"أعطونا الطفولة" بمعركتنا مع الحياة البائسة .."العمل أم التعليم"؟
الإثنين-2025-03-17 10:07 am
جفرا نيوز -
«علي» البالغ من العمر 13 عامًا، يعيش مع عائلته في مخيم غير رسمي على مشارف الرمثا، يعاني والده من أمراض صحية مزمنة تمنعه من العمل وتوفير دخل ثابت، بينما تعتني والدته بإخوته الأصغر سنًا.
وبسبب الصعوبات المالية التي واجهتها الأسرة، اضطر «علي» إلى ترك المدرسة والعمل في مزرعة قريبة، حيث كان يقضي ما يصل إلى خمس ساعات يوميًا في قطف الخضراوات في ظل ظروف شاقة لن ينساها أبدًا.
علمت عائلة «علي» بوجود منظمة إنقاذ الطفولة في الأردن من خلال أحد الجيران، وبعد التواصل معهم، قام مدير الحالة وفريق العمل الميداني بتقييم وضعهم واتخاذ الخطوات اللازمة لدعمهم، ومن خلال جلسات التربية الإيجابية تعرف والد «علي» على مخاطر عمالة الأطفال.
وتقول والدته «بعد حضور هذه الجلسات أدركت أن صاحب المزرعة كان يستغل ابني مالياً ولا يدفع له أجراً عادلاً».
وبفضل دعم المنظمة، تمكن «علي» أخيرًا من العودة إلى المدرسة، ويعبر عن سعادته قائلاً :»عدت إلى المدرسة مثل بقية الأولاد. أريد أن أدرس وأصبح ضابط شرطة حتى أتمكن من إعالة أسرتي وحمايتها».
وزارة العمل
الناطق باسم وزارة العمل محمد الزيود قال إن عملية التفتيش على عمل الأطفال تشكل 15 % من الزيارات التفتيشية في العاصمة عمّان والمحافظات.
وبين أن لدى الوزارة قسما متخصصا لمتابعة الحد من عمل الأطفال، وأن هناك آلية للتبليغ عن حالات عمالة الأطفال من خلال رابط إلكتروني على موقع الوزارة عبر بوابة التفتيش الذي يعمل بالتنسيق والتعاون مع وزارات العمل والتنمية الاجتماعية والتربية والتعليم، مضيفا أن فرق التفتيش تقوم بجولات اعتيادية يومية على مختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية للتأكد من مدى التزامها بعدم مخالفة أحكام قانون العمل بخصوص تشغيل الأطفال.
وذكر أن عدد المنشآت التي زارتها فرق التفتيش للحد من عمالة الأطفال عام 2024 في المملكة 3889 منشأة، حررت خلالها 181 مخالفة لمنشآت قامت بتشغيل أطفال و201 إنذار، فيما بلغ عدد الأطفال الذين تم ضبطهم في محافظة إربد خلال عام 2024 حوالي 70 طفلا.
ونوه الزيود إلى أن الوزارة تتعامل أيضا مع أي شكوى تُقدم لها من خلال المواطنين عن طريق مديريات ومكاتب العمل المنتشرة في العاصمة عمان وكافة المحافظات، داعيًا إلى تعاون الوزارة مع الجميع للحد من ظاهرة عمالة الأطفال.
وفيما يخص حالات الأطفال الذين يعانون من خط الفقر، ذكر الزيود أنه يتم التنسيق مع وزارة التنمية الاجتماعية وتحويلهم لها لدراسة حالة أسرهم.
وزارة التربية والتعليم
من جانبه، ذكر مدير إدارة التعليم العام في وزارة التربية والتعليم د. أحمد المساعفة أن عمل الأطفال أمر مخالف للقانون فمن المحتمل تعرض الطفل العامل للعديد من المخاطر والاساءات، كما أن انخراط الطفل في سوق العمل يحرمه من الالتحاق بالمدرسة، فمعظم الأعمال تبدأ بوقت الصباح، وفي حال كان عمل الطفل يبدأ بعد انتهاء دوامه المدرسي سيؤدي ذلك لتأخره ليلًا، مما سيعرضه لخطر أكبر ولن يتوفر له وقت للدراسة أو اللعب، ليؤثر ذلك على مستقبله الأكاديمي بشكل سلبي ويكون عرضه لخطر التسرب من المدرسة.
