جفرا نيوز -
أكد الكاتب سامح المحاريق في صحيفة الرأي اليومية أن حادثة ماركا الجنوبية جرس تحذير في الوقت المناسب.
وجاء في نص مقاله:
كانت المقولة الكلاسيكية المتداولة حول تجارة المخدرات تؤكد على أن الأردن دولة ممر، لا مستقر، وبكلمات أخرى، وسيلة لا غاية، وكان ذلك يعتمد على طبيعة السوق الأردني والهيكل الاجتماعي الذي يمكن أن يستهدف من تجارة المخدرات، ولكن السنوات الأخيرة حولت الأردن إلى سوق مستهدف بذاته، فالأردن لم يعد دولةً قليلة السكان، ولا ينفصل بمشكلاته وأزماته عن سياقات أوسع بعضها عالمي وكثير منها إقليمي.
هل يمكن تطبيق الأمر نفسه على التهديدات الإرهابية؟ وبأي منطق أو تصور كلي يمكن أن يوصف الاستهداف الموجه للأردن؟ هل الأردن غاية في الاستهداف، أم ينظر له كوسيلة لغايات أخرى؟
باستثناء (إسرائيل) فليس للأردن عداءات تاريخية عميقة تتطلب ضغوطات تكتيكية أو ثارات استراتيجية تشبه التي تهدد تركيا على من حزب العمال الكردستاني، وربما من جهات أخرى، قد تطور ردود أفعالها لتهديد الدولة التركية، كما أن الأردن يخلو من أزمات الأقليات التي يمكن أن تمارس العنف لإثبات وجودها أو لفت العالم لقضيتها أو معاناتها، ولذلك يجب القول أن الاستهداف الموجه للأردن يعد فوضويًا في تركيبته، وهذه مشكلة بالغة الخطورة، فالفعل المنظم يمكن التنبؤ به، أما الفوضى التي تتسلل من الإقليم وترتحل عبره، وتتصادف تقاطعاتها في الأردن، فهي مرهقة من حيث عدم خضوعها لمبدأ التوقع، وانفتاحها على عشرات الاحتمالات.
هل كانت الخلية في ماركا الجنوبية تخطط لفعل إرهابي داخل الأردن؟ أم أن موقعها كان جزءًا من سلسلة توريد لتمارس أعمالًا وراء الحدود؟ لمصلحة من، ولإلحاق الضرر بمن؟ هذه أسئلة من المهم الحصول على إجابة لها فيما يتعلق بالحادثة الأخيرة، ولكنها ليست مهمة على أية حال في سياق الاستراتيجية الأمنية الأردنية في منظورها الأوسع القائم على قناعة أن الإقليم يعايش مخاطر ممتدة لا تستثني أحدًا، وأنه عرضة لعملية خلخلة واسعة، وأن البعض بدأ يفكر في رسم خرائط جديدة، وأن العالم يعيش عملية سيولة وفوضى تحتل فيها إدارة الاعتقاد وهندسة الغضب والمظلومية موقعًا مركزيًا في تحديد التوجهات وترسيم السيناريوهات المستقبلية.
في حالة كانت الخلية تنتمي إلى التيارات التكفيرية التقليدية فهذه مسألة معادة ومكررة، أما في حال ارتباطها بميليشيات وراء الحدود، وتحديدًا من الجنوب السوري الذي يشهد حالة من التأرجح بين الاستقرار الهش والفوضى المؤجلة، فهذه مسألة أخرى ربما تدفع للعمل على بناء تصورات جديدة خاصةً لأن الموضوع سيتخذ بعدًا سياسيًا في مرحلة مضطربة من الأساس على المستوى السياسي.
التكفيريون يعرفون الدولة الأردنية، وعادةً ما يتعاملون معها بشهوة الحصول على ثغرة وجودية داخلها كما تمكنوا في بعض المواقع في سوريا والعراق وليبيا، وحتى في مصر مع التنظيمات التكفيرية في سيناء، ويبدو أن ذلك مستغلق بصورة كبيرة، والأردن تحديدًا يؤمن بأن هذه الجماعات لا يمكن التفاوض معها ولا يمكن تطويعها أو استيعابها، ويختلف في مقاربته تجاهها مع جميع الحلفاء في الحرب على الإرهاب، لأنه ببساطة لا يمتلك رفاهية التجربة والخطأ في ملف بهذه الأهمية، ولا يمكن أن يفتح طريقًا لهزات مجتمعية غير ضرورية لمجرد فرصة كما تفكر الأجهزة الأخرى، كما أن الأردن لا يوظف التكفيريين أو غيرهم في أي صفقات إقليمية سواء بالتشجيع أو غض الطرف لقناعته بمسؤولية موقعه داخل الإقليم بين دول عربية تربطه معها علاقات طيبة تشكل العلاقات معها جزءًا من تشكيله الاقتصادي وحتى الاجتماعي.
أما في حالة وقوف ميليشيات مرتبطة بالأحداث في سوريا فالأردن يدرك الأردن أن الوضع القائم هناك هو اللا – توازن الذي تحاول الدولة السورية أن تتعامل معه، وعلى الرغم مما يبدو ظاهريًا من تباين في الآراء والدخول في طريق مسدود، إلا أن السوريين يدركون أن الأردن كان يعمل في نفس السياق الذي يخدم مصالح الدولة السورية في حربه على تنظيم داعش، وأنه ليس مضطرًا أن يعمل في جميع توجهاته بما يخدم هذا المسار، بل وربما يتخذ مواقف تعمل في اتجاه آخر، ليس المعاكس بالضرورة، والمحصلة أن الأردن يرغب في التهدئة داخل سوريا، أي الوصول إلى وضع قابل لاستئناف العيش بصورة طبيعية في البلد العربي الشقيق، لا التسخين الذي يؤدي إلى الغليان وضرورة تحمل البخار الساخن المتمثل في قضية اللاجئين والمخدرات، أو انفجار الوضع بصورة تعيد الأوضاع لحالة أسوأ من حقبة صعود التنظيمات الإرهابية بعد سقوط بغداد سنة 2003.
وجود دولة تقوم على منظومة يمكن تقييمها بين معقولة وكافية وجيدة في وسط إقليم تسوده الفوضى يعيق المشروعات الأوسع على المستوى الإقليمي سواء كانت أيديولوجية أو تعبيرًا عن ضغوط توسعية، ولذلك فالأردن لا يتوقع أن يهادن في مسألة تتعلق بأمنه واستقراره، وتبقى المشكلة هي تعدد مسارات التهديد ومكامن الخطر بصورة ترفع من التكلفة وتزيد من الإرهاق وهو ما يتطلب أعلى درجات المسؤولية وعدم تجيير الحدث أو غيره مما يمكن أن يتقاطع مع مصالح الأردن لأي حسابات شخصية ضيقة أو سعي وراء مكاسب مهما عظمت تبقى متواضعة بل وتافهة أمام النموذج الذي تحقق نتيجة عطاء الأردنيين وتماسكهم ووعيهم وصبرهم.