جفرا نيوز -
عصام جلال المبيضين
ما الذي جرى مع بعض الأردنيين هذه الأيام ، حيث تحمل الأخبار عاصفة تتصاعد عبر تذبذب الباروميتر، وتحمل تحت عباءتها الغضب والتوتر والحنق، والذي يتم التعبير عنه بأشكال مختلفة في بعض الأماكن العامة.
وبينما تقع عشرات الجرائم والاعتداءات الأخرى، و لا يمر يوم ،إلا وتطالعنا الأخبار المأساوية، با شكال مختلفة، ممارسات جديدة علينا ، جرائم وعنف مجتمعى، ومصادمات ،وقسوة وهناك مشاجرات وشتائم، وسباب ومناكفات ، بين بعض المواطنين فى الشوارع والأحياء والمناطق على ابسط الاسباب ،وسط ضغوط اقتصادية ومعيشية طاحنة جدا، مع انتشار التوتر وسيطرة العصبية على ابسط واتفه الامور، وفي كل مكان، وملخص كل ذلك اننا لم نكن هكذا ابدا فما لذي جرى مع بعض الأردنيين..؟.
لتطرح علامة استفهام كبرى، ماذا أصاب بعض أركان المجتمع الذي كان يوما مسالما وطيبا ورحيما وهادئا، وما سبب كل هذا العنف والتوتر، الذي كشر عن أنيابه بصورة واضحة .
ومع عودة الجرائم العائلية ،مع بداية العام الجديد ، قام اب بالقاء أبناءه الاطفال في سيل الزرقاء قصة صعقت الناس مع بزوغ العام الجديد .. وقبل شهور فقط ، توفيت طفلة بعمر سنة واحدة نتيجة إيذاء جسدي بالغ على يد والدها الذي سكب الماء الساخن على أطرافها السفلية، كما تم العثور على رضيعة حديثة الولادة مقتولة خنقًا قيام أب يبلغ من العمر 27 عامًا بخنق طفلته البالغة من العمر سنتين.
وفي السياق ذاتة وقبل شهور ، شهدت العاصمة عمان جريمة مروعة أخرى، حيث أقدم أب على قتل طفلته لكسر قلب والدتها المطلقة لرفضها العودة إليه وقبلها جرائم جريمة بشعة حيث أقدم شاب عشريني على قتل والدته بـ 40 طعنة قدم شخص على إطلاق النار على والدته وشقيقتيه إثر خلافات عائلية أثناء وجودهم داخل منزلهم ، وما لبثت والدته وإحدى شقيقاته أنْ فارقتا الحياة .
في المقابل رصدت احدى الجهات جرائم القتل الأسرية التي شهدتها المملكة العام الماضي، حيث أظهرت التحليلات ارتفاعا بعدد الضحايا مقارنة بالعام 2023 وبنسبة 18.5 %، فقد وقعت 25 جريمة أسفرت عن 32 ضحية "25 وفاة و7 إصابات"، بينما شهد عام 2023 وقوع 27 جريمة نتج عنها 25 ضحية، ورغم الانخفاض بعدد الجرائم العام الماضي، إلا أن الجرائم الفردية، زادت واتسمت بطابعها المركب، حيث أسفرت كل جريمة عن أكثر من حالة وفاة أو إصابة
وفي استعراض تضامن لبعض أنماط الجرائم عام 2024، وفاة سيدة بعد أن قام زوجها بضربها بطنجرة طعام ساخنة على رأسها، مما تسبب في كسور وحروق خطيرة في الجمجمة أدت إلى وفاتها، كما تشير بعض الجرائم إلى تعنيف عدد من الشقيقات من قبل أشقائهن، حيث توفيت ثلاثينية في منطقة نتيجة الضرب المبرح على يد شقيقها، وفي حادثة أخرى، قُتلت شقيقه على يد شقيقها الشاب بعد تعرضها للتعنيف الجسدي المتكرر الذي يرقى إلى التعذيب
وتوزعت جرائم القتل الأسرية العام الماضي في مختلف المحافظات، حيث سجلت 10 جرائم في عمان، 6 في إربد، 3 في الزرقاء، وجرائم أخرى في الكرك والبلقاء، إضافة لجريمتين وقعتا خارج الأردن من أردنيين على أسرهم
الى ذلك تظهر سجلات المحاكم الشرعية ، ان حالات الزواج في الأردن، قد شهدت انخفاضا للسنة الثانية على التوالي بنسبة 7 في المئة ، بلغت عدد حالات الطلاق في 2022 حوالي 26,756 حالة، بينما سجل في 2023 حوالي 25,464 حالة".
