جفرا نيوز -
الاستاذ الدكتور عبدالله سرور الزعبي
في مقال سابق تحت عنوان "شرارة اشتعال فتيل الانتفاضة الفلسطينية الثالثة" والمنشور بتاريخ 29/8/2024 كنت قد اشرت الى ان معظم العمليات العسكرية الاسرائيلة التي نفذت خلال العقود الاخيرة ضد الفلسطينين كانت تحمل دلالات توراتية، وها هو رئيس وزراء اسرائيل، نتيناهو وهو المتعمق في التطرف اليهودي يدلي بتصريح اخر له نفس الدلالة عن محور فيلادلفيا، قائلاً " سنبقى هناك ل 40 عاماً".
ان نتيناهو في تصريحيه البقاء في معبر رفح على حافة الصحراء الفلسطينيه وعلى حدود سيناء، ما هو الا تذكيراً لليهود المتطرفين بالتيه اليهودي في صحرائها والذي تشير التوراة الى انه استمر ل 40 عاماً. الا انه قد يكون نسي بان التيه اليهودي لبني اسرائيل كان عقاباً ربانياً لهم على خطيئة كانوا قد ارتكبوها، بسبب قسوتهم وتمردهم وتصلبهم (كما هو في التوراة)، وهي المواقف التي يعلنها ويمارسها نيتياهو في سياسته المستمرة لتحقيق استراتيجيته والتي لم يحيد عنها خلال العقود الثلاثة الاخيرة.
ان موقف نتياهو من قضية محور فيلادلفيا ليس بالجديد، فهو الذي سبق له ان عارض الانسحاب منه ومن قطاع غزة في عام 2005، معتبره ذلك خطئية بحق الدولة، قائلاً انذاك "سوف نجد أنفسنا قريبًا مضطرين إلى العودة لغزة لمواجهة الإرهاب الذي سيكبر وينتشر"، ومن ذلك التاريخ وهويسعى للعودة للقطاع باية وسيلة كانت، وهو لم يخف هذا، قفد سبق له ان صرح ايضاً بانه كان دائما يفكر في العودة للقطاع، الا ان عدم وجود شرعية وغطاء دولي منعته من بذلك. فلجاء الى اعادة ترتيب اوراقه، مستغلاً التغيرات الجيوسياسية المتسارعه على الساحة العالمية وحالة الضعف العربي والفلسطيني، فنجح بشق الترابط الفلسطيني، وعزل الضفة الغربية عن قطاع غزة، كخطوة اولى، الامر الذي سهل على المتطرفين من التوسع في الاستيطان في الضفة للتعويض عن المستوطنات التي تم اخلائها من قطاع غزة، وفرض الحصار على القطاع بالكامل، وهو الذي يعلم بانهم لن يتحملوا الظروف الحياتية، مما سيدفع سكان القطاع الى الانتفاضة او الثورة، تمهيداً لتحقيق تنبواءته في عام 2005، واحد اهدافه الاسترتيجية الكبرى لاعادة الدخول الى القطاع وفرض واقع جديد، وهو الامر الذي حصل.
انه لمن السهل على اي من المراقبين لتاريخ المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينة خلال الثلاثة عقود الاخيرةن والتي كان نتيناهو لاعباً رئيساً فيها (منذ توقيع اتفاقية اوسلو، والتي تمت دون علم من الاردن او تنسيق معه، وهو الخطاء الاستراتيجي الذي ارتكبته منظمة التحرير انذاك بحق مستقبل القضية الفلسطينية) وخاصة بعد الوصول الاول لنتيناهو الى الحكم عام 1996، يرى ويقدم الحجج والاعذار للقيام بعمليات عسكرية، ظاهرها الطابع الامني، فيما هي بالحقيقة ايجاد مخارج للتخلص من اي التزام اتجاه الوصول الى اي حل نهائي للقضية، وهذا ما يذكرنا بما قاله اسحاق شامير بعد مؤتمر مدريد، بأنه ينوي جر المفاوضات لمدة عشر سنوات واغراق الضفة الغربية والقدس بالمستوطنين لتعطيل اي عملية سياسية للوصول الى حل للاحتلال، وهذا ما ينفذ على ارض الواقع. كما انه لمن الواضح ان الاسلوب نفسه يستخدم الان لافشال اي مفاوضات لوقف اطلاق النار، فكلما ظهرت بوادر اتفاق في المفاوضات (الدوحة، القاهرة، واشنطن،وروما وغيرها)، نجد ان الحكومة الاسرائيلية تلجاء الى ارتكاب المجازر، الواحدة تلو الاخرى لتعطيلها والبدء من جديد، واخرها الموقف المتصلب من قضية الانسحاب من محور فيلادلفيا.
