جفرا نيوز -
عقد المنتدى الاقتصادي الأردني جلسة حوارية لمناقشة التحديات والآفاق في ظل إقليم ملتهب وتأثيره على الاقتصاد الأردني، بحضور نائب رئيس الوزراء الأسبق جواد العناني، وعدد من أعضاء المنتدى من اقتصاديين ومهتمين بالشأن الاقتصادي.
وخلال الجلسة التي أدارها، عضو المنتدى عدلي قندح، أكد العناني على أهمية إعادة التفكير في الإنتاجية والفرص الضائعة التي يمكن استغلالها لتحقيق قفزة نوعية في الاقتصاد الأردني.
وأوضح العناني أن الاقتصاد الأردني بحاجة ملحة إلى تعزيز المشاريع الإنتاجية التي تسهم في خلق فرص عمل وتوظيف التكنولوجيا.
وأشار إلى أن الإنتاجية تعتمد على إدخال التكنولوجيا بشكل أوسع في العملية الإنتاجية، وأن التقدم التكنولوجي يؤدي دورًا كبيرًا في تحسين الإنتاجية وتقليل التكاليف على المدى البعيد.
وأشار العناني إلى وجود العديد من الموارد الطبيعية في الأردن التي لم يتم استغلالها بشكل كافٍ، خاصة تلك المتعلقة بصناعة الزجاج، مشيرًا إلى أنها متوفرة بكثرة في محافظة معان، ويمكن استخدامها في صناعة الزجاج والخزف.
وعلى ذات الوتيرة، انتقد العناني قرار إغلاق بنك الإنماء الصناعي، واصفا القرار بالخاطئ جدا، حيث كان يسهم في تمويل المشاريع الصناعية، ويقدم قروضًا رأسمالية للشركات.
وأوضح أن النظام المصرفي الأردني الحالي يعتمد بشكل كبير على القروض قصيرة الأجل، ولا يقدم التمويل الكافي للمشاريع الرأسمالية الكبيرة، مما يحدّ من قدرة الصناعات على النمو والتوسع.
وأكد العناني على ضرورة إعادة النظر في هيكلة بعض الشركات ودعم الصناعات القائمة لتعزيز الإنتاجية والنمو الاقتصادي.
وبالنسبة للأزمات الخارجية وتأثيراتها، تناول العناني التحديات الخارجية التي تؤثر على الاقتصاد الأردني، مثل النزاعات الإقليمية وضغوط الأسواق المحيطة.
وأشار إلى أن الأسواق العراقية والسورية، والتي تعد من أهم الشركاء التجاريين للأردن، تمر بظروف صعبة تجعل من الصعب الاعتماد عليها بشكل كامل.
كما أعرب عن قلقه بشأن الإجراءات التي قد تتخذها الدول المجاورة للحد من استيراد السلع الأردنية، مما يفرض على الأردن التفكير في البحث عن أسواق جديدة.
وفي ذات السياق، تحدث العناني أيضًا عن التغيرات في سياسات دول الخليج تجاه العمالة الوافدة، والتي أثرت بشكل مباشر على التحويلات المالية التي يعتمد عليها الاقتصاد الأردني.
وأكد على أن الأردن بحاجة إلى التركيز على الاقتصاد الإنتاجي، الذي يقوم على استغلال الموارد المحلية ودعم الصناعات الأساسية لتقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية.
كما دعا إلى الاستثمار في البحوث والدراسات المستقبلية للتنبؤ بالتحديات الاقتصادية، مشيرًا إلى أن العالم يتغير بسرعة، ويعتمد بشكل كبير على البيانات والمعلومات الدقيقة في اتخاذ القرارات.
وشدد على أهمية تعزيز قدرات الأردن البحثية لمواكبة هذه التغيرات والاستفادة من الفرص المتاحة.
وأكد العناني أن التحديات التي يواجهها الأردن ليست خارجية فقط، بل تشمل أيضًا قضايا هيكلية داخلية يجب معالجتها من خلال سياسات اقتصادية تعزز الإنتاجية، وتدعم القطاعات الرئيسية لتحقيق نمو اقتصادي مستدام.
ودعا إلى الاستفادة من الموارد الطبيعية والبشرية الموجودة بشكل أفضل، مع التركيز على تعزيز دور القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية.
ومن زاوية أخرى، أشار العناني إلى أن الاقتصاد الأردني يعاني من اختلالات متعددة، من أبرزها سوق العمل، حيث يعاني من فائض عرض واضح مع ارتفاع نسب البطالة التي بلغت حوالي 21%.
وبيّن أن هذه النسبة قد تكون أقل من الواقع؛ نظرًا لوجود جزء كبير من العمالة في الاقتصاد غير الرسمي، ما يجعل الإحصاءات غير دقيقة بشكل كامل.
وتطرق العناني إلى ضعف مشاركة المرأة في سوق العمل، مشيرًا إلى أن النسبة الحالية تبلغ نحو 14% فقط من النساء في سن العمل.
