جفرا نيوز -
إسماعيل الشريف
«لا شيء لديّ لأقدمه سوى الدموع والشقاء والدم والعرق»، ونستون تشرشل.
الفرص التاريخية نادرة لا تتكرر كثيرًا، وقد كان أمام الرئيس الأسد فرصة ذهبية قبل عشرة أعوام، حين عُقد اجتماع وزراء الخارجية العرب في عمّان، وكان الهدف الأساسي من هذا الاجتماع هو التوصل إلى تسوية سياسية تنهي معاناة الشعب السوري من الحرب الأهلية، وتحافظ على دماء الشعب السوري ووحدة أراضيه، غير أن الرئيس اختار مسارًا مختلفًا تمامًا، متجهًا نحو روسيا وإيران. وقد ترتب على هذا القرار تبعات خطيرة وعواقب وخيمة، أبرزها تنامي الجماعات المسلحة المتمردة في ساحات الاقتتال، وتصاعد التدخلات الخارجية التي استغلت الصراع لتحقيق مصالحها الاستراتيجية.
وأعتقد أن الرئيس قد ارتكب خطأً استراتيجيًّا جسيمًا، بتضييع فرصة تاريخية للتسوية الشاملة والمستدامة، فبالرغم من أن روسيا وإيران قد حافظتا على بقاء النظام طوال السنوات الماضية، إلا أننا اليوم نجد أنفسنا قد عدنا إلى نقطة الصفر، حيث المشهد السياسي والعسكري مُعقّد للغاية.
نظرًا لتسارع الأحداث، يلوح في الأفق احتمال وصول هيئة تحرير الشام إلى مشارف دمشق، مدعومة من قوى إقليمية تسعى لإزاحة الرئيس الأسد من المشهد السياسي السوري، في الوقت نفسه، يبدو أن روسيا بصدد تقليص دعمها للنظام السوري، إذ أصبحت القضية السورية هامشية بالنسبة لمصالحها الاستراتيجية، وإذا ما أخلت قواعدها في طرطوس وحميميم، فقد يؤدي ذلك إلى زعزعة أركان النظام بشكل جذري، نظرًا لأهمية هاتين القاعدتين كدعامة أساسية له.
في ظل تراجع الدعم الروسي وتقليص روسيا لوجودها العسكري في سوريا، يبقى الدعم الإيراني هو الشريان الرئيسي للنظام السوري، إلا أن إيران تواجه تحديات داخلية قد تدفعها إلى التركيز على تأمين مصالحها في سوريا، وربما السعي للسيطرة على مناطق محددة ذات أهمية استراتيجية أو ديموغرافية، بغض النظر عن مصير النظام.
لقد تكبدت إيران خسائر فادحة في سوريا، شملت فقدان كبار قادتها العسكريين وعديد من مستودعات السلاح، وأعتقد أن ذلك قد ترك أثرًا كبيرًا لديهم، حيث باتت لدى إيران قناعة بأن النظام السوري لم يعد قادرًا على حماية مصالحها ولا سلامة جنرالاتها، ولا تأمين ممرات الأسلحة إلى حزب الله، خاصة مع التكرار المتواصل لضربات الكيان الإسرائيلي في العمق السوري عشرات المرات، كما أن أولويتهم الآن هي عدم الاصطدام مع الإدارة الأمريكية القادمة.
هذه المرة تجمع الدول العربية على دعم الدولة السورية، ولكن يبقى السؤال المحوري: إلى متى يمكن تأجيل المصير الحتمي؟ فسوريا في نهاية المطاف قد تخرج من سيطرة النظام نتيجة التحولات الجيوسياسية المعقدة التي تشهدها المنطقة، وإذا فشلت الدول العربية في جمع كافة الأطراف على طاولة المفاوضات، فقد تجد نفسها مضطرة لرفع يدها، تاركة سوريا لمصيرها المجهول.
وبالطبع، هناك لاعبان أساسيان آخران لا يمكن إغفالهما: الولايات المتحدة والصهاينة. كلاهما يسعيان إلى إخراج إيران وروسيا من سوريا، ومنع سيطرة الفصائل المسلحة لاحقًا على أجزاء من البلاد، ولكن شرطهما واضح: «انفك عن الروس والإيرانيين وسندعمك»، وأول خطوة ستكون رفع العقوبات الاقتصادية، يتبعها دعم قوات سوريا الديمقراطية للقتال إلى جانب النظام في مواجهة هيئة تحرير الشام، مع تزويده بالمال والسلاح.
وفي تقديري، حتى لو غيّر الرئيس الأسد تحالفاته والتفت باتجاه الولايات المتحدة، فإن ذلك لن يؤدي إلا إلى مزيد من سفك الدماء وتمزيق البلاد. إنها معادلة خطيرة ووصفة محفوفة بالمخاطر قد تنتهي بفشل ذريع.
لذلك، سؤال المليون الجوهري إزاء هذا الوضع المعقد للغاية: ماذا سيفعل الرئيس الأسد؟
الحل الوحيد -من وجهة نظري- يكمن في إطلاق تسوية سياسية شاملة، والاستماع إلى صوت العقل العربي، فهم وحدهم الذين تهمهم مصلحة الشقيقة سوريا.