جفرا نيوز -
د. أمجد عودة الشباطات
يشهد المشهد السياسي الأردني تغيرات جوهرية مع تطبيق نظام انتخابي جديد أعاد تشكيل ملامح مجلس النواب، حيث يبلغ عدد أعضائه حاليًا 138 مقعدًا، منها 41 مقعدًا مخصصًا للأحزاب السياسية، مع توقع زيادة هذه النسبة مستقبلًا. هذا التوجه يعكس رغبة في تعزيز العمل الحزبي كركيزة أساسية في عملية صنع القرار، إلا أنه أحدث أثرًا ملموسًا في البنية التنظيمية للمناطق العشائرية، مما دفع نحو إعادة التفكير في طبيعة التحالفات السياسية وموازين القوى التقليدية.
هذا الواقع الجديد، الذي تضمن إعادة توزيع المقاعد البرلمانية وتقليص حصة بعض المحافظات لصالح الأحزاب، يمثل أكثر من مجرد تعديل فني في نظام الانتخابات؛ فهو خطوة نحو إعادة هيكلة العملية السياسية بما يضمن مشاركة أوسع وأكثر فعالية ضمن أطر حزبية. ومع ذلك، فإن هذه التغيرات تضع العشائر أمام خيارات جديدة وفرص تتطلب التكيف معها، وقد تدفعها إلى تشكيل أحزاب تحمل طابعًا عشائريًا ولكن بصيغة متطورة تتماشى مع النظام الحزبي الحديث.
إن التحول نحو العمل الحزبي يمكن أن يشكل فرصة حقيقية لمعالجة بعض الاختلالات الاجتماعية القائمة، إذا تم توظيفه بشكل صحيح لتوجيه الطاقات نحو العمل الجماعي المنظم. من خلال أحزاب تحمل برامج تنموية وسياسية شاملة، يمكن أن تتحقق تطلعات أبناء المحافظات والمناطق العشائرية في تمثيل فعال ينسجم مع احتياجاتهم. ومع ذلك، لا ينبغي أن يكون التركيز فقط على تشكيل أحزاب ذات طابع عشائري، بل يجب أن يُستغل هذا المناخ الجديد لبناء تيارات سياسية تعتمد على الكفاءة والخبرة بعيدًا عن الانتماءات التقليدية الضيقة.
إن المرحلة الحالية تتطلب ظهور أحزاب قادرة على تجاوز الإطار التقليدي للتحالفات، من خلال تقديم رؤى وطنية حقيقية تُعنى بمعالجة قضايا محورية مثل الفقر والبطالة والتنمية المستدامة. هذه الأحزاب، التي تمثل مختلف مكونات المجتمع الأردني، يمكن أن تكون أساسًا لبناء نظام سياسي حديث يقوم على العدالة والكفاءة والمشاركة الفاعلة.
في ظل هذه التحولات، تبرز الحاجة الملحة لتعزيز الهوية الوطنية الأردنية كعامل جامع للمجتمع. فالهوية الوطنية ليست مجرد رمز يُرفع، بل هي الإطار الذي يوجه العمل السياسي والاجتماعي نحو بناء مستقبل أفضل. وعلى الأحزاب السياسية أن تجعل من تعزيز الهوية الوطنية هدفًا رئيسيًا في برامجها، لتتمكن من خلق مشروع وطني متكامل يضع مصلحة الأردن فوق كل اعتبار.
إن تشكيل أحزاب وطنية شاملة تستوعب جميع مكونات المجتمع، وتقدم حلولًا مبتكرة وعملية لمواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية، يُعدّ الخطوة الأهم لترسيخ الوحدة الوطنية وتعزيز الانتماء. هذا التوجه كفيل ببناء نظام سياسي قادر على تلبية تطلعات الأردنيين وإحداث التغيير المطلوب لضمان مستقبل أكثر إشراقًا وعدالة.