ولفت إلى أن مشكلة عمالة الأطفال مسؤولية مجتمعية لذلك تقوم مجموعة من الوزارات والمؤسسات الحكومية ذات العلاقة مثل وزارات العمل والتنمية الاجتماعية والتربية والتعليم، بالإضافة إلى مؤسسات المجتمع المحلي وأفراد المجتمع المحلي، بالمساهمة في تنسيق وتوحيد الجهود للحد من هذه المشكلة، مضيفاً أنه يتم اكتشاف الحالات من خلال مفتشي وزارة العمل الذين يقومون بتحويلهم إلى وزارة التنمية الاجتماعية لتمكين الاسرة ماليًا، بينما تقوم وزارة التربية والتعليم بتوفير الفرص التعليمة لهؤلاء الأطفال من خلال إعادتهم إلى مقاعد الدراسة أو إلحاقهم ببرامج التعليم غير النظامي.
ونوه المساعفة أنه في حال وجود طفل عامل في المدرسة، يقوم المعنيون في المدرسة بمتابعة ملف الطالب العامل مع الجهات ذات العلاقة مثل مكتب التنمية الاجتماعية والحاكم الإداري ومديرية التربية والتعليم، سائرًا بذلك دور كادر المدرسة بمتابعة حضور وغياب الطلاب ومتابعة أولياء امورهم.
وكشف عن تنفيذ العديد من الإجراءات الهادفة ضمن خطة العمل المنبثقة عن الإستراتيجية الوطنية للحد من عمالة الأطفال (2022-2023) حيث يتم العمل على تأدية كافة الإلتزامات الخاصة بالوزارة الواردة بالإستراتيجية الوطنية.
منظمة إنقاذ الطفل
من جهتها قالت مديرة الإعلام والمناصرة في منظمة إنقاذ الطفل في الأردن نادين النمري إن مؤسسات المجتمع المدني شريكة للجهات الرسمية والحكومية في الحد من ظاهرة عمالة الأطفال، ومن مؤسسات المجتمع المدني التي تَعتبر الحد من عمالة الأطفال أحد برامجها الرئيسية مؤسسة إنقاذ الطفل، حيث يقسم عمل المؤسسة إلى قسمين منها القسم الميداني أو التدخلات التي يتم توفيرها، أيضا القسم الخاص بالسياسات والمناصرة وكسب التأييد لإيجاد منظومة وطنية تحد من هذه المشكلة.
وأضافت أن المؤسسة تعمل حاليا على ثلاثة برامج ضمن مشروعين، مشروع حماية الأطفال في قطاع الزراعة ومشروع مسارات آمنه، حيث تستهدف ثلاث مناطق جغرافية، وهي عمان وإربد والأغوار، تركز على الأطفال العاملين أو المعرضين لخطر العمل في أسواء أشكال عمالة الأطفال في القطاع الزراعي وقطاع نبش النفايات واستغلال الأطفال في التسول.
وبينت النمري أن الفِرق تعمل من خلال الحشد المجتمعي على تحديد حالات عمل الأطفال بالشراكة مع وزارات التربية والتعليم والتنمية الاجتماعية من خلال مشروع مسارات آمنه لتقديم التدخلات المطلوبة بمنهجية إدارة الحالة، حيث هنالك بعض الحالات ناتجة عن الفقر إذ نعمل على توجيه الأسره بأهمية التعليم ومخاطر العمل للأطفال، وتشبيك الأهل بفرص العمل أو تقديم الدعم النقدي للتعليم.
وذكرت أن مشكلة عمالة الأطفال كبيرة على أرض الواقع بحيث ترتبط بمسألة الفقر والبطالة بالإضافة لموضوع التسرب المدرسي، وحل هذه المشكلة يحتاج إلى تكاتف الجهود، والبناء على الجهود المبذولة كمؤسسات مجتمع مدني وكجهات رسمية والعمل ضمن نهج تشاركي.
وأشارت النمري إلى أن من أكبر التحديات التي تواجهنا، عدم وجود مسح وطني يحدد حجم المشكلة والتي من المتوقع أنها ازدادت بعد جائحة كورونا والأوضاع الاقتصادية الأخيرة، وعلى المستوى التشريعي هناك تقدم مهم لكن نحن بحاجة إلى المزيد من العمل وتعزيز الجهات تقدم الخدمة لنتمكن من الوصول لجميع الأطفال انطلاقا من مبدأ حق طفل بمستقبل أفضل والحماية من كافة أشكال العنف والأستغلال بما فيها عمالة الأطفال.
المرصد العمالي الأردني
قال مسؤول الإعلام والاتصال في المرصد العمالي الأردني مراد كتكت إن المنظمات غير الحكومية المتخصصة بعمالة الأطفال لها دور أساسي في مكافحة هذه الظاهرة والمتمثلة بثلاثة أدوار رئيسية وهي التعاون مع الجهات الحكومية الرسمية عن طريق رصد ومتابعة حالات عمالة الاطفال الموجودة في سوق العمل، وتوعية الأهل والأطفال بعدم انخراطهم بسوق العمل وحقوقهم كأطفال في التعليم وعدم تسربهم من المدارس وإلحاقهم بسوق العمل، بالإضافة إلى الناحية التشريعية من خلال إعداد دراسات وتقارير وأوراق سياسات تتحدث عن الثغرات التشريعية الممكن أن توسع من ظاهرة عمالة الأطفال.
وفيما يخص المرصد العمالي الأردني، ذكر كتكت أنهم يعملون على تنفيذ عدة أنشطة منها دور التوعية والدور الثاني يتمثل في الناحية التشريعية حيث يتم إطلاق كل سنة تحديدا في اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال ورقة موقف تتضمن التحديات والاسباب التي تؤدي الى توسيع ظاهرة عمالة الاطفال مرفقة بتوصيات للحكومة من شأنها الحد من هذه الظاهرة.
وتابع أن المرصد حقق نجاحات كبيرة على صعيد الحد من عمالة الأطفال تحديداً في قطاع الزراعة الذي يعد صمام الأمن الغذائي في الأردن وتكثر فيه حالات تشغيل الأطفل.
وبحسب ما ذكرت ورقة تقدير موقف 2024 للمرصد العمالي الأردني- مركز الفينيق للدراسات والأبحاث، تكمن المشكلة الأساسية في أن جميع الجهود المبذولة للحد من ظاهرة عمالة الأطفال في الأردن تركزت فقط على كشف حالات عمالة الأطفال في سوق العمل ومخالفة أصحاب العمل الذين يقومون بتشغيلهم، في حين لم تستهدف هذه الجهود الأسباب الحقيقية التي تؤدي إلى زيادة عمالة الأطفال، وهي الفقر والبطالة، إلى جانب استمرار الحكومة في تطبيق السياسات ذاتها التي أدت إلى زيادة معدلات الفقر والبطالة.
توصيات
وفيما يلي توصيات ورقة تقدير موقف 2024 المقتبسة من المرصد العمالي الأردني - مركز الفينيق للدراسات والأبحاث:
1 - إعادة النظر في السياسات الإقتصادية التي طُبقت وما تزال تُطبق في الأردن منذ عقود، وأدت إلى زيادة معدلات الفقر، إذ إن معظم الأطفال العاملين ينتمون إلى أسر فقيرة.
2 - إعادة النظر بالسياسات الضريبية التي توسعت في فرض الضرائب غير المباشرة، وأرهقت القوة الشرائية للمواطنين.
3 - تطوير منظومة الحماية الاجتماعية بحيث تصبح عادلة وتوفر الحياة الكريمة للجميع، وبخاصة الفقراء، وإعادة النظر بمستويات الأجور باتجاه رفعها بما يتناسب مع المستوى المعيشي في الأردن .
4 - تطويرالعملية التربوية والتعليمية خلال المرحلة الأساسية للحد من عمليات تسرب الأطفال من مدارسهم.
5 - تشديد الرقابة من قبل الجهات الرسمية المعنية على الأماكن التي تتركز فيها عمالة الأطفال وبخاصة الخطرة، وتفعيل تطبيق القوانين التي تحظر تشغيل الأطفال، ووضع عقوبات رادعة بحق المخالفين وعدم الاكتفاء بدفع غرامات بسيطة، إلى جانب تفعيل الحملات التوعوية حول الآثار السلبية الناجمة عن عمل الأطفال.
6 - تحديث الإحصاءات المتعلقة بأعداد عمالة الأطفال في الأردن ليتم تقييم حالتها بشكل أدق.
العقوبات
أكدت المحامية مريم كلبونة أن قانون العمل الاردني رقم 8 لسنة 1996 يحظر تشغيل الأطفال دون سن 16 عامًا، كما يسمح بتشغيل الأحداث الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و18 عامًا بشروط محددة، منها عدم تشغيلهم في الأعمال الخطرة أو المرهقة أو المضرة بالصحة، وعدم تشغيلهم أكثر من 6 ساعات يوميًا، مع استراحة لا تقل عن ساعة واحدة بعد 4 ساعات عمل متتالية بالإضافة إلى عدم تشغيلهم بين الساعة 8 مساءً و6 صباحًا.
