جفرا نيوز -
حمادة فراعنة
الحلقة الثانية
في شهر نيسان عام 1989، انفجرت انتفاضة شعبية في الجنوب، من معان وامتدت إلى باقي المدن الأردنية، وكان يمكن للدولة أن تلجأ الى قمعها واحباط مطالبها، ولكن شجاعة الراحل الملك حسين دفعته نحو التجاوب مع توجهاتها ومطالبها، وهذا ماقصدته أن الدولة الأردنية ونظامها السياسي أكثر حكمة وصبرا من العديد من أطراف النظام العربي، في التعامل مع قوى المعارضة، وخاصة لدى الدول المجاورة لفلسطين.
لقد تجاوب الحسين مع استحقاقات الاردنيين، وتم استعادة حقوقنا الدستورية المعطلة بفعل قانون الأحكام العرفية منذ سنوات.
وعليه جرت الانتخابات النيابية في شهر تشرين الثاني من نفس عام الانتفاضة الشعبية الاردنية، وتم تجميد قانون العمل بحظر الأحزاب السياسية، وسمحوا للشيوعيين والبعثيين واليساريين والقوميين، بالمشاركة في تلك الانتخابات علناً، ونجحت بعض رموزهم وقياداتهم فيها.
وأستطيع القول إنني كشاهد وناشط سياسي، أديت دوراً في في تلك المرحلة لم اكن استطيع تأديته لولا استجابة الحسين وتعامله معي بسعة صدر وتفهم، اضافة الى وجود شخصية مخلصة فذة، عملت معه والى جانبه ثمانية عشر عاما، بسعة أفق وتفانٍ، وهو : عدنان أبو عودة.
أولاً: عرضت على الراحل الملك حسين إجراء المصالحة الوطنية مع قوى المعارضة وتم ذلك بلقاء تم في بيتي مع قوى المعارضة: مع الشيوعيين والبعثيين ورموز بارزة كان في طليعتهم إبراهيم بكر نقيب المحامين، وإبراهيم أبو عياش نقيب المهندسين، وشخصيات سياسية وحزبية مختلفة عزمي الخواجا، تيسير الزبري، سالم النحاس، يعقوب زيادين، آمال نفاع، تيسير الحمصي، احمد النجداوي، محمود المعايطة وفؤاد دبور، أثمرت عن الانفتاح والمصالحة وتشكيل اللجنة الملكية لصياغة الميثاق الوطني الأردني، بعد أن قدمت للراحل غالبية أسماء أعضاء تلك اللجنة.
ثانياً: لقاء بين عدنان أبو عودة رئيس الديوان الملكي آنذاك، و برفقته خالد محادين مدير الإعلام في الديوان الملكي مع الفصائل الفلسطينية الثلاثة: حركة فتح والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية، وطالبهم بالعمل لإنشاء أحزاب سياسية أردنية ضمن البرنامج الذي يرونه مناسباً، على أن يتحدثوا ويعملوا كأردنيين داعمين للنضال الفلسطيني وعزا ذلك لسببين:
الأول: عدم تقسيم الأردنيين بين أردني وفلسطيني.
ثانياً: قطع الطريق على اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يحكم اليوم المستعمرة الإسرائيلية، ويقول إن الأردن جزء من فلسطين أي جزء من خارطة المستعمرة، ويمكن للفلسطينيين إقامة دولتهم شرق الأردن أي «الوطن البديل».
وقد سلم قادة الفصائل الفلسطينية بهذه النقاشات والحوارات على أهمية دوافعها، وقد استضفت تلك الاجتماعات المتلاحقة أسبوعياً، وأثمرت عن تشكيل الجبهة الشعبية لحزب الوحدة الشعبية، والجبهة الديمقراطية لحزب الشعب الديمقراطي، وأخفقت حركة فتح في حينه من تشكيل حزب واحد، وإن كان حزب حصاد هو ثمرتها.
ثالثاً: واستضفت حوارا بين حكومة الشريف زيد بن شاكر، ومعه ذوقان الهنداوي وعلي سحيمات وإبراهيم عز الدين، مقابل الأحزاب الستة: الحزب الشيوعي، حزب البعث الأشتراكي، حزب البعث التقدمي، حزب الشعب الديمقراطي، حزب الوحدة الشعبية، وتم ذلك في شهر تشرين الثاني 1991، واللقاء الثاني تم في بيت علي سحيمات في شهر كانون أول 1991، واللقاء الثالث تم في رئاسة الوزراء يوم 8/1/1992, وصدر عنه الترخيص الرسمي للأحزاب اليسارية والقومية الستة.
أقول لأدلل كيف تعاملت الدولة والراحل الملك حسين مع المعطيات السياسية المستجدة لحماية الأمن الوطني الاردني، وتعزيز الوحدة الوطنية، مقابل ما نشاهده من وقائع مدمرة، وبطش متبادل، وتدخلات اقليمية ودولية، بما فيها من قبل المستعمرة الإسرائيلية وحروب بينية تعصف بالعديد من بلادنا العربية.