جفرا نيوز -
إسماعيل الشريف
نسبة الضحايا المدنيين إلى المقاتلين في غزة هي الأدنى في حرب المدن الحديثة – نتن ياهو منذ اليوم الأول للحرب، حدد العدو الصهيوني أن أهداف الحرب هي القضاء على حماس وإطلاق سراح الأسرى. وبعد تسعة أشهر، أصبحت أهداف الحرب تتمثل في إطلاق الأسرى وإضعاف حماس بحيث لا تكون جزءًا من حكم غزة بعد انتهاء الحرب، وأن لا تشكل خطرًا مستقبليًا على الكيان الصهيوني.
بشكل واضح وصريح، ستبقى حماس وستشكل تهديدًا مستقبليًا على الكيان، خاصة بوجود عدد كبير من الأطفال الذين فقدوا أهلهم. هؤلاء الأطفال سينضمون إلى حماس أو غيرها من الفصائل المقاومة، وسيكونون الحاضنات المستقبلية لهم، وسيخرج جيل أكثر بأسًا من سابقه.
كنا نعتقد مخطئين أنه تم تدمير كافة الأنفاق بين صحراء سيناء وغزة، لكن تبين أن الأنفاق ما زالت موجودة ويُهرب السلاح عبرها إلى غزة، وأن دولًا عربية كانت تمول حماس بمعرفة الكيان. الهدف من ذلك هو أن تكون حماس ذريعة لعدم استقرار المنطقة ومنع قيام الدولة الفلسطينية وكيان منافس للسلطة الفلسطينية. فالكيان سيفض بالقوة أي وحدة فلسطينية، كما حدث عام 2014 عندما شكلت حكومة تكنوقراط فلسطينية لم تضم أيا من رجال حماس، وكان الهدف المعلن كما هو اليوم القضاء على حماس.
يُقدر عدد مقاتلي حماس بين 30 ألفًا إلى 40 ألفًا. يفتخر الكيان بأنه قتل عشرة آلاف مقاتل بعد تسعة أشهر، أي ثلث مقاتلي حماس بأفضل تقدير. ومع ذلك، قد تكون الأرقام أقل بكثير من ذلك، حيث تقدر هيئة الإذاعة البريطانية أن الأرقام المؤكدة التي اعترف بها جيش الاحتلال وحصلت عليها من قناة تلغرام الرسمية للجيش الصهيوني هي 74 مقاتلًا فقط.
عدد الشهداء تقريبًا 38 ألف شهيد، 70% منهم من الأطفال والنساء. ويبقى حوالي 11,400 شاب ورجل، ولو افترضنا أن ثلثهم من مقاتلي حماس، فإن التقديرات لن تتجاوز أكثر من 3,300 شهيد من حماس. هذا يعني أنه مقابل كل شهيد من حماس، هناك 11 مدنيًا، ومقابل كل شهيد من حماس، هناك على الأقل خمسة أطفال. وقد رأينا في عملية تحرير أربعة رهائن استشهاد أكثر من 275 مدنيًا، جلهم من الأطفال والنساء.
وإذا أراد الكيان القضاء على حماس، فعليه قتل نصف مليون غزي، أي ربع السكان!.
تم إسقاط قنابل غبية في هذه الحرب أكثر من القنابل التي ألقيت على هيروشيما، ومع ذلك لم يتم القضاء على حماس. لذلك نحن أمام افتراضين: الأول هو أن حماس قوة عظمى، والثاني هو أن الهدف ليس حماس، وإنما الإبادة الجماعية للسكان!.
منذ بداية الحرب، حاول الكيان دفع السكان إلى صحراء سيناء، فقال نتن ياهو: «سأجعل غزة جزيرة مهجورة»، ولكنه جوبه بمعارضة مصرية صلبة. بالطبع، للكيان تاريخ طويل من تهجير الفلسطينيين، فكان من نتائج النكبة تهجير 750 ألف فلسطيني، و300 ألف في النكسة.
وهناك عشرات التصريحات من كبار الساسة الصهاينة التي تتحدث عن أن هدف العدوان هو القضاء على الفلسطينيين، وهذه نماذج منها:
·في منتصف تشرين الأول 2023، قال رئيس الكيان، يتسحاق هرتسوغ، في مؤتمر صحفي: «إن الأمة بأكملها هي المسؤولة. الحديث عن عدم تورط المدنيين غير صحيح، وسنقاتل حتى نكسر عمودهم الفقري.».
·قال رام بن باراك، نائب مدير الموساد الإسرائيلي السابق، متحدثًا عن سكان غزة البالغ عددهم 2.5 مليون نسمة: «دعونا نوزعهم في جميع أنحاء العالم.».
·قال بتسلئيل سموتريش، وزير المالية الصهيوني: «إذا كان عدد العرب في غزة 100 ألف أو 200 ألف وليس مليونين، فإن المحادثة برمتها في اليوم التالي للحرب ستبدو مختلفة». وفي مناسبة أخرى يقول: «هناك مليونا نازي في غزة.»
طالب عدة سياسيين صهاينة بإلقاء قنبلة نووية على غزة، أبرزهم وزير التراث الصهيوني الذي يعتبر من المعتدلين!
اعتبر الإرهابي بن غفير أن الحرب فرصة لترحيل سكان غزة.
اعتبر جالانت وزير الدفاع أن سكان غزة حيوانات يجب قطع المياه والكهرباء والغذاء عنهم. ونتن ياهو استدعى أكثر النصوص التلمودية دموية.
·دعا العقيد أورين زيني، وهو مسؤول عسكري صهيوني كبير، إلى استئصال الفلسطينيين في غزة عندما قال: «نحن بحاجة إلى ضرب العدو بالضربات العشر، لمحو ذكرى عماليق.»
عندما قرر الكنيست الصهيوني مؤخرًا رفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية، قال أحد أعضاء الكنيست الإسرائيلي، متحدثًا إلى أعضاء الكنيست الفلسطينيين: «سوف تموتون، وسيموت أحفادكم، ولن تكون هناك دولة فلسطينية.»
لذلك ارتكب الكيان مئات المجازر بحق أهل غزة، واستهدف المستشفيات والمدارس والبنية التحتية وسيارات الإسعاف والأطباء والبيروقراطيين، وحاصر وجوّع أهل غزة وقتل اربعين رضيعا في الحاضنات دفعة واحدة ودمر خزانات المياه. ولعل أبلغ وصف ما قاله جوزيب بوريل: «غزة هي أكبر مقبرة مفتوحة.»
أما لماذا تحدث هذه الإبادة الجماعية؟
فالكيان الصهيوني هو مشروع استيطاني لا يختلف عن الولايات المتحدة، يعمل على إحلال السكان الأصليين بالمستوطنين، وهذا لا يتأتى إلا بإبادتهم. ثم إن الكيان هو القاعدة العسكرية المتقدمة للولايات المتحدة التي تتطلع إلى سرقة غاز غزة وشق قناة بن غوريون التي ستضمن تفوق قاعدتها، بالإضافة إلى بناء المستوطنات في غزة لاستقبال آلاف المستوطنين الجدد.
على مدى تسعة أشهر، رأينا أولاد عمومتنا يُذبحون ويُجوعون بسلاح ودعم أمريكي.