جفرا نيوز -
محمد خروب
استكمالا لمقالة أمس الثلاثاء, التي أضأنا فيها على تصريحات الرئيس التركي رجب طيّب اردوغان, ودعوته المثيرة الى قيام «تحالفٍ إسلامي» لمواجهة النهج «التوسّعي» للكيان الصهيوني, حيث كان لافتا غياب ردود فعل الدول والعواصم ذات الصلة بهذه الدعوة, التي لم تُطرح سابقا, سواء منذ بدء حرب الإبادة الجماعية والتجويع والتهجير, التي يشنها تحالف الشر الصهيو أميركي, على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية, أم خصوصا قبل ذلك بكثير, كون النهج التوسّعي الاستيطاني الاستعماري الصهيوني, ليس جديدا على الكيان العنصري, بل هو معروف لدى الرئيس التركي كما كل قادة الدول الإسلامية, منذ 76 عاما إنقضت على النكبة التي ألمّت بالشعب الفلسطيني.
نقول: استكمالا لعجالة أمس, برزت خصوصا في تصريحات اردوغان موضوع معالجتنا, مسألة ذات «دَوِيّ» خاص, في ظل سيل التصريحات التي لا يتوقف الرئيس التركي, كما معظم وزراء حكومته وأبرزهم وزير الدفاع الجنرال يشار غولر عن إطلاقها, ونقصد هنا إشارة إردوغان الى قيام (محور «تضامُني ثلاثي").. تركي, مصري سوري. الأمر الذي بدا وكأنه «البديل» التركي «المُفضل» على مُقترح اردوغان غير القابل للتنفيذ, بل الوهمي, عن إيجاد «تحالف إسلامي», ينهض بمهمة «مواجهة النهج التوسّعي» لدولة العدو الصهيوني, وإدراك اردوغان نفسه قبل أي أحد آخر, ان «غالبية» الدول الإسلامية او تلك التي تنتظم تحت هذا التصنيف, هي صديقة بل حليفة «استراتيجية» للولايات المتحدة, وعبرها الى الكيان الصهيوني, على نحو تحتل فيه المسألة الفلسطينية, مرتبة «دنيا» على جدول أعمالها.
فهل ثمة فرصة لقيام محور «تضامني ثلاثي», كما قال أو تمنّى وروّجَ.. إردوغان؟
من السذاجة الاعتقاد ان قطيعة مجبولة بالدم والتفجيرات, واختراق السيادة والحدود وتمويل الجماعات الإرهابية, وشن حروب وغزوات أسفرت عن «احتلال» تركي, لمساحات شاسعة من الأراضي السورية, يمكن ان تُزيل بشطحة قلم او تصريح سياسي عابر ومُفخخ, مرارات واستحقاقات عقد ونيّف من انعدام الثقة ونهج التوسّع والوصاية, والتدخّل في الشؤون الداخلية السورية, حتى في ظل الأحاديث العلنيّة وتلك التي يتم تسريبها على نحو مقصود بين حين وآخر, عن قرب «الولوج» الى «مُصالحة", او ما بات يُعرَف في قواميس العصر الصهيو ــ عربي بـ"التطبيع».
من هنا فإن أحدا لا يستطيع المُضي قدماً في الحديث عن «محور» ثلاثي تركي مصري سوري كـ(مُقترح تركي), قبل التأكد من أن «مُصالحة» او تطبيعاً, قد تم او في طريقه الى ذلك بين دمشق وأنقرة, خاصة ان أحاديث وتصريحات متداولة تشي بأن «موسكو", قد ألقت بثقلها في هذا الاتجاه مؤخرا, على النحو الذي برزَ في تصريحات رئيس الدبلوماسية الروسية المخضرم سيرغي لافروف, الذي لم يتردّد في القول: ان موسكو مُهتمة بتطبيع العلاقات بين شركائها في دمشق وأنقرة، مؤكداً أن «اجتماعاً جديداً سيُعقد في المستقبل القريب». مضيفا في مقابلة على قناة «روسيا اليوم»: «بِشقّ الانفس تمكّنا (العام الماضي/2023) من عقد مباحثات حاولنا عبرها «بحث شروطٍ» تُساهم في الوصول إلى تطبيع العلاقات بين سورية وتركيا، وكانت المباحثات ــ تابعَ لافروف ــ مفيدة, رغم أننا «لم نتمكن» من الاتفاق على المضي قدماً. مُستطرِداً: «تعتقد الحكومة السورية أن الاستمرار في عملية التطبيع, تتطلب تحديد إجراءات انسحاب القوات التركية من سورية. أما الأتراك ـ لفت لافروف ـ فهم مستعدون لذلك, ولكن «لم يجرِ الاتفاق على معايير مُحددة حتى الآن». مُحذراً إنه"من الضروري التحضير الآن لاجتماع جديد روسي- سوري- تركي- إيراني».
ماذا كان » تعليق» الخارجية التركية على تصريحات لافروف؟
إنبرى مُتحدث الخارجية التركية/ أونجو كجلي, عبر صحيفة «ديلي صباح» التركية الناطقة بالإنجليزية، مُعلقا على كلام لافروف بالقول:إن أنقرة «تُرحب بجهود موسكو لتطبيع العلاقات بين تركيا وسورية بعد سنوات من التوتر». مُضيفا: «نريد أن نرى سورية حيث يعود شعبها و«تعيش في سلام مع سكانها»، مع تحقيق «تسوية وطنية حقيقية»، واتخاذ خطوات في نطاق «المطالب والتوقّعات المشروعة, المذكورة في قرارات مجلس الأمن الدولي».
مُستطرِدا: «نحن نهدف إلى هذا، ليس فقط لتركيا، ولكن لـ"سورية التي تصدّر الاستقرار بدلاً من عدم الاستقرار لمنطقتها»، والتي يتطور اقتصادها على أساس المنفعة المتبادلة، وتعزز ازدهار شعبها، ولهذا يجب بذل الجهود لتنفيذ ذلك بـ"نوايا حسنة، دون شروط مُسبقة وبنهج واقعي»، وستستمر الجهود لإعداد الأرضية اللازمة في هذا الإطار».
فهل ثمة ما ينبئ بأن انقرة تخلّت او في طريقها للتخلي, عن مشروعاتها التوسعية في الأراضي السورية؟. حتى في ظل أحاديث ــ لمّا تزال خجولة ــ عن العودة لـ"إتفاق أضنة» المُوقّع عام/1998, في ذروة توتر بالعلاقة بين أنقرة ودمشق، بسبب ما قيل عن دعم الأخيرة لحزب العمال الكردستاني (PKK)، العدو الأبرز للجيش التركي, رغم تسريبات «تركية» تتحدث عن ان أنقرة «تريد تعديلاً» على هذا الاتفاق, يتيح لها (التوغل أكثر) في العمق السوري, لتبديد أي مخاوف أمنية.