جفرا نيوز -
د.سناء عبابنه
في مثل هذا اليوم، 14 نوفمبر، يمر ذكرى ميلاد جلالة الملك الحسين بن طلال، الذي شكّل بحكمته وقيادته مسار الأردن والمنطقة العربية لعقود طويلة. لم يكن الملك الحسين مجرد قائد سياسي، بل كان رمزًا للإنسانية، ومثالاً فريدًا في القيادة الحكيمة التي جمعت بين القوة والتواضع، بين الوطنية والإنسانية، بين العزيمة والسلام.
اليوم، ونحن نستذكر ميلاده، لا بد أن نستحضر إرثه العميق، الذي لا يزال حيًا في قلوب الأردنيين وكل من عايش مسيرته الحافلة. فقد ترك الملك الحسين بصمات لا تُنسى على مختلف الأصعدة، محليًا وعالميًا، وجعل من حكمه رحلة مليئة بالتحديات، لكنها مليئة أيضًا بالإنجازات التي شكلت قاعدة للسلام والتقدم.
تميزت فترة حكم جلالته التي امتدت لأكثر من أربعة عقود بالتنمية المستدامة والبنية التحتية المتطورة، ولكن الأهم من ذلك كان التزامه العميق بالإنسان. كان الحسين، في كل قرار، يُظهر حرصًا على مصلحة الشعب الأردني، ولم يكن يقتصر اهتمامه على السياسة فقط، بل كان يسعى لرفع مستوى التعليم والرعاية الصحية، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
حُفر لقب "ملك الإنسانية" في قلوب ملايين الناس الذين شهدوا على مواقف الملك الحسين الإنسانية، سواء على الصعيدين المحلي أو الدولي. لم يكن الحسين مجرد زعيم يلتزم بالقضايا السياسية، بل كان يحمل هموم الفقراء والمحتاجين، ويتبنى قضايا حقوق الإنسان أينما كان. كان دائمًا في مقدمة القادة الذين يرفضون الظلم ويسعون لتحقيق السلام في المنطقة، على الرغم من التحديات الكبيرة التي واجهها.
كان له دور محوري في عملية السلام في الشرق الأوسط، حيث ساهم في توقيع معاهدة "وادي عربة" مع إسرائيل عام 1994، ليحقق بذلك أول اتفاق سلام بين دولة عربية وإسرائيل. تلك الخطوة لم تكن مجرد اتفاق سياسي، بل كانت رسالة من الملك الحسين إلى العالم بأن السلام هو السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. وكان الحسين دائمًا يتحدث عن السلام كحق من حقوق الإنسان، وكان يسعى بصدق لتحقيقه رغم الصعوبات.
في ذكرى ميلاده اليوم، يتجدد الحديث عن إرث جلالة الملك الحسين بن طلال، الذي لا يزال حيًا في كل زاوية من زوايا الأردن، وفي قلوب الأردنيين الذين تعلموا من قيادته معنى الصبر والإصرار على النجاح. لقد زرع الحسين فينا قيم الحرية والعدالة، وكان دائمًا يزرع الأمل في النفوس حتى في أصعب الأوقات.
ولا شك أن القيادة الحكيمة التي قدمها الحسين كانت أحد الأسباب التي جعلت الأردن اليوم دولة نموذجية في المنطقة، تتسم بالاستقرار السياسي والاقتصادي، وتستمر في تقديم رسالتها الإنسانية للعالم. وقد أرسى الملك الحسين قواعد الديمقراطية وحقوق الإنسان التي شكلت أطرًا هامة للمستقبل، ليبقى الأردن مثالًا للتعايش السلمي بين مختلف الأديان والطوائف.
في هذه الذكرى، لا يسع الأردنيون إلا أن يعبروا عن حبهم وامتنانهم لجلالة الملك الحسين، الذي عمل بلا كلل من أجل رفعة وطنه ورفعته. الملك الحسين بن طلال لن يكون مجرد شخصية تاريخية يُحتفى بها في يوم ميلاده، بل سيظل رمزًا دائمًا للأمل والإصرار، ولن تنسى الأجيال القادمة تضحياته وقيادته الحكيمة.
في ذكرى ميلاده، نستذكر معًا ملكًا كان دائمًا في قلب شعبه، لم يكن ملكًا فقط على العرش، بل كان ملكًا على القلوب. رحم الله الملك الحسين بن طلال، وجعل ذكرى ميلاده اليوم منارة تهتدي بها الأجيال القادمة، ليظل الحسين رمزًا للإنسانية في العالم أجمع.