جفرا نيوز -
بقلم - د. طارق سامي خوري
إذا تأملنا في نتائج الانتخابات البرلمانية الأردنية، وقرأنا ما بين سطورها من مؤشرات ودلائل، وقد حصل فيها الإسلاميون على نحو ربع مقاعد البرلمان، بنحو نصف مليون صوت، نجد أنّها في جانب من جوانبها، انعكاس لغضب الشارع الأردني، والعربي عموماً، الذي يغلي فوق صفيح العدوان المستمر على غزة منذ عشرة أشهر، وسط دعوات إلى الوحدة الإسلامية في مواجهة العدوان والذود عن المقدسات في فلسطين، لا سيما المسجد الأقصى.
هذا على الصعيد العربي والإسلامي العام، ولكن ماذا عن الداخل الأردني والوضع السياسي وكيف يصرف هذا الثقل الإسلامي في التشريع والحكومة وإدارة شؤون البلاد والعباد؟
تطرح نتائج الانتخابات النيابية في الأردن جملة أسئلة ومفارقات لا بدّ أن يتنبّه إليها الجميع، وبالدرجة الأولى، نسبة المقاطعة المرتفعة جداً والمستمرة منذ دورات عدة، وهذا مردُّه إلى شبه قناعة منتشرة في أوساط الرأي العام بعدم القدرة على تغيير الواقع الحالي ولو بالحدّ الأدنى، لا سيما لناحية الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية هذا إذا لم نتحدّث عن ألاوضاع السياسية.
هذه المقاطعة أو هذا العزوف عن المشاركة وغيرها من العوامل، أدّت جميعها، بشكل من الأشكال، إلى هذا الفوز اللافت للتيار الإسلامي، الذي لا ننكر أنه يحظى بتأييد داخل المجتمع الأردني، لكنّ فوزه بهذا الحجم، لا يعكس قوته أو شعبيته الواسعة، بقدر ما يعكس هشاشة الجبهة المنافسة، بل تشتتها وغياب الرؤى والمشاريع والأحزاب الحقيقية المؤثرة ومؤسسات المجتمع المدني.
الشعب بحاجة إلى من يحمل أمانة تمثيله بكل صدق وإيصال صوته ومطالبه إلى السلطة التشريعية المسؤولة عن تقرير شؤونه اليومية المعيشية وسن القوانين التي تسهل حياته، هذا هو دور النواب، رعاية شؤون الناس وحمل همومهم، على قاعدة "خيركم للناس أنفعكم للناس".
الشعب بحاجة إلى التعبير عن أمانيه وعن توجهاته، تعبيراً جريئاً و واقعياً، وعن كل ما يخطر في باله، وعن موقفه من القضايا والتطورات السياسية المحلية الداخلية، وما يجري في محيطه، وهذا لن يتم إلا بعد استبدال الوجوه المهترئة المستهلكة المهزومة الفارغة، بشخصيات مقبولة لدى الشعب وصادقة معه، شخصيات ناجحة ومُحبّة للوطن من دون مقابل، وليس طمعاً في منصب من هنا أو موقع من هناك.
على الدولة بأجنحتها المختلفة، تغيير استراتيجية التعامل مع النشطاء السياسين وأصحاب الرأي وتقريب وجهات النظر وإعطاء الفرصة للتنوع الحزبي، وأمامنا فرصة أربع سنوات، حتى الانتخابات المقبلة، لتغيير أدوات التعاطي مع هذا الاستحقاق الهام لإيصال أعضاء فاعلين إلى البرلمان يمثلون الشعب والوطن خير تمثيل.
من هنا يبدأ الإصلاح الحقيقي الذي يحصّن الوطن ويزيد من منعته، في وجه ما يحاك لبلدنا ولمنطقتنا من مشاريع ومؤامرات.