عبدالله سرور الزعبي
في كثير من الاحيان اشارك مجموعة من
المستثمرين في قطاع الاسكان (وعلى الرغم بانني لست من ابناء القطاع) ومن بينهم رئيس
جمعية المستثمرين في القطاع ونائبه وعدد اخر منهم، هم يتحدثون عن هموم القطاع
والذي دخل في حالة من الركود خلال الفترة الماضية، وانا اتحدث اليهم عن ما وصل
اليه الوضع التعليمي وفقدان المهارات المطلوبة لسوق العمل، ونتحدث عن المشاريع
الكبرى Mega Project’s والتي
سبق وان ساهمت في دراسات بعض منها او كنت قد اطلعت عليها، والتي لم ترى النور وعن
اسباب عدم تنفيذها وعن قدرة بعض القيادات التنفيذية في القطاع العام والازمة
الاقتصادية الاخذة بالتعمق يوماً بعد يوم، ومشكلة البطالة المتزايدة وما قد ينتج
عنها من تاثيرات سلبية على مستقبل الوطن، على الرغم من التصريحات الحكومية
المتلاحقة عن هذه المشكلة، وتقديم الكثير من المقترحات خلال اكثر من عقد من الزمن،
لإيجاد الحلول لهذه المشكلة والتي هي متعددة الجوانب، معظمها كانت ضمن الطرق
التقليدية، والتي لم تقدم اي خطوة من الخطوات القادرة على معالجة الخلل الرئيسي
وهو الخلل الموجود في البنية الاقتصادية للقطاعات الانتاجية.
على مدار اكثر من سنتين وانا اسمع منهم بان حجم
العمل في قطاع الاسكان السنوي يقارب 7 مليار دينار، وان دالقطاع دخل في حالة
الركود رغم محاولاتهم الياسئة في السنوات السابقة لايجاد مخرج، الا ان جميع
المحاولات لم تجدي نفعاً، وان الحكومة لم تقدر حجم الخسائر المالية والاجتماعية
التي تنعكس على جميع قطاعات الدولة، وخاصة ان هذا القطاع متداخل مع معظم النواحي الحياتية
الاقتصادية منها والاجتماعية.
قبل لقاءهم مع معالي وزير الدولة للشؤون
الاقتصادية، كان همهم ان يتم الاستماع لهم ولطروحاتهم
وان يتم تفهمها، وكان السؤال المحوري
هل من مخرج لهذه المعضلة التي كلما تاخرت الحلول لها، سترافقها تداعيات غير محمودة على الاقتصاد
الوطني، وخاصة بان تقيمهم للقطاع بانه اصبح على وشك الانهيار الجزئي وفي تقيم بعضم
الاشبه بالكلي، وان تكلفة الخروج من تداعيات ازمته لن تكون بتلك السهولة بل سترافقه
كلفة مالية ضخمة وهزات اجتماعية.
التقيت بهم بعد لقاءهم وزير الدولة
للشؤون الاقتصادية، بهدف التقيم وكانوا في غاية التفاؤل، الا انهم في اليوم التالي
تفاجوء بسرعة صدور قرات مجلس الوزراء التحفيزية لهذا القطاع.
ان صدور مثل هذه القرارات، ووما تبعها
من قرار لجمعية البنوك بتثبيت الفائدة عند سعر 4.99 % وإطلاق مبادرة وطنية لدعم
المواطنين بقيمة تبلغ 200 مليون دينار لتسهيل عملية الاقتراض، سيكون لها انعكاسات
ايجابية بكل تأكيد على حركة السيولة المالية في مختلف القطاعات كونها مترابطة (حسب
رئيس جمعية المستثمرين بان القطاع يرتبط مباشرة باكثر من 40 قطاعاً مختلفاً)، وبكل
تأكيد سيكون لها مساهمة ولو محدودة في المرحلة الاولى في تشغيل عدد من ابناء الوطن
يتناسب حجمها مع حجم الحركة المستقبلية في القطاع الاسكان الذي بداء يستعد
للانطلاق من حالة الركود.
ان معظم المستثمرين في هذا القطاع
وغيرهم ممن تجمعنا لقاءات حوارية ينتظروا المزيد من الجهود والحوافز الفعالة في كافة
القطاعات الانتاجية، ومن اهمها تخفيض اسعار الطاقة الكهربائية، مما يساهم
بتعزيز الميزة التنافسية، ويشجع الاستثمار الداخلي والخارجي (المتخوف اصلاً من
البئية الاستثمارية بشكل عام)، والتي ستؤدي حتماً لاستخدام المزيد من الايدي
العاملة.
