جفرا نيوز -
شهدت قاعة مجلس الأمة قبل ايام، أهم اللحظات في التاريخ السياسي الأردني، حين وقف جلالة الملك عبد الله الثاني ليلقي خطاب العرش السامي، الذي يمكن وصفه بـ«وثيقة سياسية واستراتيجية شاملة»، ترسم خارطة طريق دقيقة للمملكة في خضم تحديات داخلية وخارجية متشابكة.
جاء الخطاب في توقيت حساس ليُعيد ضبط بوصلة الوطن، مؤكدًا أن القضية الفلسطينية ليست ملفًا منسيًا، بل هي جوهر الملفات العالقة في المنطقة.
وفي الوقت ذاته، طرح الخطاب رؤية عميقة لتحديث الاقتصاد، وتمكين الشباب، وإصلاح القطاع العام، لتتكامل هذه المحاور في بناء هوية أردنية جامعة.
إنها رسالة إلى الداخل والخارج، مفادها أن الأردن، رغم ضغوطه، يرفض أن يكون مجرد متفرج على مسرح الأحداث، بل هو لاعب رئيسي يُعيد صياغة دوره الإقليمي والدولي بذكاء ودراية.
لقد تمخض هذا الخطاب عن إطار محكم لتوجهات وطنية عظيمة تسعى إلى تحسين واقع الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وترسيخ دعائم الديمقراطية والمشاركة الشعبية، معلنًا عن مرحلة جديدة من العمل المشترك بين السلطات المختلفة في إطار من التعاون البناء.
هنا، نجد كلمات خطاب العرش تلامس وجدان الأردنيين وتحثهم على الالتفاف حول هذه الرؤية التي تخدم الأجيال القادمة وتضمن لهم حياة كريمة ومستقبلًا مشرقًا.
عبر أعضاء مجلس الأمة عن دعمهم الكامل للرؤية الملكية ودعوا إلى تكاتف الجهود بين مختلف المؤسسات الوطنية لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية على حد سواء، حيث اتفق الجميع على أن التحديث الوطني يتطلب خطوات حازمة في مجالي الاقتصاد والسياسة باعتبارهما المحورين الرئيسيين لتحقيق الإصلاح المنشود.
وأكد النواب والأعيان أهمية التعاون بين الحكومة والبرلمان لضمان تنفيذ مخرجات الخطاب وتفعيلها على أرض الواقع، مع الحفاظ على استعداد الأردن لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية المتزايدة.
وقد شددوا على أن الأردن، من خلال هذا التعاون، قادر على المضي قدمًا في مرحلة جديدة من النمو والازدهار، مع الحفاظ على ثبات مواقفه الوطنية التي لا تتبدل.
وأكد رئيس الوزراء الأسبق وعضو مجلس الأعيان، الدكتور هاني الملقي، لـ$، أهمية خطاب العرش الذي وصفه بالواضح والمباشر، مشيرًا إلى أن الملك وضع رؤية مستقبلية للأردن تركز على بناء ديمقراطية مسؤولة بعيدًا عن المصالح الشخصية، مع التأكيد على دور المواطن والمؤسسات الدستورية في تحمل المسؤولية المشتركة.
وأشار إلى استمرارية جهود الأردن في دعم القضية الفلسطينية، مؤكدًا أن العدوان على فلسطين ليس جديدًا، وأن المملكة تواصل جهودها على الصعيدين العربي والدولي لمواجهة التحديات.
وشدد الملقي، على أهمية اتخاذ النواب والأعيان مواقف داعمة للقضية الفلسطينية، مؤكدًا أن الأردن القوي هو الذي يستطيع دعم فلسطين. وأضاف أن التورط في الصراعات الإقليمية قد يضعف قدرة الأردن على تقديم المساعدة للفلسطينيين، كما نوه إلى أن القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية تظل في صدارة الأولويات الوطنية لضمان استقرار المملكة.
من جهته، أكد عضو مجلس الأعيان، الدكتور وجيه عويس، أن الأردن يمتلك كفاءات بشرية قادرة على دفع الاقتصاد الوطني، لكن التحدي يكمن في جذب الاستثمارات. كما تحدث عن ضرورة الإصلاح الإداري في المؤسسات الحكومية، مع التركيز على التعليم وتطويره لتحسين الأيدي العاملة على المدى الطويل.
وفيما يخص القطاع الزراعي، أوضح أن الأردن يمتلك مقومات كبيرة لزيادة الإنتاج الزراعي وتصديره، إضافة إلى تعزيز قطاع السياحة الذي يعد من المحاور الحيوية للاقتصاد.
بدوره، أكد عضو مجلس الأعيان، الدكتور هايل عبيدات، أهمية رسوخ الهوية الوطنية الأردنية التي لن يتم المساس بها تحت أي ظرف، مشيرًا إلى أن هذه الرسالة موجهة للجميع، سواء داخل الأردن أو خارجه، وخصوصًا لأولئك الذين قد يشككون في استقرار المملكة في المستقبل.
وقال عبيدات، إن الملك أكد على أهمية تمكين الشباب والمرأة في المجتمع الأردني من خلال إتاحة الفرص لهم في المناصب القيادية والإدارية، إضافة إلى تعزيز التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية لتحقيق التنمية المستدامة.
