جفرا نيوز -
بشار جرار
وفقا لقياس سلامة النظر، المعتمد من قبل أطباء العيون، فإن العلامة الكاملة هي «عشرين على عشرين». هكذا يرى المحب والمنصف نتائج انتخابات مجلس النواب الأول بعد جهد وطني مؤسسي أتى بمبادرة ورعاية ملكية سامية أرست قواعد إطلاق عملية التحديث الشامل والعميق، تحديث حقيقي راشد ، لا مجرد تغيير ترقيعي أو تجميلي. تطوير لا يكتفي بالتحديث الشكلي للنشاط السياسي، وذلك استنادا إلى معرفة ودراية بأن السياسة هي حاصل تحصيل تفاعلي بين مكونات وآليات كثيرة في مقدمتها الاقتصاد والاجتماع والتربية والتعليم والثقافة، وربما أكثر من كل ما تقدم، الجانب الروحي والحضاري لما شهده الأردن من حضارات عبر التاريخ، ومملكة تواصل مسيرها في خطى ثابتة -وثّابة كلما توفرت أسباب الأمان والنجاح- في مئوية ثانية واعدة.
المهم الصورة الكاملة للمشهد في جميع أبعاده. قد يغرق البعض -بعض الداخل والخارج- في تفاصيل كتلة هنا ومقاعد هناك، لكن المهم والأهم يكمن في أن المهمة الرئيسية قد أنجزت من حيث إجراء الانتخابات في موعدها وفي أعلى درجات الشفافية والنزاهة والحياد والعدالة.
قبل كل شيء وفوق كل شي، تم إسقاط مقولة بعض المرجفين المتوجسين من التأثير الإقليمي المعطل أو المعيق لقرارات الأردن السيادية فيما يخص سياساته الداخلية والخارجية. التحدي الوطني بإقامة هذا العرس الانتخابي وسط كل هذه المآسي، يعزز ثقة الأردنيين بأنفسهم ومن بعد يعزز ثقة العالم بالأردن قيادة ونظاما ومؤسسات وشعبا.
لا غول ولا بعبع ولا ضبع، يؤثر على مسيرتنا المستمرة، كلها هواجس مرضية قابعة في عقول خاوية وصدور وأنوف متورمة جحودا وحقدا وحسدا على الميزة الأردنية الأولى -الفريدة في كثير من المعايير- وهي القدرة على تحويل الضغوط -حتى وإن كانت جمرا و نارا- تحويلها إلى عامل تطهير وإنضاج. نار الضغوط الموجودة -والمعروفة لدينا جميعا- والتي قد يأتي المقام أو الأوان المناسب لذكرها بالتفصيل الدقيق لا الممل، تلك النار تساعدنا جميعا -الأردنيين ومحبي الأردن من الأشقاء والجيران والأصدقاء والحلفاء- على تطهير ذهبنا الخالص من أي شوائب، وفي الوقت نفسه تنضج تجاربنا الانتخابية، وما هي إلا وسيلة لما هو أهم وهي الديموقراطية، وما هو أجلّ، أمن المملكة الأردنية الهاشمية وأمانها وسيادتها ومنعتها ورفاهها ورسالتها.
أما وقد كان «التمام على خير»، فقد انتهت مرحلة وبدأت أخرى. قبل هذه الأخيرة وحتى تنطلق على بركة الله بلا منغصات، يقتضي الواجب التوقف عند بعض المشاهدات. سامح الله القائمين على بعض وسائل الإعلام العربية أو الناطقة بالعربية من أصدقائنا في العالم، بمن فيهم أولئك المحبون والمنصفون، أقول سامحهم الله، فثمة تكرار لخطأ يقترب من براثن الوقوع في خطيئة، وهي تلك السرديات التي تروج لها مراكز «أبحاث» ووسائل إعلام تعتبر نفسها «حرة ونزيهة» تعمل دائما على التهويل والتحجيم وأحيانا على الوقوع سهوا أو عمدا في جريمة التزوير التي تفضي إلى شكل من أشكال التحريض والتحشيد الذي يصب في نهاية نهايات تلك السرديات من الاسطوانات المشروخة في خدمة أطراف هي بالتأكيد ليست أردنية. ولا أريد ذكرها حتى لا يؤخذ الأمر بعيدا إلى خارج سياق المراد التصدي له من على هذا المنبر الكريم.
أرقام وإحصائيات «ما أنزل الله بها من سلطان» هذه حول التعداد السكاني أو التركيبة السكانية، وتلك حول التأييد السياسي أو الثقل الانتخابي، ومرويات تستند إلى «قال وقلنا» -بلهجات عدة- تلمحها حتى ولو صيغت باللغة العربية الفصيحة، ومشاهدات قائمة على استغباء المستهدفين بتقنيات الاستذكاء الاصطناعي عبر منصات «التناحر والتنمر» الاجتماعي والسياسي، وتعليقات الاستدراج إلى أرض حرام أو أرض خلاء -السداح المداح- لغايات «في نفس يعقوب» لا تريد في حقيقة الأمر انتخابات ولا ديموقراطية ولا خيرا، لا للأردن ولا لفلسطين التي ما زال البعض يصر على المتاجرة بقضيتها زهاء قرن على حساب ما تبقى من الأرض ومن ثبت عليها بعد حروب ومغامرات ومقامرات تكاد لا تهدأ حتى لتثور من جديد.
البرلمان الجديد في العبدلي إلى جوار مسجد الشهيد الملك عبدالله الأول طيب الله ثراه شهيد الأقصى المبارك، برلمان الأردنيين جميعا بمن فيهم أولئك الذين -سامحهم الله ولا عذر لهم- غابوا عن أداء واجب التصويت لأي كان صوتهم حتى وإن صب فيمن يظنون الاكتساح والاستحواذ استباقا لفهم قواعد اللعبة البرلمانية والديموقراطية عموما. إن القسم الجامع بين جميع النواب الجدد -على اختلاف ما يمثلون من أحزاب أو مناطق أو دوائر- هو خدمة الأردنيين كافة في الوطن والمهجر، ولعله يأتي اليوم الذي نمارس فيه كأردنيين حقنا ليس فقط بالاقتراع بل وبالترشيح أيضا.
المعيار ليس المهد ولا هو باللحد ما دامت الروح ساكنة في الوطن مسكونة بأحلامه وهمومه. ما دامت البيعة للملك وحده والولاء للأردن أولا وآخرا. هذه هو معيار المواطنة لكل مواطن «عادي» -واحد من الناس- فما بالك بعضوية حزب، نقابة، حكومة أو برلمان؟ المعايير والضوابط قطعا أكثر قوة وحسما في تأكيد تلك المواطنة وذلك الولاء والانتماء.
بعض المظاهر الاحتفالية ومناسبات اجتماعية أخرى قبل أيام، كان سيئة مسيئة، مقيتة مدانة، تمادت على ما احتملناه أحد عشر شهرا من استفزازات تستوجب المساءلة والمحاسبة القانونية، ترافقها مكاشفة ومصارحة إعلامية جريئة تضع النقاط على الحروف، وتنهي بإحداها آخر سطر من سطور ما قبل افتتاح البرلمان العشرين، حتى تكون الرؤية «عشرين على عشرين»..