النسخة الكاملة

الأردن دولة صغيرة بموقف كبير

الخميس-2025-02-13 03:55 pm
جفرا نيوز -
المحامية هبة أبو وردة 

في لحظات تحدٍ تاريخية يتجلى فيها معادن الشعوب وقياداتها يثبت الأردن اليوم للعالم بأكمله أنه ليس مجرد دولة عابرة في السياسة الإقليمية والدولية بل هو كيان صلب يقف على ارضية راسخة، مثبتا بعقد تاريخي من الولاء فحين يواجه الأردن أزمة تتقاطع فيها المصالح وتتصارع القوى ينظر الشعب إلى قائده فيجده في مقدمة الصفوف الأولى من المواجهة؛ ليؤكد أن السيادة والكرامة الأردنية ليستا محلا للمساومة، بهدوء الواثق الذي يدرك أن السياسة معركة النفس الطويل وأن القوة الحقيقية لا تقاس بعلو الصوت بل بمدى القدرة على التحكم في مسار الأحداث.

يستقبل الأردنيون اليوم جلالة الملك عبدالله الثاني بفخر وحفاوة، بعد لقاء يسجل في صفحات التاريخ جمعه بالرئيس الأمريكي ليكون أول زعيم عربي يلتقي به ، واول زعيم عالمي تطأ أقدامه البيت الأبيض في هذه الدورة الرئاسية، لقاء يحمل في طياته دلالات أعمق من ظاهرها ليعكس مكانة الأردن الإستراتيجية ودور قائدها المحوري في قضايا المنطقة والعالم.

في أروقة البيت الأبيض، حيث تصنع السياسات وترسم ملامح المستقبل، في زيارة لم تكن مجرد إجتماع بروتوكولي يهدف للمجاملات بل كان لقاءا مفصليا واختبارا حقيقيا لصلابة الموقف في مواجهة التوجهات الامريكية المصيرية الجديدة،  في صراع يحدد مستقبل المنطقة وقف جلالة الملك عبدالله الثاني على أرض صلبة مدركا ان كلمته ليست مجرد تصريح عابر بل التزام بتاريخ وحاضر ومستقبل.

كما عاهد الأردنيون قائدهم، وقف جلالته كصوت العقل المتزن في زمن الإنحيازات الحادة  رافضا أي محاولات مساس بمصالحة وكرامة الأردن والأردنيون، حريصا على إيصال الرسالة بحكمة مستندا على دبلوماسيته الهادئة التي ترفض استقطاب الحوار الحاد  فاستطاع تحويل اللقاء إلى لحظة اإتصار دبلوماسي، تحمل في طياتها طرحا متزنا يعكس مكانة الأردن كدولة تملك قرارها ولا تتلقى الاملاءات، وأنها رقما صعبا في المعادلات الإقليمية على رغم صغر مساحتها الجغرافية، إلا أن  تأثيرها يتجاوز مساحتها مدعوما بقيادة تدرك تعقيدات السياسة الدولية و تعرف كيف تتحرك بين القوى الكبرى بعقل رجل الدولة، وهنا تتجلى الدبلوماسية بوصفها سلاح القادة الذين لا يهزمون على طاولات التفاوض مهما اشتد الضغط، ولا تزل اقدامهم في دهاليز الازمات مهما ضاقت المساحات.


وهنا تتجلى دبلوماسية  جلالة الملك عبدالله الثاني وحكمته، فبهدوء الواثق إستطاع تحويل اللحظة الحرجة إلى مساحة لرسم المشهد وفق المصالح الوطنية  والاقليمية، وتوجيه البوصلة نحو مصلحة الأردن العليا برؤية استراتيجية بنيت على أساس متين من الحكمة  والصبر لاجتياز هذه العاصفة، وترسيخ مكانة الأردن كدولة لا تفرض عليها المواقف، بل تصنع مواقفها بقرار سيادي و إرادة لا تهتز، فاستطاع جلالة الملك صياغة النتائج قبل أن تفرض الظروف، ولم يكن خروج جلالة الملك من هذا المأزق مجرد تفادي ازمة بل كان درسا في كيف تصاغ السياسة بحكمة، وكيف تبنى المواقف على رؤية بعيدة المدى لا على ردود الفعل العابرة.

فالسيادة لا تمنح، بل تنتزع بثبات الموقف ورجاحة العقل، والقيادة لا تقاس بعلو الصوت بل بقوة الموقف، ولا تختبر بالشعارات الجوفاء بل بالقدرة على حماية المصالح الوطنية وسط العواصف العاتية.

رغم محاولات أصحاب النوايا المدفوعة بغايات خبيثة بنسج ستارا من الأباطيل حول مخرجات هذا اللقاء واغتيال الحقيقة لإيصال رسائل مغرضة تهدف الى زعزعة ثقة الأردنيين بقائدهم، إلا أنه شعبا لا يخدع بدخان الدسائس، ولا تصنع قناعاته على رماد التضليل،  يعرفون قائدهم كما تعرف الجبال صلابة صخورها؛ لأن هذه الدبلوماسية لم تكن طارئ سياسي بل أسلوب حكم و نهج حياة،  فلن تهز الايادي المرتعشة عرش بني على أساس ثابت، فبين قائد يصنع له المجد، وقائد يصنع المجد لشعبه،  كان قائد الأردن  يختزل الوطن في شخصه، فتراه دائما في الميادين أبا، سندا وقائدا يحمل على كتفيه هموم شعبه أينما ذهب، ولم يغادر ساحات المسؤولية حين تقاطعت المصالح و تصارعت القوى.

 وفي ظل هذا المشهد السياسي البهي، برز ولاء الشعب الاردني للقيادة الهاشمية كقصيدة منسوجة بماء الذهب، ورددت همساتهم بأصوات بارزة، معبرة عن حب اصيل وعهد مستدام من الثقة والولاء منذ بداية هذه الازمة عبر مسيرات سلمية ووقفات تضامنية بوحدة وطنية، في هدف مشترك واحد وهو دعم جلالة الملك ومساندته في تخطي هذه الأزمة، مؤكدين للعالم أجمع بصوت واحد جهور بان قائدهم لا تصنع له الهتافات بل تخرج من  الافئدة عفوية و صادقة، تحمل معها معاني الحب  والولاء، لا رهبة ولا مجاملة، بل ثقة وايمانا ان من يجلس على عرش الاردن لا يحكم بالسلطة بل بالمحبة  والأمانه.

وفي نهاية هذه الازمة، هم الأردنيون اليوم،من جميع المحافظات، ببفعاليات شعبية وشبابية وحزبية، للمشاركة في استقبال حاشد يملؤه  الفخر و محبة، بعودة جلالة الملك عبدالله الثاني من هذه الزيارة برفقة سمو ولي عهده الأمين، تعبيرا عن التقدير  والاعتزاز لمواقف القيادة الهاشمية الحكيمة، وكأنه عرس وطني تسمع به الأناشيد الوطنية في كل شارع ويرددها الصغير  والكبير بنبرات الكرامة و الشموخ.

لتنتهي هذه الازمة تاركة  للتاريخ بصمة تشهد أن الأردن مثالا لدولة صغيرة بمساحتها كبيرة بثباتها، تزداد رسوخا كل ما اعتلتها رياح التحدي.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير