جفرا نيوز -
حتى نكون واضحين ومتصالحين مع أنفسنا .. علينا أن نهدأ.. نأخذ نفساً طويلاً حتى ولو كان متعباً أو متقطعاً … و نعترف أولاً أننا نعيش في القرن الأمريكي او تحت الإمبراطورية الأمريكية ..
ولكن !!
على مدى آلاف السنين التي مضت، مرت على هذا الكون إمبراطوريات حكمت العالم, فالإمبراطورية الفارسية حكمت 220 عاماً، والإمبراطورية الأموية حكمت 89 عاماً، إمبراطورية المغول حكمت اكثر من 160 عاماً، أما إمبراطورية الروم فقد حكمت اكثر من 1400 عام، والإمبراطورية العثمانية حكمت اكثر من 600 عام.
كل هذه الإمبراطوريات والدول ولّت وانتهت… إلى أن أتت الآن الإمبراطورية الأمريكية، والتي سيطرت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وتعززت مكانتها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي..
ولكن، وبالعودة إلى الإمبراطوريات التي حكت العلم .. فلنقرأ التاريخ لنعلم أن العامل المشترك وأحد اهم الاسباب في انتهاء واندثار جميع هذه الإمبراطوريات كان الصراعات والإنقسامات داخلية، وهو تماماً ما بدأ به الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، الذي لا يرى أحد، ولا يسمع أحد داخلياً في بلاده أو خارجياً في العالم.
ترامب هذا الكاوبوي ورجل الأعمال والعقارات النرجسي حتى العظم، قبل أن يبدء حروبه الداخلية ويستعدي كل العالم بدءً من أوروبا ومروراً بالمنظمات والهيئات العالمية السياسية والاقتصادية والعسكرية والإنسانية والصحية والعلمية منها، وإنتهاءً بدول الشرق الأوسط، بدأ الان يستعدي الداخل الأمريكي أيضاً ويحارب الدولة العميقة عبر اجراءات مستفزة يجمع أغلب المحللون أنها لا تتسق مع سياسة هذا البلد الذي لا يحكمه شخص وانما منظمات وأنظمة ، لكنه أي ترامب بدأها ولم يكن أولها محاربة الكونجرس وأعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي الذين بدؤوا يضجوا بترهات هذا الفرعون الذي ضرب بكل الوسائل هيكل وأسس الدولة، ولن يكون آخرها تفكيره بالبدء بتفكيك وكالة الاستخبارات الأمريكية وإعادة هيكلتها.
لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية يوماً صديقاً مخلصاً لأحد، وكانت تلعب دائماً دور بلطجي العالم ولكن بمظهر الجنرال والشرطي الكبير .. صحيح انه كان شرطي فاسد ولكنه كان ذكياً في كل خطواته، أما الان، فقد تخلى هذا الشرطي عن تكتيكه الشيطاني وضربه من تحت الحزام، إلى دور الشرطي الأرعن الذي يعتز ويجاهر بفساده وعنجهيته وسطوته ضارباً بعرض الحائط كل اسس الديبلوماسية والسياسة والتكتيك او بالأحرى … المراوغة الأمريكية المعهودة !
البعض أعجب بترامب لصراحته ووضوحه، لكن في الواقع فان إحراجه للداخل الأمريكي ومنظومة الدولة العميقة، وعداؤه منذ اليوم الاول لدخوله إلى البيت الأبيض كل دول العالم تقريبا من كندا إلى امريكا الجنوبية إلى روسيا والمكسيك والشرق الأوسط وغيرهم … في إجراءات اقتصادية، عقوبات، انسحابات من منظمات دولية كانت امريكا أباها الروحي، تغيير في ديموغرافيا دول، تهجير لشعوب، إقصاء لمؤسسات ولدول وتغير في الجغرافيا وغيره الكثير الكثير …!
عادى ترامب الجميع بلا استثناء ما عدا "إسرائيل" التي جاء هواها وهوى زعيمها الفاشي نتنياهو على هوى ترامب.. كل ذلك سيدق اول مسمارٍ في نعش الإمبراطورية الأمريكية ..
ترامب بغبائه سيوحد العالم الحر دون ان يقصد. إن تغيير ديموغرافيا الدول وابتزازها مالياً واقتصادياً وسياسياً وعسكرياً لن يكون مقبولاً ولو اظهر البعض غير ذلك..وسيقوض هذا الأمر أركان الدولة ويفتتها ولو بعد حين ..
أما عن غزة، وعروض ترامب الصادمة للجميع تارة بتهجير شعبها، وتارة بإخراجهم منها مؤقتاً حتى يتم بناؤها ثم يعودوا اليها، وتارة أخرى بجعلها ريفيرا، وغيرها من هذربات الجنون، فلا جواب او تحليل يصلح أن يقال بعدما رأينا مشاهد مئات الآلاف من الأمواج البشرية وهي تزحف نحو بيوتها المدمرة في رسالةٍ واضحةٍ للعالم أجمع أنهم وثرى وطنهم وحدةٌ واحدة لا تتفكك ولا تتجزأ، وأنهم ليسوا صفقة عقارية ولا بضاعة يتم شحنها على ظهر البواخر إلى دول العالم، أنهم الارض نفسها، ولن يستطيع أحد فصل الأرض عن الأرض !
أما عنا في الأردن .. فالمطلوب مناً في هذه الظروف، الوقوف صفاً واحداً مرصوصاً خلف القيادة، يجمعنا كل شيء ولا يفرقنا شيء … وحدة وطنية لا يشوبها شائبة، وتحييد جميع الخلافات والاختلافات مهما كانت جانباً .. ووضع استراتيجية وخطط تنفيذية عملية واضحة (وقابلة للتطبيق) من كافة اطياف المجتمع وفئاته السياسة والاقتصادية والاجتماعية والدينية، وعلينا أن نتطلع بشكل مختلفٍ جدرياً إلى مصالحنا العليا وتحالفاتنا العربية مع إخوتنا في الخليج العربي الذين سيصيبهم أذى هذا الأرعن وابتزازه، إضافة إلى تحالفاتنا الإقليمية والدولية..
وفي ذات الوقت، فالمطلوب من المعارضة والأحزاب حتى ونحن نعلم نواياها الوطنية أن تقف بكل افكارها وخطاباتها صوب القيادة والحكومة، فلا وقت للخلاف او الاختلاف في أي شيء وعن أي شيء… على الجميع أن يغرد في نفس السرب ..
المطلوب باختصار، أن نضبط بوصلتنا نحو هدف واحد، فالمركب المبحر وسط الامواج المتلاطمة لا ينقذه الفزع ولا الجزع، ولا كثرة النقاشات والاختلافات .. ينقذه فقط الوقوف مع القبطان وضبط البوصلة نحو بر الأمان ..
وإذا كان المستقبل القريب مظلم ومخيف .. فأنا واثقٌ أن المستقبل الأبعد سيكون فيه خير وبركة على أمتنا، ولعل حالنا اليوم هو ما وصفه الشافعي حين قال:
ولربَ نازلةٍ يضيق بها الفتى… ذرعًا وعند الله منها المخرجُ
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها… فُرجت، وكان يظنها لا تُفرجُ.
وإن غداً لناظره قريب ….