وتحدث عن التوجه نحو التحديث الاقتصادي، مشيرًا إلى ضرورة دخول الأردن في عالم الاقتصاد الرقمي والاستفادة من أفكار الشباب لتحفيز النمو الاقتصادي. فيما يتعلق بقضية فلسطين، شدد عبيدات على دور الأردن المحوري في دعم حقوق الشعب الفلسطيني، خاصة في ظل ما يتعرض له من اعتداءات على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، مؤكدًا أن المملكة ستظل تدافع عن حقوق الفلسطينيين وتساندهم في محنتهم.
وأثنى على دور الجيش العربي في تقديم الدعم الإنساني للأهل في قطاع غزة ولبنان عبر الجسر الجوي الإنساني الذي تم تفعيله لنقل المساعدات الإغاثية، مشيرًا إلى أن الجيش والأجهزة الأمنية يمثلون صمام الأمان للمجتمع وأساس استقرار المملكة في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.
وعلى صعيد متصل، أكد عضو مجلس الأعيان، خليل الحاج توفيق، دور الأردن كعامل استقرار في المنطقة، مشيدًا بحكمته في التوسط وحل النزاعات الإقليمية، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
وأشار إلى ضرورة أن يكون الأردن اللاعب الرئيسي في المنطقة لأنه ليس لديه أي أجندات خارجية، فأجنداته عربية إسلامية. وبين أن مجلس الأعيان يعمل على دعم الجهود الوطنية وتعزيز الاستقرار الداخلي من خلال تحديث السياسات الاقتصادية والتشريعات، داعيًا إلى تفعيل التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص لخلق فرص عمل مستدامة. وشدد على أهمية تحديث الاقتصاد وتحقيق رؤية طموحة لتحسين معيشة المواطن وضمان فرص عمل، حيث أكد على أن مسؤولية تحقيق هذه الأهداف تتطلب تعاونًا فعّالًا بين جميع مؤسسات الدولة.
من جهة ثانية، أكد النائب آية الله فريحات، أهمية دعم الحكومة من خلال وضع برامج قابلة للتطبيق، مشيرًا إلى ضرورة متابعة أداء الحكومة لضمان توفير البيئة المناسبة لتنفيذ مضمون الخطاب.
وأعرب عن قلقه إزاء الوضع الإقليمي، مشددًا على أهمية استثمار العلاقات الدولية للأردن لدعم القضية الفلسطينية.
وأكدت النائب دينا البشير، على ضرورة تعزيز الشراكة بين الحكومة والمجلس، داعية الحكومة إلى الالتزام بتعهداتها السابقة لتحقيق التحديث السياسي والاقتصادي.
وأشادت بالدور الدبلوماسي الأردني في مواجهة العدوان على غزة، مشيرة إلى أهمية تعزيز الجبهة الداخلية ورفض الشائعات المتعلقة بالتهجير.
من جهته، عبر النائب عطا الله الحنيطي، عن دعم الخطاب الملكي الذي وضع خارطة طريق واضحة للعمل، مشيرًا إلى أهمية تمسك الأردن بثوابته الوطنية خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ومؤكدًا على رفض أي محاولات لتغيير التركيبة السكانية في المنطقة.
وأوضحت النائب رند الخزوز، أن المجلس النيابي يمكنه الإسهام في تحقيق رؤية التحديث الاقتصادي من خلال دوره التشريعي والرقابي.
وأشارت إلى ضرورة دعم الأحزاب البرامجية وتطوير التشريعات التي تضمن استقلاليتها، مع تشجيع الشباب والنساء على المشاركة السياسية الفاعلة.
من جانبه، أشار النائب أندريه حواري، إلى ضرورة استمرار الإصلاح السياسي والتمسك بالدستور، مؤكدًا على أهمية العلاقة بين الحكومة ومجلس النواب لضمان مصلحة الوطن.
وأكد على دور المجلس في مراقبة الحكومة ومناقشة وإقرار القوانين بعد دراستها بشكل عميق.
وتتفق تصريحات النواب على أهمية تحقيق التحديث السياسي والاقتصادي من خلال التعاون بين الحكومة والمجلس، وتبني نهج متكامل يركز على مصلحة الوطن في مواجهة التحديات الداخلية والإقليمية.
ويبقى خطاب العرش شاهداً على اللحظة الفارقة التي تمر بها المملكة الأردنية، حيث يتجسد فيه التحدي والفرصة، الهوية والآمال، التحولات الجذرية والرسالة الثابتة. فمع كل كلمة نطق بها الملك، يتضح أن الأردن، في أوج التحديات الداخلية والإقليمية، لم يكن فقط جزءًا من معركة الوجود العربي، بل هو، كما كان في الماضي، ضمير الأمة وصوتها العقلاني في مواجهة الأزمات الكبرى. الخطاب الملكي لم يكن مجرد تذكير بالثوابت الوطنية، بل كان إعلانًا عن مرحلة جديدة من العمل الدؤوب، تجتمع فيه الأماني الوطنية مع الإرادة السياسية لبناء الأردن الحديث الذي لا تقتصر رؤيته على مجرد الإصلاح، بل تتعداه إلى إعادة صياغة المستقبل وفقًا لمتغيرات العصر ومتطلباته.
الرأي