ويظهر تقرير سابق لمركز الدراسات بالجامعة الاردنية،، حول " فقدان الثقة ،و ان الثقة تراجعت بمقدار تسع درجات مئوية الان مقابل 71% قبل عام ونصف العام
ليطرح السؤال فعلا مالذي يجرى؟ و كيف أصبحت جرائم القتل العائلية، تتم في سهولة شديدة داخل الاسر وابناء الرحم الواحد، مع تخلخل منظومة العلاقات والاجتماعية ،وسيطرة منظومة المنفعة والمصالح المادية على كثيرمن انماط النسيج الاجتماعي. حيث أصبحت تشكل الجرائم العائلية، ثلث الجرائم في الوطن وأصبحنا نجد " الأخ يقتل اخاة، والابن يقتل أباة.. او أمه أو أبناءه، والنسيب.. يطلق النيران على صهره بحالات . وهكذا دواليك...
.
ونقول ما هي حقيقة القول الشعبي الدارج عندنا (الدم على بعضه ثقيل)، فالخلافات في بعض العائلات على القضايا المالية وتوزيع الميراث ترتفع مع مشاكل احيانا بزواج الأقارب ،و ردة الفعل القوية على الخلافات، والاخطر ان العائلة بشكلها الكلاسكي الرومانسي القديم اختفت مع التغيرات النيوليبرالية ، في عصر مادي طاغي وصارخ ، والعلاقات الاجتماعية انكمشت وأصبحت تذوب في نهر المصالح والميكافيلية، وهناك انهيار كبير في القيم لدى بعض الأسر.
في الوقت الذي تصدر إشارات مع استفحال ألازمة الاقتصادية في ظل انهيار الطبقة الوسطى، وارتفاع ارقام والفقر والبطالة، خاصة إذا دمجنا الموضوع مع أرقام الإحصائيات التي أظهرت وجود تراجع في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وتحولات بنيوية خطيرة في النظام الأسري ،نتيجة انخفاض معدلات الزواج والمواليد ،وارتفاع أعداد الوفيات والامراض النفسية، والفقر والبطالة والركود .. الخ
والسؤال الأخطر هل بدأت الضغوط تتزايد بشدة على المجتمع من غلاء المعيشة وارتفاع في أسعار بعض المواد الغذائية والضرائب مع تجمد وانخفاض فى الرواتب، وعدم تواجد وسائل ترفية تستقطب العائلات وبالتالى صار ما ذكر أنفا وغيره ان يؤدى الى تراكم الضغوط والتي يولد العنف والأزمات النفسية والجرائم .
كل هذا يعنى أن بعض اركان المجتمع يجلس فوق بحر الأزمات الاجتماعية والنفسية ، خاصة مع معاناة الشباب فيما يتعلق بالبطالة والسكن ومتطلبات المعيشة، وان هذا العنف داخلياً يظهر فى صورة ارتفاع بعض الإمراض الخطرة على المواطنين
محلل اقتصادي قرع جرس إنذار قوى على صعوبة الأوضاع المعيشية ، في إلا طراف البعيدة 'الأرياف ' فالفقراء والمحرومون، من أبناء القرى والإحياء الشعبية ، بينما البذخ والإسراف في السفر والإنفاق والكماليات لدى البعض يفوق الخيال لدى فئات أخرى
وقد تلاقى ذلك مع شيوع ثقافة طلب الكماليات وتحويلها إلى ضروريات وأساسيات في كل بيت، وهي أعباء جديدة أضيفت على كاهل الأسرة وأفرزت أمراضاً اجتماعية وارتفاع حجم القروض
،
وبينما يرجح مراقبون إن الأزمة الاقتصادية ضغطت على رقاب محدودي الدخل حتى ان غرفة التجارة حذرت سابقا من ارتفاع مديونية الإفراد مقابل دخلهم لتي تناهز اليوم ٧٠ بالمئة من دخل المواطن السنوي جراء الأنفاق الذي يزيد على حجم الدخول، إن مديونية الأفراد كقروض استهلاكية وسكنية وسط ثبات الرواتب، محذرا من تزايد نسبتها والتي تناهز اليوم ٧٠ بالمئة من دخل المواطن السنوي جراء الإنفاق الذي يزيد على حجم الدخول الشهرية.
