النسخة الكاملة

الترويض همساً!

الأربعاء-2025-07-02 11:22 am
جفرا نيوز -
بشار جرار

خاض الإنسان معركة طويلة للبقاء مع الطبيعة القاسية المتقلّبة، ومع الكواسر والجوارح، وبعض الزواحف الغادرة كالأفاعي والحرابيّ، والبرمائيات «الدّامعة» القتّالة كالتماسيح والتي سيتم توظيفها في ولاية فلوريدا في إنشاء ما بات يعرف ب «أَلْكاتراز التماسيح» في إشارة إلى أشهر سجون العالم الذي أمر ترمب بإعادة تشغيله قبالة سواحل فرانسيسكو، في ولاية كاليفورنيا، جنوب غرب الولايات المتحدة.

تفيد وثائقيات عالم الحيوان وعلوم الطبيعة بأن الإنسان لم يقهر الوحوش ويحيلها إلى غذاء له فقط، بل وقام بترويض بعض منها كالكلاب والقطط، حيث أخذها بعيدا عن عالم الذئاب والنمور. بعض الحيوانات التي صارت منزلية أليفة كانت في الأصل متوحشة متنمّرة، حتى لو أطعمتها العمر كله بيمينك وشمالك!.

أخذتني تجربة «تبني» و»شراء» بعض الكلاب والقطط نزولا عند رغبة فلذات كبدي، أخذتني مشدوها إلى عالم قائم على ما يشبه مجمعا صناعيا متكاملا لا يقل خطورة وتنظيما عما يعرف في أمريكا ب «المجمع العسكري الصناعي» الذي حذر من سطوته فتغوله على القرار السياسي والديموقراطية الأمريكية، الرئيس الراحل دوايت آيزنهاور، الرئيس الرابع والثلاثين للولايات المتحدة.

مع بالغ الأسى والأسف، للحيوانات الأكثر ترفيها من كثير من بني آدم في العديد من دول العالم بما فيها الغنية، مجمعات غذائية، وأخرى للمواد المكملة غذائيا، وأدوية جسمية وحتى عقاقير نفسية، ولائحة لا متناهية من خدمات الإقامة والسياحة والسفر، وأخرى لتصفيف الشعور وقصها، والتي بلغت حد قطع الأذناب لاعتبارات عدة منها النظافة بعد «قضاء الحاجة» ومنها الكف عن عادة أو طبع «هزّ الذنب»!

 ومن تلك الصناعات تقليم الأظافر وحفّها بمعنى تنعيمها وطلائها، والتلاعب والعبث في القدرات الإنجابية لتلك الحيوانات التي تم ترويضها فصارت أليفة إلى حد التحكم بها، تحكّما مَرَضيا فيه الكثير من العُقد التي كشفتها الإحصاءات، بحيث أفردت العدالة الجنائية أبوابا ونوافذ خاصة بمكافحة الاستغلال وسوء معاملة الحيوانات الأليفة، حتى ولو عضّت وعقرت، نهشت وقتلت رضيعا عبث والداها أو أحدهما بكلبه وطفله في مداعبات تستدر عطفا أو إعجابا، بحثا عن صورة لسناب تشات أو انستغرام، وترند لتك توك!.

والتحكم ليس كله سعيا إلى السيطرة -وذلك مرض نفسي تكشفه الحيوانات الأليفة- كما تكشف أمراضا قاتلة أخرى، كالتفاخر والتباهي، والتقليد بهوس لهاثا وراء عقدة «فرنجي برنجي»! فبعض التحكّم نابع من الحاجة إلى كف الأذى، كالحد من علوّ النباح، وكثرة «العضعضة» والنبش والشطب بالمخالب على الأثير من أقمشة الأثاث الفاخر. فتم ابتكار سلسلة من الإجراءات التصاعدية، من ضمنها سوار كهربائي وآخر إلكتروني، يصعق بدرجة مخففة، لها ضوابطها الصارمة قانونيا بالنسبة لعالم الكلاب، فلا يٌسمح لها بالنباح المتكرر أو المزعج، حتى وصلت الأمور في بعض الحالات إلى الوفاة أو سلب قدرة كلب الحراسة على القيام بواجبه الأهم، وهي حراسة أصحاب الدار!.

تبيّن حينها، أن هناك مهنة قائمة بذاتها اسمها «هامس الحيوانات»! منهم المتخصص بالكلاب، وفريق آخر -أعلى أجرا- يُعرف بهامس الخيول، سيما الأصيل منها، وفي أعلى درجاتها الخيول العربية. الساعة بمئات الدولارات وحجز الموعد ليس بالأمر اليسير ولا يسلم من «الواسطات» الحميدة! وفي بضعة أيام، يتمكّن الخبير المختص من ترويض الجامح أو الجانح بعيدا عن السلم والانضباط من الحيوانات همسا، ومن قبلُ ومن بعدُ همسا ولمسا، بحيث يستدرج الخبيرُ الحيوانَ إلى الأمان، فينقادُ الأخير، حبا وطواعية، لا قهرا وجبرا.

ربما في المقبل من الأيام، يكون الحديث عن الصلة الواصلة بين عالمي الترويض و»الترييض». ففي الرياضة مآرب أخرى، منها ترويض العدو وربما تحويله إلى وليّ حميم! ليس بالضرورة أن يكون المستهدف الفريق الخصم، فكسب الجمهور أهم من نقاط في مباراة لكرة ترمى بالأيدي (السلة واليد) أو تُصفع بها (ككرة الطائرة، طائرة الملاعب والشواطئ) أو تركل بالأرجل وتشاط بالأقدام! المهم نكسب الجمهور على أرضنا وأي أرض في الدنيا. المهم البطولة لا الكأس ولا الميداليات ولا حتى جمهور أعجبته النتائج أم تنمّر على أصحابها! 

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير