جفرا نيوز -
أ. د. ليث كمال نصراوين
تتناقل وسائل الإعلام المحلية بين الفينة والأخرى تقارير صحفية حول نية بعض الشخصيات الأردنية تأسيس أحزاب سياسية جديدة، حيث يكمن القاسم المشترك بين هؤلاء الأفراد المتحمسين للعمل الحزبي أنهم وزراء سابقون أو شغلوا مناصب عليا في الدولة، وأنهم يدعون بأن حزبهم الجديد المنوي إنشاؤه سيكون مختلفا عن باقي الأحزاب الأخرى.
ويبقى التساؤل الأبرز في هذه المرحلة من مراحل الإصلاح السياسي حول مدى حاجة الدولة الأردنية لأحزاب جديدة في ظل حالة الازدحام التي كانت موجودة قبل إقرار تشريعات التحديث السياسي المتمثلة بقانوني الأحزاب السياسية والانتخاب في عام 2022، والمطالبات الشعبية بتقليص عدد الأحزاب القائمة حاليا الذي لا يتناسب مع الميول الشعبية نحو الحياة السياسية في الفترة الحالية. فالعدد الرسمي من الأردنيين المسجلين أعضاء في الأحزاب السياسية القائمة يبقى محدوداً بالمقارنة مع الذين يثبت لهم الحق في الانتخاب من أفراد الشعب السياسي.
وقد يكون الرد المباشر على هذا الرأي من قبل «الحزبيين الجدد» بأن الحق في تأسيس الأحزاب السياسية يعد من الحقوق الأساسية التي كفلها الدستور الأردني باعتباره مظهرا من مظاهر الحق في التجمع السلمي، إلى جانب تشكيل الجمعيات والنقابات على اختلاف أنواعها. وهذا القول سليم من الناحية الدستورية؛ فالمادة (16/2) من الدستور تنص صراحة على أن للأردنيين الحق في تأليف الجمعيات والنقابات والأحزاب السياسية على أن تكون غايتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم ﻻ تخالف أحكام الدستور.
إلا أنه وفي مقابل هذا التصريح الدستوري بإجازة الحق في تأسيس الأحزاب السياسية، يجب الإشارة إلى أن المركز القانوني للحزب السياسي قد اختلف بعد إقرار قانون الأحزاب السياسية النافذ لعام 2022 والتشريعات الأخرى المرتبطة به عما كان عليه الوضع في السابق. فالحزب السياسي قد جرى تعريفه في المادة (3) من القانون الحالي بأنه تنظيم سياسي وطني يهدف إلى المشاركة في الحياة السياسية والعمل العام بطرق سلمية ديمقراطية لغايات مشروعة ومن خلال خوض الانتخابات بأنواعها، بما فيها الانتخابات النيابية، وتشكيل الحكومات أو المشاركة فيها وفقا للمادة (35) من الدستور.
فمن أهم المكتسبات السياسية للأحزاب الأردنية أنه قد تقرر الاعتراف الصريح لها بالحق في تشكيل الحكومات أو المشاركة فيها في ضوء نتائج الانتخابات النيابية. فهذه المكنة السياسية قد تحولت من ممارسة دستورية أو عرفية في بعض الأنظمة الديمقراطية إلى حق قانوني ثابت في تشريع وطني، وهذا ما يفرض على الدولة الأردنية أن تكفل للأحزاب القائمة فرص الاستفادة من هذا الحكم التشريعي المستحدث بهدف تمكينها من الوصول إلى السلطة.
ويأتي في مقدمة الإلتزامات الإيجابية الملقاة على عاتق الدولة في مواجهة الأحزاب السياسية القائمة أن تعمل على توفير بيئة سياسية مناسبة لها لكي تقوم بتنفيذ برامجها وأهدافها وضمان عدم تكرار أفكارها ومبادئها والتنافس فيهما بينها، بشكل قد يؤثر سلبا على قناعة المواطن الأردني بجدية المشروع الإصلاحي الذي يراد له الاستمرارية للسنوات القادمة.
ومن التغييرات التشريعية الهامة ذات الصلة بعمل الأحزاب السياسية التعديلات الجوهرية التي جرى إقرارها على آلية الدعم الحكومي لها في عام 2023، والذي أصبح مرتبطا بما تحققه هذه الأحزاب من نتائج في الانتخابات النيابية التي تخوضها ونجاحها في إيصال ممثلين عنها من النساء والشباب والأشخاص ذوي الإعاقة. هذا على خلاف نظام المساهمة المالية في دعم الأحزاب السياسية القديم لعام 2019 الذي كان يخصص مبالغ مالية سنوية للأحزاب بصرف النظر عن نشاطها وقدرتها على التنافس في الانتخابات التشريعية.
إن البيئة السياسية الحالية والإرادة الحقيقية للدولة الأردنية في الانتقال إلى المرحلة الثانية من مراحل التحديث السياسي يوجب الترشيد و"العقلنة» في استخدام الحق في تأسيس أحزاب سياسية جديدة، حيث يمكن الاستبدال به الحق الدستوري في الانضمام إلى الأحزاب القائمة، والتي تصلح أن تكون منابر سياسية يقوم من خلالها المتحمسون للحياة الحزبية بتنفيذ رؤاهم الإصلاحية في مجال التنمية السياسية.
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة