النسخة الكاملة

لماذا الحملة على الأردن الآن؟

الأحد-2025-07-27 11:21 pm
جفرا نيوز -
بقلم: رامي رحاب العزة

في الجغرافيا السياسية، لا تُستهدف الدول الصغيرة لأنها ضعيفة، بل لأنها قوية في مكان حساس. والأردن، ذلك البلد الذي يبدو على الخريطة كمساحة ضئيلة محاطة بالصراعات، يمارس دورًا أكبر من حجمه، ويُقلق أطرافًا لا يُزعجها إلا من بقي ثابتًا حين تغيّر كل شيء.

من يتابع المشهد الإعلامي مؤخرًا، يلاحظ تصاعدًا غريبًا في الهجمات على الأردن، لا سيما عبر المنصات الرقمية التي تُدار بذكاء، وبأسماء ظاهرها أردني، لكن نَفَسها وتوقيتها واصطفافها تقول غير ذلك. إنها ليست حالة "غضب شعبي”، بل نمط منسق من التشكيك، متزامن مع تحولات إقليمية كبرى.

فما الذي تغيّر؟ ولماذا الآن؟


أولًا: الموقف من فلسطين والقدس

الأردن ليس على هامش الصراع الفلسطيني، بل في صميمه. ولأن القيادة الهاشمية ما زالت الوصي الشرعي على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، فإن أي مشروع لتغيير وضع المدينة المقدسة لا يمكن أن يتم دون تجاوز الأردن… وهذا ما لا يستطيع كثيرون تحقيقه سياسيًا، فيلجؤون لمحاولات ضرب الموقف الأردني معنويًا وشعبيًا.

بلغة المصالح: الموقف الأردني لا "يُناسب” من يريد أن تُنسى فلسطين، وتُعاد كتابة التاريخ بمعادلات جديدة. فالحل لا يمر من عمّان… وهذا مزعج.


ثانيًا: الحياد السيادي المرفوض

في عالم محكوم بالمحاور والتحالفات، يصبح الصمت قرارًا صاخبًا، والحياد موقفًا يُحاسب عليه صاحبه. الأردن اتخذ مسارًا صعبًا: رفض الاصطفاف في محاور الفوضى، وامتنع عن الدخول في تحالفات أمنية تفتقد البُعد الأخلاقي، واحتفظ بعلاقاته المتوازنة دون أن يُفرّط بهويته أو أمنه الوطني.

وهذا "التمرد الصامت” على منطق الاستقطاب يجعل من الأردن هدفًا لمحاولات الإرباك والضغط، ليس بالمدافع، بل بالمحتوى والإشاعة والاتهام.


ثالثًا: التركيبة الداخلية الحصينة

رغم التحديات الاقتصادية، والضغوط الاجتماعية، والاضطرابات الإقليمية… لا يزال الأردن بلدًا مستقرًا أمنيًا ومتماسكًا اجتماعيًا. هنا تكمن مفارقة مُقلقة: كيف يصمد بلد بهذه الظروف؟

الصمود الأردني لا يُعجب من يراهنون على انهيارات داخلية. لذلك تأتي الحملات لتعزف على وتر المعاناة، وتُضخّم المشكلات اليومية، وتُصوّرها على أنها انهيار مؤسساتي، بينما الحقيقة أنها تحديات حقيقية لا تُنكر، لكنها لا تعني سقوط الدولة، بل تحتاج إلى إصلاح لا إلى إحراق.


رابعًا: أدوات الهجوم الخفية

لا تُدار الحملات من مراكز إعلامية فقط، بل من غرف عمليات إلكترونية تعرف كيف تزرع الشك وتُروّج الوهم:
 • حسابات وهمية تنشر بلهجة أردنية لتبدو "من الداخل”.
 • فيديوهات مجتزأة من سياقها.
 • هاشتاغات موجهة، تظهر في توقيت مدروس، ثم تختفي بمجرد أن تُؤدي غرضها.
 • مقارنات بين الأردن ودول أخرى، تُبنى على مغالطات وتضليل متعمد.

الهدف ليس النقد… بل تفريغ الثقة من داخل المواطن، بحيث يشك في كل شيء: في قيادته، في مؤسساته، في نسيجه الاجتماعي، وحتى في نفسه.


خامسًا: جماعات مأجورة وأجندات عابرة للحدود

ليس كل من يرفع صوته ضد الوطن يفعل ذلك بدافع وطني. فهناك جماعات محظورة داخل الأردن، تتحرك بتمويل وتوجيه خارجي، هدفها الوحيد إثارة الفتنة وزرع الشك والتشكيك. هذه الجماعات لا تُعارض لأجل الإصلاح، بل تُسيّس كل فعالية وطنية، وتهاجم كل مبادرة بنّاءة، وتُحاول ربط الداخل الأردني بصراعات إقليمية تخدم مخططات مريبة، أبرزها إفشال أي تهدئة في غزة، واستغلال معاناة الفلسطينيين كورقة لابتزاز الدول المستقرة.

هؤلاء لا يظهرون كخصوم مباشرين، بل عبر قنوات ناعمة: صفحات مشبوهة، وشخصيات مأجورة تتحدث باسم "الشارع”، فيما هي تُنفّذ أجندات لا علاقة لها بالشارع ولا بالوطن.


سادسًا: الرد ليس بالشعارات… بل بالوعي

لا نُطالب بكتم الأصوات، ولا بمديح مُزيّف، لكننا نُفرّق بين من يُريد البناء ومن يُريد الهدم. الوطن لا يحتاج لمن يُصفق، بل لمن يُنقّح المعلومة، ويُغربل المحتوى، ويطرح الأسئلة دون أن يترك خلفه جُرحًا أو ثغرة.

وفي زمن كهذا، الصوت الوطني ليس من يرفع الشعارات العالية، بل من يحمي المعنويات المنهكة من السقوط. ومن يختار طريق الإصلاح دون أن يقدّم وطنه قربانًا في مذبح الفوضى الرقمية.


ختامًا:

ليس صدفة أن يُهاجَم الأردن حين يثبت، وأن يُشوَّه حين يُحسن اتخاذ الموقف. فالدول التي تُربك الحسابات تُزعج من اعتادوا على الخنوع. وبلد مثل الأردن، قليل الإمكانيات، كثير المواقف… لا يمكن ابتلاعه بسهولة.

لذلك، حين ترى الهجوم يتكثّف، لا تسأل فقط "من كتب؟” بل اسأل: "من وجعه هذا الثبات؟”
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير