جفرا نيوز -
علي ابو حبلة
نتنياهو مصاب الآن بجنون العظمة، ولم يبق ما يردعه ويعيده إلى صوابه، وذلك بعد سلسلة ناجحة من الاغتيالات المتواصلة الّتي أعادت الاعتبار لأجهزة المخابرات العسكريّة، الّتي كانت قد ضربت وساءت سمعتها، منذ هجوم السابع من أكتوبر الماضي.
يستعيد نتنياهو الآن صورته الّتي يحبّ، ولقب «السيّد أمن»، اليمين الخالص، القويّ، الحاسم، المخيف، المرعب، وتشير استطلاعات الرأي إلى عودة حزبه وعودته الشخصيّة إلى تصدّر القائمة الانتخابيّة، فيما لو جرت الانتخابات اليوم، فالنجاح يجلب النجاح، والشعب في إسرائيل متعطّش للعودة إلى شعور ما قبل السابع من أكتوبر، القلعة الحصينة الّتي لا تخترق، والقادرة على معاقبة كلّ من تسوّل له نفسه بالتطاول على ما تقضيه وتقدّره.
إعلان نتنياهو أنّه قادر على الوصول لأيّ نقطة في إيران، هو تصعيد في التهديد لضرب إيران، والذي يعني نشوب حرب أميركية-إيرانيّة، وهي فرصة نتنياهو، فأميركا تعلن استعدادها للدفاع عن إسرائيل في كلّ حالة، وما يريده نتنياهو هو جرّ أميركا لمواجهة مع إيران، وبهذا يحقّق حلم القضاء على محور الأشرار، ويعلن بدء عصر محور الطيبيّين.
وهذا يعني القضاء على أيّ شكل من أشكال المقاومة للمشروع الصهيونيّ الكبير، مهما كان شكله ومتصدّره، سواء كانت حماس أو حزب اللّه، أو الجبهات الديمقراطيّة، أو دعاة العصيان المدنيّ، فأيّ شكل من أشكال المقاومة للمشروع الصهيونيّ الكبير يجب أن ينتهي، والتوقّف النهائيّ عن فكرة الدولة الفلسطينيّة وإلى الأبد.
فقد وقف رئيس حكومة اسراائيل ، بنيامين نتنياهو، على منبر الأمم المتحدة ليعلن الانتصار على محور المقاومة، متوعداً إيران على رأسه، مؤكداً قدرته على استهداف أي هدف داخلها إذا استمرت في دعم المقاومة وتحركت ضد «إسرائيل». ولإثبات ذلك، نفذ اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران، وقصف القنصلية السورية في دمشق حيث كان في ضيافتها، مُرسلًا بذلك رسالة واضحة لإيران وحلفائها بأن يد «إسرائيل» قوية. وأضاف نتنياهو أن «أمن إسرائيل» واسع، رغم تعرضه لاهتزاز خلال عملية «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر من العام الماضي. ومع ذلك، أكد أن إسرائيل استعادت المبادرة في غزة التي دمرت، وتسعى لتكرار السيناريو نفسه في لبنان، مشدداً على أن المقاومة لن تمنع إسرائيل من الاستمرار في البقاء.
وأوضح نتنياهو أن الهدف الاستراتيجي لحربه هو تحقيق «الشرق الأوسط الجديد»، وهو المشروع الذي ابتدعه شيمون بيريز وتبناه الرئيس الأميركي جورج بوش الابن تحت مسمى «الشرق الأوسط الكبير». هذا المشروع، الذي تكرس في الحرب الإسرائيلية على حزب الله في 2006، شهد مراحل متعددة من التقدم والتراجع، لكنه بقي يهدف إلى الحفاظ على وجود الكيان الصهيوني.
وقد سعت الإدارات الأميركية المتعاقبة، سواء الديمقراطية أو الجمهورية، إلى دعم هذا المشروع، حيث تُعد «إسرائيل» الحليف الأساسي للولايات المتحدة في المنطقة، والتي تقدمها كنموذج للديمقراطية في المنطقة . وأعاد نتنياهو التأكيد على هذا المفهوم أمام الأمم المتحدة، مذكراً بأنه عرض الموقف نفسه أمام الكونغرس الأميركي، مشدداً على أن «إسرائيل» هي خط الدفاع الأول عن الدول الديمقراطية في مواجهة «دولة الشر» إيران.
وأشار الى سوريا واعتبرها بأنها ما زالت جزءا من محور ما أطلق عليه « محور الشر « ، رفضت الانضمام إلى الدول التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل رغم الإغراءات الكبيرة. لذلك، يسعى نتنياهو لتوسيع الحرب بهدف القضاء على المقاومة وتحقيق السلام والازدهار.
نتنياهو قدم هذا المشروع كجزء من خطة أوسع لتحقيق «إسرائيل الكبرى»، التي يسعى إليها منذ «سايكس - بيكو» عام 1916، مروراً بوعد بلفور 1917، وتأسيس الكيان الصهيوني عام 1948، ثم توسع الاحتلال عام 1967. واليوم، تسعى إسرائيل من خلال الحرب الحالية إلى إعادة تشكيل المنطقة وفقاً لرؤيتها.
الشرق الأوسط الجديد الذي يريده الفلسطينيون والشعوب العربية يختلف بالضرورة عن ذلك الذي يريده نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف الحاكم. والمسافة بين ما يريده الطرفان شاسعة، ولا يمكن تجسيرها بجسور عسكرية مؤقتة، إلا بقبول الطرف الثاني بمبدأ حق تقرير المصير، وحق الفلسطينيين في العيش في دولة فلسطينية مستقلة. وإذا لم يتحقق ذلك، فإن أي شرق أوسط يبرز من هذه الحرب، أو التي تليها، لن يختلف عما كان إلا في تفاصيل صغيرة، يمكن محوها.
الحروبُ ليست حلاً، ولن تكون. هذه حقيقة تمتلئ بها كتب التاريخ. وهذا ما يجب أن يدركه نتنياهو وغلاة المتطرفين من التجارب الماضية وأكثر من الصراع العربي - الإسرائيلي. ذلك أن كل حرب تقود إلى أخرى، طالما بقيت الأسباب.
الشرق الأوسط الجديد، المعني في تصريح نتنياهو، ليس سوى وجه آخر لمشروع شمعون بيرس للشرق الأوسط الاقتصادي وهو سراب سرعان ما يزول. الفلسطينيون تعرضوا طوال تاريخهم لضربات كثيرة موجعة، لكنهم لم يستسلموا. والقادة الإسرائيليون العسكريون منهم والسياسيون وفي مقدمتهم نتنياهو لا تخفى عليهم هذه الحقيقة. وعليهم مراجعة الحسابات.