ان نتيناهو، وباعلانه عن تمسكة في محور فيلادلفيا معتبراً ذلك مسألة وجودية واستراتيجية لا تنازل فيها (40 سنه على الاقل)، ما هو الا تمهيداً لاهداف اعظم، والتي منها، البقاء في المحور الى ان تتهياء الظروف لتنفيذ مخطط التهجير لسكان القطاع، والذي سبق وان اعلن عنه مسبقاً، الا ان هذا المخطط قد تم افشاله من قبل الموقف الاردني الصلب من عملية التهجير والمصري كذلك. كما ان بقاء اسرئيل في المحور على الاقل يضمن لها السيطرة بالكامل على الساحل الفلسطيني، مما يحرم الفلسطينين من التفكير في استغلال اي نوع من الثروات الطبيعية وخاصة الغاز في ساحل غزة (والتي قد تستخدم في اعادة اعمار القطاع)، او حتى الوصول الى تفاهمات مع بعض الدول الصديقة للقيام بذلك دون مشاركة اسرائيل فيها.
ان موافقة الفلسطينين والمجتمع الدولي على شرط بقاء اسرائيل في محور فيلادلفيا يمهد الطريق ايضاً للوصول الى هدف استراتيجي اخر وهو البقاء والتوسع بالمستوطنات ونقل المزيد من المستوطنيين المتطرفين لاراضي الضفة الغربية، وما نشهده اليوم من اعمال مسلحة يقوم بها المتطرفون من المستوطنيون اليهود والعمليات العسكرية في اراضي لاقتلاع جذور المخيمات الفلسطينية وتدمير للبنية التحتية وتجريف الاراضي الزراعية، الا تجسيداً لتنفيذاً احد الوصايا التوراتية "التوطين في ارض اسرائيل كاملة". ان مثل هذا الاجراء سيفرض واقع جديد في اراضي الضفة، يكون فيه الحكم للسلطة الفلسطينية على المدن والبلدات اشبه بالسطات المحلية فيها (ويجب ان لا يعتقد احد بان يقبل المستوطنين المتطرفين في اخلاء المستوطنات في اي يوم من الايام والقبول بحكم غير يهودي لهم، من منطلق انهم لم يهاجروا الى دولة اسرائيل ليعيشوا تحت حكم غير اليهود).
وهناك هدف اخرلنتيناهو، وهو المحافظة على الوضع القائم في الارضي الفلسطينية دون حل، ولاطول مدة زمنية ممكنه، وهو الذي يعتبر نفسه المخلص الجديد لليهود، والباحث عن تغيير الدولة من خلال تحقيق نصر كبير لاعادة رسم مستقبل الدولة (بحيث يتم تقسيم تاريخ دولة اسرائيل الحديث، الى ما قبل بن غوريون الموؤسس، وما بعد بن غويون وما بعد نتيناهو، والانتقال ايضاً من مفهوم اسرائيل العظمى اقتصادياً وتكنولوجياً وعسكرياً الى مفهوم اسرائيل الكبرى جغرافياً) متناسياً ان ما يجري في الاراضي الفلسطينينة، يدفع الفلسطينيون الى القيام بمزيدا من اعمال المقومة والتي بالتالي تهدد ليس فقط امن اسرائيل (من الواضح بان نتيناهو لا يهتم به بقدر الاهتمام بالمحافظة على حكومته، حتى ولو ادى الامر الى اشتعال حرب موسعة في المنطقة) بل امن المنطقة والعالم ككل.
ان مثل هذه الاجراءات والتي تمارسها الحكومة الاسرائيلية والخطر الذي تشكله على من المنطقة والعالم، سبق وان حذر منه جلالة الملك قادة دول العالم وكذلك المنمظات والهئيات الدولية، مطالباً بالضغط على اسرائيل للامتثال الى القانون والشرعية الدولية.
ان القيادة الهاشمية تعي جيداً هذه المخاطر، وتنتهج سياسة تقديم كل انواع الدعم للاشقاء الفلسطينين مع المحافظة على المصالح الاردنية، الامر الذي دفع الحكومة الاسرائيلية لتوجيه الاتهامات المختلقة للاردن، بهدف النيل من امنه واستقراره.
في مثل هذه الظروف الدقيقة والحساسة جداً، فانه من الواجب على كل الاردنيين الالتفاف جميعا حول القيادة الهاشمية والمحافظة على امن المملكة وعدم الاهتمام بما يصدر من تصريحات مهما كان نوعها سواء كانت صادرة عن الحكومة الاسرائيلية او غيرها في المنطقة واي جهات اخرى قد تسعى الى شن حملات اعلامية قد تكون مكثفة مستخدمة تطبيقات الذكاء الاصطناعي للنيل من الاردن واضعاف موقفه المدافع عن الحق الفلسطيني والداعي لقيام الدولة الفلسطينية وفقاً للشرعية الولية.
كما ان على الاردنيين، ومهما كانت الظروف الاقتصادية التي يعيشونها، دعم مسيرة اصلاح المنظومة السياسية من خلال الاقبال على الانتخابات اتي يستعد الاردن لاجراءها الاسبوع القادم، لاختيار الاشخاص القادرين على تمثيلم في مجلس النواب القادم والذي من المفترض ان يشكل نقله نوعية لمستقبل الدولة الاردنية.