وعزا ذلك إلى عدة عوامل، منها القياس غير الدقيق والتقليص المستمر لفرص العمل الرسمية التي تتاح للمرأة.
وأوضح أن الاقتصاد غير الرسمي يؤدي دورًا كبيرًا في استيعاب جزء من هذه الفئة، خاصة في ظل المساعدات الخارجية للاجئين السوريين، حيث يتم توزيع المساعدات بشكل مباشر إلى الأفراد؛ مما يسهم في خلق سوق موازٍ خارج إطار الاقتصاد الرسمي.
وفي سياق الحديث عن السوق النقدي، أوضح العناني أن السياسة النقدية الأردنية تخضع لتأثيرات خارجية كبيرة، مشيرًا إلى أن السياسات النقدية في الأردن تعتمد على قرار الفائدة الأميركي؛ نظرًا لربط الدينار بالدولار.
وأكد أن استقرار الدينار هو الأولوية الكبرى، وإن كان ذلك يأتي بتكلفة مرتفعة على الاقتصاد، إلا أنه يُعدّ ضروريًا للحفاظ على الثقة بالعملة المحلية.
وأشار إلى أن الحكومة تُنافس القطاع الخاص على مصادر التمويل، وذلك لتغطية العجز المالي السنوي الذي يقدر بحوالي 2 مليار دولار، ما يحدّ من قدرة القطاع الخاص على النمو، ويزيد عبء الدين.
كما أوضح العناني أن الحكومة خفضت الإنفاق الرأسمالي، مشيرًا إلى أن الاستثمار الحكومي يشهد تراجعًا كبيرًا، حيث ينصبّ التركيز على النفقات التشغيلية بدلاً من الاستثمار الفعلي.
وبيّن أن هذا النوع من الإنفاق يساهم في تضخم فاتورة الأجور العامة، ويقيد قدرة الحكومة على تحسين الأجور للقطاع العام، ما ينعكس سلبًا على مستويات الاستهلاك الداخلي ودوران رأس المال في الاقتصاد الأردني.
وانتقل العناني للحديث عن سوق السلع والخدمات، مبرزًا أهمية النظر إلى استهلاك السلع وإنتاجها بطرق أكثر استدامة.
كما أشار إلى أن العديد من الصادرات الأردنية تعتمد على المواد الأولية مثل الفوسفات، ما يقلل من فرص توفير وظائف للأيدي العاملة المحلية؛ نظرًا لاعتماد هذه الصناعات على التكنولوجيا والآلات بدلاً من العمالة البشرية.
ولم يقتصر حديث العناني على الجوانب الاقتصادية الداخلية فقط، بل تطرق إلى التحديات الخارجية التي تؤثر على الاقتصاد الأردني، كالأزمات العالمية مثل جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، مشيرًا إلى أن هذه الأحداث لها تأثيرات متزايدة على الاقتصاد الأردني، الذي يعتمد بشكل كبير على الواردات، ما يضعف قدرته على التكيف مع التقلبات في أسعار السلع الأساسية كالقمح.
وأكد العناني على ضرورة تطوير الدراسات الاقتصادية في الأردن لتمكين الحكومة من اتخاذ قرارات أفضل قائمة على معلومات دقيقة وتحليلات مبنية على دراسات استشرافية.
وأوضح أن التكنولوجيا قد ساهمت في تحسين دقة الدراسات الاقتصادية، معتبراً أن العالم أصبح يعتمد على البيانات اللحظية والمتجددة، مما يحتم على الأردن الاستثمار في قدرات بحثية أقوى للتمكن من التكيف مع التحديات المتزايدة التي تواجه الاقتصاد.
وفي ختام الجلسة، شدد العناني على أهمية إعادة النظر في السياسات الاقتصادية والتركيز على تعزيز قطاع الأعمال ودعم الابتكار في مجال الصناعات التحويلية لزيادة فرص العمل وتقليل الاعتماد على الدعم الخارجي.
وأشار إلى أن معالجة مشكلة البطالة يجب أن تكون من أولويات الحكومة، حيث ترتبط هذه المشكلة بالأمن الاجتماعي، خاصة مع ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، والتي تؤدي بدورها إلى زيادة معدلات الجرائم والحوادث الاجتماعية مثل انتشار المخدرات.
وأكد العناني أن المرحلة الحالية تتطلب نظرة شمولية للوضع الاقتصادي الأردني، وأن تكون الأولويات واضحة وموجهة نحو تحقيق استدامة اقتصادية واجتماعية.
كما دعا إلى تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص والعمل على تطوير بيئة تشجع الاستثمار المحلي وتوفر فرص عمل حقيقية للمواطنين، مشيراً إلى أن تجاوز التحديات الاقتصادية يتطلب جهوداً متكاملة من جميع الجهات الفاعلة في المجتمع.