النسخة الكاملة

السياسة الأردنية: الثبات والتوازن في عالم متغير

الأحد-2025-04-06 11:52 pm
جفرا نيوز -

بقلم الأستاذ لؤي علي النسور

مقدمة
السياسة الأردنية هي انعكاس لطبيعة المملكة كدولة عربية ذات موقع استراتيجي في قلب الشرق الأوسط، تربط بين المشرق والمغرب، وتجاور دولًا ذات تحديات معقدة كفلسطين، سوريا، والعراق، إضافة إلى علاقات وثيقة مع دول محورية مثل السعودية. لطالما عُرفت هذه السياسة بالحكمة والتوازن، حيث استطاعت الأردن أن تحافظ على استقرارها الداخلي وتلعب دورًا محوريًا في المنطقة رغم التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية.

على مدى العقود الماضية، صاغت القيادة الأردنية، ممثلة بجلالة الملك عبدالله الثاني المعظم، نهجًا قائمًا على الدبلوماسية الفعالة، والانفتاح على العالم، ودعم القضايا العربية، مع الحفاظ على علاقات جيدة مع القوى الإقليمية والدولية. في هذا المقال، سنتناول ملامح السياسة الأردنية، تحدياتها، وأثرها على مستقبل البلاد.

السياسة الداخلية: التوازن بين الاستقرار والإصلاح
يُعرف الأردن بكونه واحة استقرار في منطقة مضطربة، إلا أن ذلك لم يكن سهلًا، إذ عملت الحكومات المتعاقبة على تحقيق توازن دقيق بين متطلبات الإصلاح السياسي والاقتصادي من جهة، والحفاظ على الأمن والاستقرار من جهة أخرى.
1.الحكم والنظام السياسي
الأردن نظام ملكي دستوري، تتمحور فيه السلطات حول الملك، لكنه يعمل وفق الدستور الأردني الذي يحدد صلاحياته وصلاحيات البرلمان والحكومة. يعتمد النظام على التعددية السياسية تحت مظلة القانون، رغم أن الحياة الحزبية لم تصل بعد إلى النضج الكامل.

يقود جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم البلاد برؤية تعتمد على تحديث الدولة وتعزيز دور المؤسسات، حيث أطلق عدة مبادرات إصلاحية مثل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، التي تهدف إلى تعزيز المشاركة الحزبية في البرلمان والوصول إلى حكومات برلمانية في المستقبل.
2.الاقتصاد والتحديات التنموية
يمثل الاقتصاد أحد أكبر التحديات التي تواجه السياسة الأردنية. يعاني الأردن من قلة الموارد الطبيعية، وارتفاع معدلات البطالة، والضغوط المالية الناجمة عن الديون الخارجية. ومع ذلك، تسعى الدولة إلى تعزيز الاقتصاد من خلال جذب الاستثمارات، وتطوير السياحة، وفتح الأسواق أمام الصناعات المحلية.

تبنت الحكومة "رؤية التحديث الاقتصادي 2033”، التي تهدف إلى تحقيق نمو مستدام، وزيادة فرص العمل، وتوسيع الطبقة الوسطى، وهو ما يعكس التوجه الأردني نحو سياسة اقتصادية مرنة تستجيب للمتغيرات العالمية.
3.الأمن والسياسات الاجتماعية
تركز السياسة الأردنية الداخلية أيضًا على الأمن، إذ يُعتبر الأردن من أكثر الدول أمانًا في المنطقة رغم التهديدات الإرهابية والاضطرابات الإقليمية. وتعمل الأجهزة الأمنية وفق استراتيجية استباقية لمنع أي تهديد محتمل.

في الجانب الاجتماعي، تسعى الدولة إلى تحقيق التوازن بين الحريات العامة ومتطلبات الأمن القومي، حيث تتميز السياسة الأردنية بإعطاء مساحة من حرية التعبير، مع الحفاظ على الخطوط الحمراء فيما يتعلق بالقضايا الحساسة مثل الأمن والاستقرار الوطني.

