جفرا نيوز -
ما أشدّ ظلم الزمن حين يتربّص بالبشرية فيغرس في صدرها خناجر الحزن، ويمسح على جبينها بيدٍ باردة من اليأس! كان عام 2024، بحقّ، شاهداً على مأساة لا تنفكّ تشتعل تحت سماء مظلمة، عاماً انحنى فيه التاريخ من ثقل النكبات التي أثقلت كاهل الإنسانية.
عامٌ بدأ بفجرٍ مخنوق، شمسُه دماء، وليله أوجاع لا تنام. فيه تلاقت قسوة الحروب مع ظلمات التشريد، فانقلبت الأوطان قبوراً مفتوحة، والمنازل أطلالاً ترتعد في وجه الرياح العاتية. أزيز الرصاص كان موسيقى دموية ترافق الأرواح وهي تخرج من أجسادٍ أُنهكت بالجوع والخوف. الأمهات ثكالى، والأطفال مشرّدون على أرصفة العالم، وجوههم مرآة لواقعٍ يملؤه العار.
في 2024، تجمّعت الابتلاءات كالسحب الداكنة، فأمطر البشر جوعاً لا يشبع، وفقراً يطوّقهم كالطوق الخانق. الحقول جفّت، والثمار سقطت قبل أوانها، فتسلّل الجوع إلى بطون الملايين. كان الخبز حلماً بعيد المنال، والماء شحيحاً كأن الأرض بخلت برحمتها، حتى الأمل كان يُباع في أسواق اليأس بأثمانٍ لا تقدر عليها الأرواح المُرهقة.
وفي هذا العام، كانت الإبادة وصمة عارٍ على جبين البشرية. شعوبٌ سُحقت تحت أقدام الاستبداد، وأقلياتٌ مُحيت من الوجود، وصرخاتٌ تعانق السماء دون مجيب. كانت المجازر تُرتكب على مرأى العالم، فلم يتحرّك في ضمير الأمم سوى الصمت المُخزي.
إنه عامٌ سالت فيه الدموع أنهاراً، واختلطت فيه الأحلام بالرماد، وتساوت فيه الحياة والموت في عيون المظلومين. عامٌ صار فيه الحزن تاجاً على رؤوس الأحياء، وصارت القلوب مثقلة بثقل الجبال. عامٌ يعجز اللسان عن وصف بشاعته، وتتكسّر فيه الكلمات أمام هول ما حدث.
أيّها العام البائس، يا مَن حملتَ كل ألوان الألم وسكبتها على جبين البشرية، أنت صفحة سوداء في كتاب الزمن، تذكير دائم بأن الإنسان قد يظلم نفسه بنفسه. فيك رحلت أرواح الأحباب، وضاقت الأرض بما رحبت، وانطفأت الشموع في دروب الحالمين.
لقد كنتَ درساً مراً، ونذيراً لكل من تجرأ على نسيان إنسانيته. ومع كل هذا الحزن، يبقى الأمل قابعاً في زاوية خجولة، ينتظر بصيصاً من نورٍ يُعيد للقلوب بريقها وللأرض سلامها. ولكنك ستبقى جرحاً غائراً في ذاكرة البشر، لن يُشفى بسهولة، وسيظل شاهدًا على ما يمكن للسنوات أن تحمله من مآسٍ عندما يضيع العدل وتُدفن الرحمة.