الدباس يكتب: الاستثمار بين مطرقة القوانين وسندان التطبيق
الأربعاء-2025-05-21 12:31 pm
جفرا نيوز -
هاني الدباس
على امتداد السنوات الماضية، قطعت المملكة الأردنية الهاشمية شوطاً طويلاً في بناء بيئة استثمارية جاذبة ومنافسة، عبر تحديث منظومتها التشريعية وتقديم حوافز نوعية تهدف إلى استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية والمحلية.
وقد شكّلت منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة أبرز النماذج التي تبنّتها الحكومة كمنصة استراتيجية واعدة، تقدم مناخًا استثماريًا مميزًا من حيث التسهيلات، والأنظمة المرنة، والإعفاءات الجمركية والضريبية، وهي مزايا تم تعزيزها مؤخرًا ضمن إطار خطة وطنية شاملة لدفع عجلة النمو الاقتصادي.
التعديلات الأخيرة التي طرأت على قانون الاستثمار في العقبة حملت تسهيلات غير مسبوقة، تمثلت في إعفاءات ضريبية لقطاعات حيوية، وتبسيط الإجراءات الإدارية، إضافة إلى منح مزايا كبيرة تتعلق بالحصول على التراخيص والإقامات، كما تم إطلاق منصات رقمية تهدف إلى تسريع وتيرة المعاملات والحد من التعقيدات البيروقراطية التي شكّلت إحدى أبرز العقبات في البيئة الاستثمارية الأردنية.
ووفقًا لخبراء القطاع، فإن العقبة تمتلك اليوم مقومات بيئة منافسة على المستوى الإقليمي، قادرة على جذب استثمارات نوعية في قطاعات السياحة، والخدمات اللوجستية، والصناعات الخفيفة، والطاقة المتجددة.
رغم هذا التقدم الملموس على صعيد الإطار القانوني والتنظيمي، بقي التحدي الجوهري ماثلاً في التطبيق الفعلي على أرض الواقع ، إذ لا تزال هناك فجوة ملحوظة بين مضامين النصوص القانونية وبين آليات التعامل مع المستثمرين من قبل بعض الجهات التنفيذية والموظفين.
في كثير من الأحيان، يصطدم المستثمر بعقليات تقليدية غير مستوعبة لحجم الفرص التي قد يحملها، أو بإجراءات بطيئة ومعقدة، أو بإلحاح الطلبات والمستندات، مما يحد من فعالية البيئة الاستثمارية، ويقلل من تأثير التشريعات المتقدمة.
تبقى الحاجة ملحّة إلى رفع كفاءة الكوادر وتعزيز وعيها بأهمية الدور المحوري الذي يلعبه المستثمر في تحقيق التنمية المستدامة. فالمستثمر ليس مجرد طالب للربح، بل شريك حقيقي في بناء الاقتصاد، وصانع لفرص العمل، وناقل للمعرفة والخبرات، وعنصر أساسي في ترسيخ الاستقرار المالي والاجتماعي ، ويجب أن يكون التعامل معه مستندًا إلى ذات الفلسفة التي قامت عليها القوانين: فلسفة الانفتاح، والدعم، والمرونة، لا الاجتهادات الشخصية أو البيروقراطية المعرقلة التي تسيء للجهود الوطنية المبذولة.
إن نجاح الأردن في استقطاب الاستثمارات النوعية لا يعتمد فقط على كفاءة التشريعات، بل يتطلب منظومة متكاملة من الأداء المؤسسي الواعي، القادر على تحويل النصوص القانونية إلى ممارسات عملية تلمسها الشركات والمستثمرون منذ اللحظة الأولى.
العقبة اليوم تقف أمام فرصة استراتيجية استثنائية، وإذا ما تم استثمارها بالجدية والوعي المطلوب، فإنها مرشحة لتكون قصة نجاح وطنية واقليمية كبيرة كنموذج يُحتذى به في المنطقة.