جفرا نيوز -
يحيى الحموري
على مر التاريخ، تصدَّرت مشاهد الطغاة الذين تربعوا على عروشهم بزيف القوة وبطش الحديد والنار صفحات الحاضر والماضي. هؤلاء الذين توهموا أنهم الآلهة على الأرض، حكموا شعوبهم بالدكتاتورية المقيتة، وزرعوا في أرجاء أوطانهم بذور القهر والخوف، لم يكتفوا بالسيطرة على الأجساد، بل عمدوا إلى كسر الأرواح وتقييد العقول، ظانين أن الزمن سيُخلّد طغيانهم وأن الشعوب ستبقى سجينة قيودهم إلى الأبد.
في مشهد مهيب يعكس طبيعة الظلم وجوهر الاستبداد، تبرز سوريا كنموذج صارخ لهذه المأساة البشرية. هناك، حيث ظُلّت الشوارع تُلطّخ بدماء الأبرياء، وحيث السجون تحوّلت إلى مقابر للأحياء. كانت أصوات المعذَّبين تئن في صمت قاتل، بينما يستمتع الطغاة بمشاهد الانكسار ويعبثون بمصائر البشر كما لو أنهم آلهة متعجرفة لا تعرف الرحمة.
لكن التاريخ لا يرحم، والعروش المبنية على جماجم الأبرياء لا تصمد أمام غضبة الشعوب. إنها لحظة الحقيقة التي تتجلى فيها عدالة السماء، حين تُرفع ستائر الخوف ويثور المظلومون، ينهار معها كل شيء. رأينا الطغاة يفرون من قصورهم كما يفر الجرذان من السفن الغارقة، رأيناهم يسحلون في الشوارع التي ملأوها رعباً، تلك الشوارع التي تحولت إلى ميدان للانتقام العادل.
أيُّ مصير أبشع من أن يكون الطاغية مطارداً من قبل من كان يظنهم عبيده؟ وأيُّ مشهد أكثر فظاعة من أن تُداس هيبة الظالم بالأقدام؟ هكذا كان مصيرهم جميعاً: من نيرون الذي أحرق روما ولقى حتفه مذعوراً، إلى شاوشيسكو الذي أُعدم في لحظة خاطفة أمام عيون العالم، إلى طغاة العصر الحديث الذين اختنقوا في دوامة شعوبهم المنتفضة.
وسوريا اليوم شاهدة على مأساة لم تعرف لها البشرية مثيلاً. بلد كان مهد الحضارة بات رماداً تحت أقدام الاستبداد. الحاكم الذي وعد بالإصلاح صار رمزاً للخراب، قصف شعبه بالبراميل المتفجرة، وأحرق مدنه، وفتح السجون على مصراعيها لتبتلع شباب الأمة وأحلامها. ومع ذلك، فإن عدالة الزمن لن تتأخر، وإن تأخرت يوماً فإنها لا تنسى أبداً.
هؤلاء الطغاة، مهما بالغوا في الطغيان، هم محض فقاعات تتلاشى أمام عاصفة الحق. شعوبهم، وإن طال صمتها، تتحول إلى براكين تثور بلا رحمة. وما بين قصر ينهار وطاغية يهرب، تتجلى رسالة واضحة: "إن الطغيان مهما استبد وتجبّر، نهايته السقوط”.
أمام هذه المشاهد، لا يسعنا إلا أن ننحني احتراماً لإرادة الشعوب، ونقف في ذهول أمام قدرة الإنسانية على النهوض من تحت الركام. وليت الطغاة يتعظون من دروس الماضي، فمصيرهم محتوم، والعاقبة للشعوب، مهما بلغت كلفة الطريق إلى الحرية.