وهناك حالة من الركود الشديد تشهده الأسواق التجارية منذ سنوات أثرت سلبا على الانشطة التجارية واستمرار تنامي حالة التعثر لدى الكثير من الافراد والمصالح التجارية التي لم تعد قادرة على الوفاء بالتزاماتها وفي الأرقام وصل عدد الشيكات المرتجعة العام الماضي، إلى 220 ألف شيك تقريبا، مقارنة مع 221 ألف شيك تقريبا، في عام 2023، مشكلة قرابة 3% من إجمالي عدد الشيكات المتداولة في الاقتصاد الأردني
وارتفعت قيمة الشيكات المرتجعة خلال العام الماضي، لتصل إلى مليار، و510 ملايين دينار، مرتفعة بقرابة 10%، عن قيمتها عن العام الذي سبقه، عندما وصلت إلى مليار، و370 مليون دينار تقريبا..
ومن الواضح اننا تجاوزنا في المرحلة الماضية مفهوم العقد الاجتماعي ليصبح فردياً حيث الجميع يبحث عن حلول فردية في قارب نجاة له ولأسرته في بحر أزمات تلاطم ، حيث لم يعد المجتمع قادراً علي حل جماعي للمشكلات وأصبح الفرد يعتمد على نفسه بالعودة إلى الخلايا البدائية الأولى
وليطرح السؤال الكبير وكيف نرسخ ثقافة الحوار والتمسك بالعادات والتقاليد ونبذ العنف واحترام الرأي الآخر والعطف والهدوء والتخطيط الفردى والجماعي والدراسة.
ويتحدث خبراء وسيأسين إن هناك دوافع سياسية واجتماعية وثقافية وراء انتشار أعمال العنف ، فكل ما يتم ارتكابه من أفعال وتصرفات ينطلق من ضغوط حياتية ، فمن لا يقبل الخلاف في الرأي تكون لديه ثقافة عنيفة وبالتالي فإن التحولات الاقتصادية السريعة وما صاحبها من تغيرات اجتماعية هزت القيم الاجتماعية الأصيلة من جذورها وعززت القيم المادية مما أدى لضعف الصلات الأسرية
، وان تردى الأوضاع المعيشية للمواطنين وصغار الموظفين والمتقاعدين و ارتفعت معدلات الفقر والبطالة ويقول آراء خبراء معنيين فى مجال الجريمة هناك تداخل کبير بين بعض الدوافع المؤدية لارتکاب الجريمة داخل الأسرة مثل الحالة الاقتصادية والفقر والأمية والبطالة ،والسمات الشخصية و التنشئة غير السوية والبيئة الجغرافية، وتأثرها بالظروف المحيطة فى المجتمع .
وأضافوا مازالت الأسباب الاقتصادية لها التأثير الأکبر فى ارتکاب الجرائم داخل الأسرة تليها السمات الشخصية والتنشئة الاجتماعية فى بيئة غير سوية أو مفککة ثم العوامل الأخرى المتمثلة فى الإدمان على المخدرات، والبيئة الجغرافية، والمسکن غير اللائق، والمستوى التعليمى
في النهاية نحن بحاجة إلى المراجعة الشاملة لمعرفة نقاط ووضع الدراسات اللازمة، واستيعاب المتغيرات ويبقي السؤال: وكيف نعالج المجتمع من هذا الوباء الخطير وماذا تحمل الأيام القادمة .. فمن يجيب؟