جفرا نيوز -
د. ماجد الخواجا
يعيش العالم منذ بداية العقد الثاني من القرن الأول للألفية الثالثة أي من سنة 2010 حالة من الهلامية وتمويه الملامح وتعرية الأرواح عبر سيل جارف من التحولات في شتى المجالات.
وليس مقصوراً هذا الأمر على دول أو مجتمعات بعينها، فهو اجتاح العالم بأسره، فارضاً أنماطاً جديدة من الفهم والممارسات والاتجاهات، إنه عصر انهيار القيم والعلاقات وكافة أشكال التعاطف الوجداني.
مع بدايات الحراكات الشعبية التي ملأت الميادين العربية، فقد تهاوت منظومات اجتماعية عديدة، وتغيرت أدوار ومهام عديد من القطاعات وفي مقدمتها الإعلام بكافة وسائله، الفكر، الأدب، التعليم، الثقافة، والفنون.
عند الفنون نتوقف لنتأمل المشهد الذي واصلت بثّه قنوات التلفزة والسينما العربية .
أولى الملاحظات أن كثيراً مما يتم بثّه لا يتوفر له أي محتوى ذي قيمة اجتماعية أو إنسانية، فلا حبكة ولا موضوع ولا غاية خارج سياق العائد المادي. فيما تكتظ تلك الأعمال بالمشاهد المسفّة غير الأخلاقية إلى درجة الفجور.
كما أن كمية الألفاظ المعيبة والدارجة بين عوام المجتمع أصبحت بمثابة اللغة السائدة في تلك الأعمال، حتى اعتدنا على سماع الردح الرخيص والشتائم القذرة باعتبارها جزءاً عضوياً من العمل. شتائم بمستوى حاراتي شوارعي لا تسمع مثلها إلا عند أراذل البشر.
يضاف إلى ذلك انحدار مزري في بنية العلاقات العائلية، فلا كرامة لكبير أو لأب أو لعجوز، لا هيبة ولا حضور. ناهيك عن الترويج المشبوه لعلاقات محرّمة وغير بريئة اقتحمت حرمة العائلة واستباحة صونها.
وإذا أحلنا النظر لأعمال فنية أخرى، سوف نشاهد مقاطع فظيعة مكتظة بالشرور، والدماء والقتل، وعدم مراعاة حرمة النفس والإنسانية، والذرائع جاهزة بأنها تصف حالة المجتمع المرتهن للتنظيمات الإرهابية.
وفي مشهد ثالث لا نرى فيه غير أعمال أخذت شكل أجزاء متتالية على مدار السنوات تقتحم بيوتنا ووجداننا وعقولنا بترهات وخزعبلات وأحداث متخيّلة مبالغ فيها إلى درجة الهذيان الفني، تعيش ونعيش معها حالة من الانفصال عن الحياة والمجتمع، نعيش معها حالة من الفصام والهستيريا الفنية التي تصوّر أشياءً ومواقف وممارسات لا يمكن لها أن تحدث في الواقع.
أما المشهد الرابع فيتمثل بشيوع الدجل والنصب عبر قنوات عديدة بدعوى التبرّع لسقيا ماء أو لبناء مسجد أو لعائلة فقيرة أو لمريض يتم التسوّل من خلالها طيلة الوقت.
فيما المشهد الخامس يظهر لنا الخلاعة تتجلى بأقبح صورها عبر تسليع المرأة واعتبارها مجرد آلة جنسية متحركة في سبيل تحصيل العوائد المادية المجزية.
إنه عصر نهايات كثير من القواعد والمبادئ التي كانت سائدة على مدار عقودٍ من الزمن. نهايات الفنون والآداب والأخلاق والقيم والعلاقات الاجتماعية والعائلية. ربما الصورة ليست بهذه الدرجة المفرطة من السلبية، ربما أن طبيعة المرحلة تطلبت ذلك، لكن في جميع الحالات لا بد لنا من التأشير على السائد من المظاهر التي قد تأخذ شكل الظواهر في حال استمرت وتوطدت لتصبح بمثابة المعاش المعتاد المألوف.