وفيما يتعلق بالعقوبات، ذكرت كلبونة أن القانون ينص على تغريم صاحب العمل الذي يشغل طفلًا بغرامة لا تقل عن 300 دينار ولا تزيد عن 500 دينار وتضاعف الغرامة في حال التكرار، وبالنظر الى خطورة استغلال الأطفال في العمل، قد تكون هذه العقوبات غير رادعة بما فيه الكفاية ومن المناسب إعادة تقييمها لزيادة فعاليتها في ردع المخالفين.
وأضافت أن هنالك جهودا تُبذل لتفعيل هذه القوانين، حيث قامت وزارة العمل باكتشاف حالات لعمل الأطفال، وحررت مخالفات وإنذارات بحق المنشآت المخالفة ومع ذلك هنالك تحديات في التطبيق، منها ضعف التنسيق بين الجهات المعنية، مثل وزارات العمل والتربية والتعليم والتنمية الاجتماعية، أيضا نقص البدائل الاقتصادية ومتابعة برامج الحماية الاجتماعية للطفل بعد سحبه من سوق العمل لضمان عدم عودته إليه لاحقًا، بالإضافة لعدم شمول الأطفال العاملين خارج المنشآت بالقوانين والتشريعات الناظمة، هذه التحديات تستدعي لتعزيز التنسيق بين الجهات المعنية وتوفير بدائل اقتصادية للأسر لضمان تطبيق فعّال للقوانين.
آثار نفسية
قالت الأخصائية النفسية، الخبيرة في «جودة الحياة»، آلاء ضاهر إن عمالة الأطفال من الظواهر التي تترك آثارًا عميقة على التكوين النفسي والاجتماعي للطفل، إذ تحرمه من البيئة الداعمة التي يحتاجها للنمو الصحي، حيث تشير الأبحاث إلى أن الأطفال العاملين أكثر عرضة لتطوير اضطرابات القلق والاكتئاب بسبب التعرض المستمر للضغوط والمسؤوليات التي تفوق قدراتهم الإدراكية.
وتابعت أن عمالة الأطفال تؤدي إلى العزلة الاجتماعية الناتجة عن انشغالهم بالعمل وضعف مهارات التواصل لديهم، كما أن العمل لساعات طويلة دون راحة يسبب إجهادًا عقليًا شديدًا يؤدي إلى انخفاض الأداء الإدراكي وضعف التركيز، بالإضافة إلى إحساسهم بالظلم وعدم القدرة على تغيير واقعهم يرسخ لديهم مشاعر الإحباط والعجز المكتسب، وهو ما قد يؤثر على تطلعاتهم المستقبلية ويحد من قدرتهم على تحقيق تطور شخصي واجتماعي صحي.
وبينت الضاهر أن عمالة الأطفال تؤثر بشكل مزدوج على العائلات، فمن جهة قد يشكل دخل الطفل مصدرًا رئيسيًا للمعيشة مما يدفع بعض الأسر إلى تبرير العمل المبكر إلا أن ذلك يخلق ديناميكية غير صحية داخل الأسرة، مما يحمل الطفل مسؤوليات تتجاوز سنّه ليؤدي ذلك إلى خلل في الأدوار الأسرية، ولفتت إلى أن تشغيل الأطفال يعزز من دورة الفقر عبر توليد أجيال تعاني من نقص المهارات وفرص العمل اللائق الذي يؤدي إلى استمرار الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي.
وأكدت أن الدعم النفسي للأطفال العاملين يعتمد على استراتيجيات متعددة تهدف إلى إعادة تأهيلهم نفسيًا واجتماعيًا، ومن أبرز هذه الاستراتيجيات توفير بيئات آمنة للدعم النفسي عبر مراكز إعادة التأهيل أو برامج الدعم المجتمعي، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم من خلال برامج التدريب المهني والتعليم غير الرسمي التي تساعدهم في اكتشاف إمكانياتهم بعيدًا عن العمل القسري، بالإضافة إلى توفر الإستشارة النفسية الفردية والجماعية التي تعتبر آلية فعالة لمعالجة اضطرابات القلق والاكتئاب الناجمة عن بيئات العمل المسيئة.