة الدولة، أو الاستقواء بالآخرين عليها، أو انتظار أن «تنزل من فوق الشجرة» كما يقول بعض قياداتها.
بقي ملاحظة أخيرة؛ الجماعة، الآن، أصبحت محظورة، ولا رجعة، كما يُجمع كافة المسؤولين في الدولة، عن هذا القرار، أمام الأعضاء الذين كانوا يندرجون تحت مظلتها، ويرغبون بممارسة العمل العام، كغيرهم من الأردنيين، فرصة تاريخية للتحرر من تركة التنظيم المنحل، والاندماج في الحياة السياسية والعامة من جديد، حزب جبهة العمل الإسلامي الذي ما زال مرخصاً يمكن أن يبدأ نقاشات عميقة ومسؤولة تفضي إلى قرارات حازمة، تبدأ بإعلان الالتزام الكامل بقرار الحظر ومقتضياته، وإجراء مراجعة جذرية وشاملة للأدبيات والأفكار، وقطع العلاقة نهائيًا مع الجماعة المنحلة ومع أي طرف خارجي يدور في فلكها، ثم الانحياز لخيار «الأردنة» في سياقه الوطني، وبما ينسجم مع القوانين والمصالح الأردنية، هل يلتقطون هذه الفرصة؟ لا أتوقع ذلك.