جفرا نيوز -
*طالب السجناء على اثر حشود ١٩٨٠ إرسالهم الى الجبهة للدفاع عن الوطن..
*اللواء غالب الضمور سمح لللسجناء بإجراء إنتخابات إنبثق عنها إدارة ذاتية لهم
كتب: محمود كريشان
لا شك اننا عندما نتحدث عن السجون، تتبادر إلى الأذهان صور قاتمة مليئة بالمعاناة والظروف الصعبة، ولكن في الأردن، تُقدَّم السجون نموذجًا حضاريًا يعكس احترام الدولة لأبنائها، حتى لمن أخطأوا بحق المجتمع فالسجون الأردنية ليست مجرد أماكن للإحتجاز، بل هي بيئة تُهيّئ الفرصة للإصلاح والتأهيل، ما يجعلها أقرب إلى مراكز لإعادة التأهيل منها إلى مجرد سجون، كما انها ليست مجرد مكان للإحتجاز، بل هي نموذج يُظهر وجه الدولة الحضاري، حيث يسقط التساهل أمام القانون، ولكن يعلو الاحترام للإنسان وكرامته.
ونفتح ذاكرة سجن المحطة في حقبة السبعينيات، حيث الأوضاع الداخلية كانت صعبة وملتهبة، خاصة عقب أحداث الأمن الداخلي، وهذا السجن المركزي الذي أداره لسنوات المرحوم اللواء غالب الضمور، وقد دخل السجن في تلك الحقبة السياسيون والحزبيون وعتاة المجرمين ومن إرتكبوا الأخطاء التي أوقعتهم في مشاكل مع القانون، وكان الضمور مثل الفلاسفة وعلماء الإجتماع يستقبلهم ولا يغادروا الى وبصماته على حياتهم وشخصياتهم، وكانت الإقامة في المؤسسة، التي تستقبل مخرجات نظام العدالة الجنائية، أكثرها فعالية وحميمية، وقربا من المجتمع وأسر السجناء، فقد كان الضمور يستخدم فراسته ونبله ومهاراته، في معرفة النزلاء وتصنيفهم، دونما حاجة الى إستذكار قواعد الحد الأدنى ونظرية الدفاع الإجتماعي، وكان يعمل في السياسة أكثر من السياسين، وفي الإجتماع والنفس أكثر من الخبراء والباحثين، كما قال الوزير الأسبق صبري الربيحات..
كان غالب الضمور أبا وأخا لجميع المساجين، بل إنه سمح بإجراء إنتخابات ديمقراطية في سجن المحطة، إنبثق عنها إدارة ذاتية للمساجين برئاسة نبيل جعنيني، وتشكلت لجانا ثقافية وإجتماعية، وكان في السجن مدرسة لمحو الأمية، وصف إعداد المتقدمين للتوجيهي، ومجلة حائط، ودورات تعليم طباعة، ودورات لغات ومهارات، حسب الكفاءات المتوفرة في السجن، الذي كانت تزوره دوما منظمات دولية معنية بحقوق الانسان، ومحطات تلفزة عالمية وكبار المسؤولين في الدولة، وكان لكل نزيل سريرًا مستقلًا ومكتبة مصغرة، مما يضمن راحته النفسية والجسدية، ويُقدَّم للنزلاء ثلاث وجبات يوميًا، تُراعى فيها المعايير الصحية والغذائية، كما تُتيح إدارة السجون للنزلاء زيارات عائلية ثلاث مرات أسبوعيًا، بالإضافة إلى مكالمات هاتفية شبه يومية مع ذويهم، بالإضافة إلى ذلك، يُتاح لهم شراء حاجياتهم الشخصية من داخل السجن وخارجه، بواسطة رجال الأمن، مما يعزز شعورهم بالمسؤولية الشخصية، كما تتوفر ألعاب ترفيهية وأنشطة رياضية وثقافية، تساهم في ملء أوقات فراغهم، بما يعود عليهم بالفائدة، كما تُتاح للنزلاء فرصة إستكمال تعليمهم الأكاديمي، أو تعلم حرف ومهن، تساعدهم على بناء مستقبلهم بعد الإفراج، بل وقام الباشا الضمور بإستحداث فرن لإعداد الخبز من قبل المساجين، تعود مردوداته المالية لهم.
وفي هذا السياق أورد العين محمد داودية مؤخرا: "في تشرين الثاني سنة 1980 حشد النظام السوري البائد برئاسة حافظ الأسد 3 فرق عسكرية ونحو 1100 دبابة على حدودنا الشمالية، بسبب إيواء الاخوان المسلمين السوريين ودعمهم، ورد الأردن بحشود مماثلة وإستدعى الإحتياط، وعلى اثر الهبة الشعبية الأردنية المناصرة للقيادة، تجمّع السياسيون الأردنيون المعتقلون في سجن المحطة، الذي كان يديره غالب الضمور، أبرز شخصية امن عام تعاملت مع المعتقلين السياسيين، وكانوا بالعشرات من مختلف الأحزاب السياسية الأردنية، وطالبوا بإرسالهم الى الجبهة للدفاع عن الوطن..
ما نريد ان نقوله: الوطن هو الحاضن، فعندما تعيش في وطن يحترم أبناءه، ويؤمن بحقوقهم، حتى وهم خلف القضبان، فأنت في نعمة تستحق الحمد.. القيادة الأردنية، شعبها، جيشها، أجهزتها الأمنية.. جميعها تعمل لهدف واحد: بناء وطن يحتضن أبناءه، ويصلح أخطاءهم، دون أن يفقدهم كرامتهم..
Kreshan35@yahoo.com