لقد لاحظنا خلال السنوات الماضية
احاديث وتصريحات كثيرة عن خطط ومشاريع، الا ان الكثير منها كان متناقض، ولم تلمس
القطاعات الانتاجية والاستثمارية تنفيذاً لها على ارض الواقع. ومن هنا يمكن طرح
سؤال، هل وصلنا فعلاً لقناعة ان الخروج والتقدم للامام لن يكون الا بوجود خطة
تنفيذية قصيرة المدى (يتبعها الخطط المتوسطة والبعيدة المدى) لتحديد الانشطة الاقتصادية
وخاصة الانتاجية ذات النتائج السريعة كمرحلة اولى والتركيز عليها وتقديم نظام
حوافز طموح وفعال واظهار العزم والتصميم على
تطبيقها، لكي يلمس المواطن الجدية في التنفيذ كما لمس ذلك قطاع الاسكان.
في كثير من الاحيان، استمع الى البعض
يتحدث عن التركيبة المعقدة للازمة الاقتصادية، والتي يرى البعض بان الحلول وصلت
الى مرحلة شبه مستحيلة، وان الهروب للامام عن طريق الاستدانة هي الوسيلة الافضل،
الا انني كمهندس ارى عكس ذلك، وان المشكلات المعقدة يجب ان يتم التعامل معها
كالمعادلات الرياضية المعقدة، التفاضلية منها اوالتكاملية، والتي لا تحل الا
بطريقة تفكيكها وعلى خطوات متتالية. لكن مثل هذا الامر يحتاج الى توفر الارادة الجدية
والعزيمة القوية لدى القيادات التنفيذية وان يتم تغليب مصلحة المؤسسة والمصلحة
العامة على المصالح الفردية والضيقة احياناً لدى البعض، وكذلك الابتعاد عن نشر
المعلومات غير الدقيقة عن اي قطاع من القطاعات دون وجود الادلة القاطعة، خاصة انه
اصبح من السهل تتبع اية تصريحات والادعاء بالانجازات الغير موجودة، لكي نتمكن من
اعادة الثقة بين الحكومة والمواطنيين
والتي وصلت الى مرحلة صعبة نوعاً ما.
ومن منطلق التفاؤل في الاجراءات
الحكومية، هل من الممكن ان نرى حزمة من الحوافز المتكاملة للقطاعات الانتاجية
الاخرى ومنها القطاع الصناعي، وهل من الممكن ان تتوجه الحكومة بالطلب من قطاع
الصناعة ان يعمل على اعادة النظر بتحديد اولوياته حسب الاهمية الانتاجية (اعلم بان
لديهم خطة موجودة من خلال علاقاتي الشخصية مع البعض في غرفة الصناعة) وتحديد انواع
السلع التي يمكن له ان ينتجها القطاع تكون هناك حاجة للاسواق العالمية لها والية رفع
سويتها الى المعايير العالمية ليصار الى وضع الية لتقديم الحوافز اللازمة وخاصة في
تخفيض كلف الانتاج من خلال تخفيض كلفة الطاقة الكهربائية التي يعاني منها الجميع
(رغم وجود معلومات عن فائضاً منها نتيجة لعدم القدرة على تصديرها الى لبنان، بسبب
قانون قيصر المفروض على سوريا)، لتصبح منافسة في الاسواق الاقليمية والعالمية، الامر
الذي يساهم في ارتفاع نسبة التشغيل للاردنيين.
ان مثل هذه الحوافز رغم محدوديتها في
الوقت الحاضر، الا انه وبدون ادنى شك سيلمسها المواطن وتزيد من ثقة المستثمرين في القطاعات الانتاجية
وستحدث تحولات ايجابية خلال فترات زمنية محدودة، وخاصة بانها لا تحتاج لادخال
تعديلات تشريعية على مستوى القوانيين، بل ان كل من تحتاجه في هذه المرحلة اتخاذ
القرارات على غرار القرارات المتخذة هذا الاسبوع لقطاع الاسكان وتوفر الارادة
والعزيمة والالتزام بالخطط التطبيقية منها لا النظرية، وخاصة الخطة التنفيذية
لاستراتيجية الرؤية الاقتصادية ووضعها موضع التنفيذ والمتابعة الحثيثة وفرض حالة
التنسيق بين المؤسسات ذات طبيعة العمل المتداخلة وعدم القبول بالاعذار في حالة
التاخير عن تنفيذه اي خطوة من الخطوات مهما كان نوعها.