السياسة الخارجية: الحياد الإيجابي والدور الإقليمي
تعتمد السياسة الخارجية الأردنية على نهج الحياد الإيجابي، حيث تحافظ المملكة على علاقات جيدة مع الجميع، وتعمل كوسيط لحل النزاعات بدلاً من الانحياز لأي طرف.
1.الجهود الأردنية في الوصاية الهاشمية
يواصل الأردن، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم، بذل الجهود في إطار الوصاية الهاشمية، حيث يتابع عن كثب كل المستجدات، ويعمل على تأكيد دوره في حماية المواقع المقدسة والحفاظ على طابعها التاريخي والديني. وتتجلى هذه الجهود في مختلف المحافل الدولية، من خلال المساعي الدبلوماسية للحفاظ على الوضع القائم.
2.العلاقات مع الدول العربية
يحافظ الأردن على علاقات متوازنة مع الدول العربية، ويرتبط بعلاقات قوية مع دول الخليج التي تُعد داعمًا اقتصاديًا مهمًا، وفي مقدمتها السعودية والإمارات.

أما مع العراق وسوريا، فقد تأثر الأردن بالأوضاع الأمنية هناك، إلا أنه يسعى إلى إعادة تنشيط العلاقات الاقتصادية والتجارية مع هذين البلدين، خاصة في ظل تحسن الأوضاع الأمنية في العراق وعودة بعض الاستقرار إلى سوريا.
3.العلاقات مع القوى العالمية
يحافظ الأردن على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة وأوروبا، حيث يُعد شريكًا رئيسيًا في مكافحة الإرهاب، كما يتلقى دعمًا اقتصاديًا وعسكريًا من هذه الدول. وفي الوقت نفسه، يسعى إلى تعزيز علاقاته مع الصين وروسيا، ما يعكس سياسة تنويع في العلاقات الخارجية.

التحديات المستقبلية وآفاق السياسة الأردنية
رغم النجاحات التي حققتها السياسة الأردنية في الداخل والخارج، إلا أن هناك تحديات لا يمكن تجاهلها، مثل:
1.الضغوط الاقتصادية: الحاجة إلى خلق فرص عمل وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية.
2.الإصلاح السياسي: تعزيز الديمقراطية وتوسيع دور الأحزاب السياسية.
3.التغيرات الإقليمية: التعامل مع الأزمات في المنطقة، مثل تطورات القضية الفلسطينية ومستقبل العلاقات مع سوريا والعراق.

لكن بفضل حكمة القيادة الأردنية ونهجها المتوازن، تبدو المملكة قادرة على مواجهة هذه التحديات والاستمرار في لعب دورها الإقليمي والدولي بنجاح.

الخاتمة
السياسة الأردنية تُعد نموذجًا فريدًا في العالم العربي، حيث استطاعت المملكة الحفاظ على استقرارها رغم كل التحديات، بفضل التوازن بين الواقعية السياسية والالتزام بالمبادئ. من خلال نهج مرن ومتزن، تمكن الأردن من أن يكون صوتًا مؤثرًا في القضايا الإقليمية والدولية، مع السعي الدائم نحو الإصلاح الداخلي وتحقيق التنمية المستدامة.

وفي ظل المتغيرات المستمرة في المنطقة والعالم، ستظل السياسة الأردنية مرنة، تتكيف مع التحديات، وتحافظ على ثوابتها، لتبقى المملكة كما عهدها العالم: واحة استقرار وحكمة في الشرق الأوسط.

اللهم احفظ جلالة الملك عبدالله الثاني المفدى، وأيده بنصرك وتوفيقك، واحفظ ولي عهده الأمين، سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، واجعلهما ذخرًا لهذا الوطن الغالي. اللهم احفظ الأردن وطننا وشعبنا، وأدم علينا نعمة الأمن والاستقرار.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير