في عام 1291 رحلت آخر حملة فرنجية مُرغمة من عكا على يد القائد الأشرف خليل بن قلاوون ، وبالمناسبه سماها التاريخيون العرب حملات الفرنجة لأنهم خبروها وقيموها بأن لا علاقة لها بتعاليم المسيح عليه السلام حتى لو حملوا الصليب شعاراً لهم، فالنبي العظيم الكريم عيسى عليه السلام هو رسول السلام والمحبه ، وقادة الحملات وأفرادها وحوش بشرية كان اول وأكبر ضحاياهم المسيحية في آسيا الصغرى وآسيا العربية ، والغرب هو من أطلق عليها الحروب الصليبية لخداع مواطنيهم واستقطاب الدعم المادي والمعنوي لها ، فالغطاء الديني مهم لمثل هذه الحروب كما شهدنا ونشهد الحروب على بلادنا ، العدوان على العراق و فلسطين .
لم يذهب اي عربي إلى فرنسا عام 1798، لا سلماً ولا حرباً، لكن نابليون حضّر بقضه وقضيضه ودمر كل ما في طريقه من الإسكندرية والقاهرة وغزة وعكا ، وتعرضت غزة بالتحديد لمجازر ودمار يقارب ما نشاهده اليوم ،ولولا صمود عكا لربح الجولة ، لكن بعد هزيمته عاد الى فرنسا ، وصمدت عكا بمساعدة عربية واسعة ومساعدة اجنبية.
صمود غزة الحالي أسطوري سوف يكتبه التاريخ ، والمجاهدين وقادتهم سيبقون صفحات بيضاء خالدة في تاريخ العرب والإنسانية وسيلعن التاريخ كل الجبناء والمتخاذلين .
الراجفين والمتخاذلين والذين يغطون مواقفهم بالواقعية ، يتناسون عمداً بان غزة محاصرة منذ أكثر من عشرين عاماً وأبنائها يعيشون في سجن كبير مفتوح لا أمل أمامهم بحياة حرة وكريمة وتناسى العالم قضيتهم ، يتناسى اصحاب الواقعية تآمر جيرانها والسلطة ، والعربان تآمرهم اكبر من تآمر اعدائها ، يتناسون بان غزة واجهت الفرنجة العنصريين المتوحشين لوحدها وليس الكيان الصهيوني بمفرده ، يتناسون بان هذا العدو هزم أنظمة سايكس بيكو جميعها في ستة ساعات واحتل كل فلسطين وسيناء والجولان، يتناسون بان هذا العدو ليس بحاجه لمبررات ليشن عدوانه ، فحزب الله في لبنان كان العدو يعد ويخطط لضربه قبل دخوله في معركة الإسناد لغزة عن طريق اجهزة الاتصالات ، وها هي سوريا النظام الجديد والقديم لم يطلق فشكه باتجاه العدو، لكن العدو المتغطرس الذي لا يقبلنا إلا عبيداً خانعين كما هي السلطة ، دمر جيشه وقوته حتى لايستفيد منها القادمين ،هذا العدوان؛ عدوان غربي صهيوني عنصري دائم منذ حملات الفرنجة وما قبلها وما بعدها.
في الوطن العربي جميعنا عبيد للغرب ، لكن المواطن العربي يرزح تحت عبودية مزدوجة واحدة للغرب والأخرى لحكام المحميات ، لنا الحق كبشر ان نسعى لنكون أحراراً كما أراد الله لنا ، وسمانا في الحياة الدنيا عباداً وفي الآخرة عبيداً .
أقول للغارقين في عبوديتهم وينعمون بها ، بأن غزة انتصرت في صمودها وصلابتها رغم فداحة التضحيات البشرية والمادية ، انتصرت لأنها لا زالت تقاوم ولم تستسلم ، انتصرت لأنها أعادت للقضية وهجها لتكون قضية الانسانية رقم واحد، انتصرت لأنها فرضت ارادتها بتحرير الاسرى، انتصرت لأنها عرت سلطة أوسلو امام شعبها وأمام الأمة ، انتصرت لأنها عرت حكام المحميات امام شعوبهم والعالم .
للغارقين في عبوديتهم ويتباكون على حجم التضحيات التي قدمها أهلنا في غزة ، لم نسمع أصواتهم وبكائهم على حجم الضحايا في ليبيا والعراق وسوريا والسودان واليمن لان أعداد الضحايا في هذه البلدان تخدم اهدافهم للتحذير من التغيير والإصلاح وقد ذهبت هذه الأرواح في قتال داخلي بين ابناء الأمة الواحدة ،بينما في غزة هذة الأرواح نالت الشهادة في سبيل الله والوطن ، وتضخيم التباكي على الخسائر البشرية والمادية في غزة يهدف إلى خدمة اسيادهم الفرنجة لخلق جيل من الخانعين لاستكمال حالة الذل والهوان التي وصلنا إليها.